fbpx
قلم وميدان

مراجعات الثورة المصرية: معارك “الثقة”

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

هل البداية الحقيقة للموقف المصري اليوم يتعلق بتراكم الأزمات على مدار عشرات ومئات السنوات؟ وبالتالي عدم القدرة على مجرد تخيل حل للوضع المصري لا الخطو إليه؟ على ما أتيح للكنانة وأهلها من فرص سهلة أضاعوها بسهولة، فهل تبدأ ماساة اليوم في صورتها الحديثة في عام 1805م حينما استطاع “محمد علي” حكم مصر؟ اتكاءً على الزعامة الشعبية حينذاك في صورة غير مباشرة لما أراده المُحتل، ودس من أجله “الوافد الألباني” على المصريين، مُنتهزاً “هبّة شعبية أهدرها المصريون الحقيقيون كعادتهم وصولاً إلى 25 من يناير/كانون الثاني 2011.

وقبل إعادة “محمد علي” بناء جيش مصر، في نسخته الحديثة، وبداية أزمنة العسكر المريرة، وبالتالي تقنين الفساد العسكري، مع تكوين “دولاب الدولة المصرية” العقيم، ومؤازرته للفساد العسكري بنظيره المدني، قبل هذا وذاك كان باستطاعة كبراء المصريين، بخاصة نقيب الأشراف “عمر مكرم” تقديم مصري لحكم البلاد بدلاً من العسكري الوافد المُتخلف عن الركب بها (كان “محم علي” من بقايا العسكر العثماني المُقاوم للحملة الفرنسية)، ولكن المشايخ بداية “عمر مكرم” في 13 من مايو/أيار 1805 اختاروا “الألباني” ثقة فيه.

مكون بارز في حياة المصريين يدعو إلى الدراسة العميقة المتأنية: لماذا بدتْ عدم الثقة من أهل الكنانة في واحد منهم واضحة في تلك اللحظة التاريخية الفارقة؟ ومعروف ما فعله “علي باشا” الكبير من الانقلاب على الجميع، حتى المشايخ الذين ولوه، في قراءة لكتاب انقلابي ما تزال مصر تقرأ منه عُنوة حتى اليوم، عدم ثقة عامة في النفس في أثمرت تعجلاً في الاعتماد على القدرات الخاصة لدى الإخوان فيما بعد!

في 13 من مايو/أيار 1805م كانت اللحظة التاريخية مواتية فانحاز المصريون إلى  “محمد علي” الألباني الوافد على حساب المصريين الثقات، لما أبداه الأخير من حسن السمع والطاعة لهم.

موعودة مصر بأولئك الذين يأتون في اللحظات التاريخية الفارقة منذ 1805، 1954، و2012، من “محمد علي” مروراً بـ”جمال عبد الناصر” حتى “عبد الفتاح السيسي” ليخدعوا الشيوخ وعلماء الدين من أكابر المصريين على الإطلاق، والحقيقة أن الدراسة المنشودة لتاريخ مصر، بآليات علمية يجب أن تتوقف طويلاً لدى تضييع الفرص.

أما حقيقة “محمد علي” الذي جاء إلى المصريين في وقت اضطراب بين المماليك والعثمانيين، وكان بقي من القوات الأخيرة لمقاومة الحملة الفرنسية، وعقب جلائها: (أفضى ذلك إلى  فترة من الفوضى نتيجة الصراع بين العثمانيين الراغبين في أن يكون لهم سلطة فعلية لا شكلية على مصر، وعدم العودة للحالة التي كان عليها حكم مصر في أيدي المماليك، وبين المماليك الذين رأوا في ذلك سلبًا لحق أصيل من حقوقهم. شمل ذلك الصراع مجموعة من المؤامرات والاغتيالات في صفوف الطرفين، راح ضحيتها أكثر من والٍ من الولاة العثمانيين).

لدينا شعب يود الحياة في أمان، ووعي غير مزدهر بين جنباته، في فترة إظلام تاريخي، وذلك حلم متكرر بداية من القرن التاسع عشر حتى اليوم، وما من مرة نجح، إذ إن الرغبة في إيقاف التدهور المُعاشة على جميع الصعد في مصر تنتهي بالإتيان بحاكم جديد لها أشد ضراوة من سابقيه، بدرجات مختلفة، بداية من “محمد علي” الذي قيل عنه: (استخدم قواته الألبانية للوقيعة بين الطرفين، وإيجاد مكان له على مسرح الأحداث، كما أظهر التودد إلى كبار رجالات المصريين وعلمائهم ومجالستهم والصلاة ورائهم، وإظهار العطف والرعاية لمتاعب الشعب المصري وآلامه، مما أكسبه أيضًا ود المصريين).

فإذا قارنا هذه الكلمات بحال مصر بعد 11 من فبراير/شباط 2011م، والقلاقل التي كان يتعمد الجيش نشرها في البلاد بداية من الاعتداء على المتظاهرين أنفسهم مساء يوم إعلان “حسني مبارك” التخلي عن حكم مصر، وتكليف المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد، عقب تخليه عن الحكم، ومروراً بكشوف العذرية عقبها بأيام (والتى أشرف عليها قائد المخابرات العسكرية عبد الفتاح السيسي بنفسه)، وفوضى شارع “محمد محمود” الأولى والثانية نوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول 2011م، وبمقارنة هذا كله بتودد “السيسي” للرئيس مرسي، وما كتبه الرئيس الراحل “محمد نجيب” (في كتابه “كنتُ رئيساً لمصر”، المركز المصري الحديث، الطبعة الأولى 1984م) عن شخصية “جمال عبد الناصر” الرجل الذي يلبس لكل حدث ثوبه، ويلين مع الأحداث ليناً لا يبدو نهائياً، وفي سبيله يغير من جلده ومن مبادئه”، علمنا كيف تتكرر الأحداث على الكنانة في سياق واحد، من “محمد علي وأسرته”، مروراً بـ”جمال عبد الناصر”، ونهاية بالسيسي!.

أما أصل قصة “محمد علي”، كما تقول منصة البيانات المفتوحة المُترجمة عن المكتبة الوطنية الفرنسية فكالتالي: “في عام 1803 أوفد نابليون مبعوثًا شخصيًا إلي مصر هو ماتيو ديليسبس (والد فرديناند)، وكان مقربا لشيوخ الأزهرخاصة علماء الديوان الذي كان نابليون قد أسسه في القاهرة، وكان أن التقط في أثناء فترة الفراغ السياسي 1801 إلي 1805م، الطابع الخاص الذي يميز الضابط الألباني محمد عليفاقترب منه قبل أن يقربه إليه ثم يقربه من العلماء.

وما لبث أن تولى محمد علي حكم مصر بإرادة شعبية واستدعى نابليون “ماتيو ديليسبس” وحل محله فرنسي آخر هو “دوروفيتي” وأصبح المستشار الفعلي السياسي والعسكري والإداري لمحمد علي. وكان آخر ماطلبه “ماتيو ديليسبس” من محمد علي قبل رحيله هو الأخذ بيد ابنه الوليد فرديناند. وفي سن السابعة والعشرين اختير فرديناند ديلسبس قنصلاً مساعدًا لفرنسا بالإسكندرية عام 1832م).

فالأمر يخص “دس” “محمد علي” على كبراء المصريين من جانب “نابليون”، وأداته “ديليسبس” الأب، وقيل أن الأخير أوعز إلى المُقربين من الباب العالي في الأستانة بقبوله، مقابل ازدياد نفوذ الابن والأب في مصر.

من مطامع إلى أخرى تمضي الحياة بمصر إذاً، ومن محاولة ثورة إلى أخرى يأتي حاكم يزيد من معاناة المصريين، وأسرة “محمد علي” امتدت حتى 23 من يوليو/تموز 1952م، وكانت أحداث يوليو أهون حالاً من أحداث لحقتها، والأخيرة كانت كانوا أهون حالاً من حاكم مصر اليوم!

ومن عجائب الأقدار ما يرويه المؤرخ الراحل “عبد الرحمن الرافعي” (في كتابه “عصر محمد علي” طبعة “دار المعارف”، نسخة الكترونية) أنه لما اشتد الصراع حول المكوس والضرائب التي بالغ (الحاكم الألباني) فيها حتى وصل الأمر إلى تذمر الناس، مع تدخل قوات الشرطة بالاعتقال العشوائي حتى لأحد طلاب العلم في الأزهر الشريف حتى جاء يوم 30 من يونيو/حزيران 1809م: “في يوم السبت 17 جمادي الأولى سنة 1224 هــ (30 يونية سنة 1809) بينما الشيوخ حاضرون بالأزهر كعادتهم لقراءة الدروس أقبل الناس أفواجًا من رجال ونساء، ومنهم أهل الطالب المسجون يصرخون ويستغيثون، وأبطلوا الدروس، فاجتمع الشيوخ بالقبلة، وأرسلوا الى السيد عمر مكرم فحضر إليهم وأخذوا يتداولون الرأي فيما يجب عمله.. “.

حتى تواريخ الأيام تتطابق يمنة ويساراً من 30 من يونيو/حُزيران 1809 حتى 30 يونيو/حُزيران 2013م، تواريخ ودلالات تحتاج المُدقق!

وحدث ما كان من نفي الشيخ “عمر مكرم” مرتين عن القاهرة، وانفراد “محمد علي” بحكم مصر، والشاهد هنا ما يقوله مؤرخون من أن الأخير أسس لدولة قامت على البطش العسكري عبر مدرسة “الحربية” في أسوان، حتى أنه قيل أنه أنشأ بقية المدراس المُختلفة خدمة للجيش، واستغل في ذلك العمق المصري في الجندية المُطيعة للأوامر، وجاء نظام التجنيد القهري ليجعل المصري عبداً داخل إطار التجنيد يخرج من الحياة المدنية إلى رداء خاص وحياة خاصة فيها الذل والمهانة وربما الموت تحت اسم الوطن، وتحقيق ميول الحكام التوسعية وأحياناً غير المتعلقة بالنشاط الحربي من الأساس، وإن أبقى “محمد علي” على اسم المدرسة “الحربية”، ثم تم إنشاء نظارة “الجهادية” عام 1879م واستمرت حتى 1915 فتحولت إلى وزارة “الجهادية”، وظلت بهذا الاسم حتى جاءت معاهدة “كامب ديفيد” ليصبح اسمها في نهاية السبعينيات “وزارة الدفاع” في دلالة لا تخفى على أحد!(1).

————————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close