fbpx
قلم وميدان

سوريا: أي شيء أفضل من انتظار الموت

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في وقف إطلاق النار الأول، في 27 فبراير 2016، وفي الساعة الأولى من اليوم الأول من وقف إطلاق النار الأول، هرع السوريون إلى الشوارع. كانوا نحفاء وشاحبين ومنهكين ومدمرين. ولكن بعد خمس سنوات وخمسمائة ألف قتيل، ومع وقف إطلاق النار الأخير، فإنهم هرعوا إلى الشوارع مرة ثانية. ولكنهم اليوم لا يعارضون الأسد وحده، ولكن تنظيم الدولة الإسلامية أيضًا، وكذلك كلا من الروس والأمريكيين.

ففي الرؤية العامة للشعب السوري فإن العقبة الكؤود في بلادهم هو ذلك الاختلاف بين روسيا والولايات المتحدة. بل بالأحرى اتفاقهم! فمنذ أن تحول الجهاديون للسيطرة على المشهد الثوري، قرر العالم أن أي شيء سيكون أفضل من حكمهم بالشريعة، حتى لو كان ذلك البراميل المتفجرة، أو حتى الهجمات بالغازات السامة، أو القنابل الحارقة أو التجويع. فعلى أي حال يظل الأسد الأقل شرًا. ولكن في سوريا فإن مفهوم “الأقل شرًا” يعتمد على المكان الذي أنت فيه، وفي الحقيقة لا يهم إذا ما كنت سنيًا أو شيعيًا، مسلمًا أو مسيحيًا: فإذا أتيت من الرقة، من عاصمة داعش، فسيكون الأقل شرًا بالتأكيد هو الأسد. ولكن إذا أتيت من حلب، فبالنسبة لك سيكون أي شيء أفضل من الأسد، أي شيء سيكون أفضل من انتظار الموت.

فعلى الورق، فإن استراتيجية مبعوث الأمم لمتحدة ستيفان دي مستورا منطقية، لأنها لا تركز على الوصول إلى اتفاقية عبر البلاد، ولكنها تهدف إلى هدنات محلية: إنها استراتيجية تدريجية، وربما تكون الوحيدة القابلة للتنفيذ في حرب يتقاتل فيها عدد لا حصر له من المجموعات المسلحة، بالإضافة إلى عدد لا حصر له من العصابات، وعدد لا حصر له من الفاسدين. وعندما يتعلق الأمر بالثوار، فإن مثل ذلك التشظي يُصبح واضحًا ومعروفًا، ولكن على الجانب الآخر من المواجهة فإن المستنقع ليس أقل عمقًا، ولكنه فقط غير مرئي وببساطة أقل تغطية.

فما نشير إليه تكرارًا على أنه “جيش الأسد” ببساطة غير موجود؛ إنه مجرد توليفة غير عادية من طائرات روسية ومقاتلين لحزب الله وجنود إيرانيين ومرتزقة ولاجئين أفغان أُجبروا على القتال. فعلى كلا الجانبين من الحدود هناك اليوم العديد من نقاط التفتيش لابتزاز الأموال أكثر من كونها لإيقاف الأعداء، والأمر ذاته ينطبق على الكثير من عمليات الحصار، التي يتم تطبيقها فقط من أجل التربح من السوق السوداء.

ومن الواضح الآن أنه لا أحد، لا الأسد ولا الثوار، يمكنه الانتصار في تلك الحرب: لأنه لا أحد لديه السلطة، والأهم على الإطلاق هو الدعم الشعبي لحكم البلاد: فهنا طريق واحد للخروج من ذلك، وهو إقناع السوريين بالعودة، وأن يأخذوا سوريا مرة ثانية في أيديهم، لأن البلاد محصورة الآن بين أيديهم، ولكن السوريين اتخذوا قرارهم، وهو اختيار يتخطى كل شيء، فقد قرروا الرحيل جميعًا، وانشقوا جميعًا، ولكن حتى الآن فإن أوقات وقف إطلاق النار هي المناسبة المثلى للعودة إلى سوريا وإعادة النظر في اختيارات السوريين. فعلى مر العام الماضي 71.5% من المساعدات تم تقديمها إلى المناطق التي يسيطر عليها الأسد، بالرغم من أن 99% من المناطق المحاصرة في سوريا تحت سيطرة جيشه، وليس الثوار. لذلك فإن الرسالة هي أنه لكيلا يتم تجويعك ولا يتم قصفك، يجب عليك أن تعيش تحت حكم الأسد.

وطبقًا للأمم المتحدة بالطبع فإن ذلك يرجع إلى أسباب أمنية وليس أكثر؛ فبعض المناطق ببساطة لا يمكن الوصول إليها، مثل “دوما” على سبيل المثال، والتي تقع بالقرب من دمشق، تلك البلدة التي تقطعها شاحنات المساعدات بصورة دائمة وهي في طريقها إلى كفر باتنة، ولكن عندما وصلت المساعدات في النهاية في 12 مايو إلى داريا، على الجانب الآخر، وبعد أربع سنوات من الحصار، فإن الأمم المتحدة سلمت للسكان فقط شبكات الحماية من البعوض للوقاية من الملاريا! حتى بالرغم من أنه في داريا لا يوجد ملاريا. لم توجد ملاريا على الإطلاق في يوم من الأيام!

إن الحرب في سوريا الآن عبارة عن عدة حروب تجري في الوقت ذاته، إنها حرب بوتن، كما أنها حرب إردوغان، وهي كذلك حرب لحزب الله، وهي حرب للأكراد وحرب لداعش وحرب على داعش، إنها حروب عديدة، ولكن لا توجد حرب من أجل سوريا، وتلك هي العقبة الكؤود.

فإذا لم تكن أولوية روسيا هي إبقاء الأسد في السلطة، ولكن العودة إلى الساحة العالمية، فإن أولوية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كذلك هي إبقاء الإسلاميين خارج السلطة. فقد أصبح من المسلّمات بالنسبة للغرب أن الإسلاميين، كل الإسلاميين، بدون أي تفاصيل، والذين يجرؤون على القول بأنهم يريدون العيش طبقًا لتعاليم القرآن، فإن ذلك أصبح محرمًا على للجميع. فالصفقة هي أن الإسلاميين يجب ألا يلعبوا أي دور في مستقبل سوريا، فهم فقط سفاحون، ولكن في النهاية فإن ما يتصارع من أجله الإسلاميون هو عينه ما يتصارع من أجله الجميع: الحرية والكرامة والعدالة، وذلك لأنه في سوريا، وما وراء سوريا عبر الشرق الأوسط، فإن القضية اليوم ليست قضية سنة أو شيعة، إنها ببساطة وبواقعية أن في العالم هناك 62 مليارديرًا يملكون ثروة أكثر من نصف سكان الأرض وهذا العالم من المؤكد أنه محكوم عليه بالفشل. إن الإسلاميون ليس كلهم مثل الجهادي جون الذباح؛ إنهم متنوعون للغاية، إنهم ليسوا قتلة، كما أنهم ليسا مجانين، أما بالنسة للكثيرين منا فربما نعتبرهم إنهم يقدمون حلولا خاطئة: ولكن المشكلات التي يحاولون مواجهتها هي مشكلات حقيقية.

وبغض النظر عن مدى صعوبتها، فإنه من أجل الدفاع عن الديموقراطية فيجب عليك ألا تقاومها؛ فقط تمارسها، فلقد تابعت تلك الحرب منذ بدايتها، وبكل أمانة، فإن اللحظة الفارقة كانت الانقلاب في مصر في الثالث من يوليو 2013، الانقلاب ضد الرئيس مرسي الذي أقنع الكثير من السوريين أن التصويت والانتخابات هو تضييع للوقت، انتخابات أو ديموقراطية، فإنك في النهاية سوف يتم عزلك من السلطة على أي حال. وفي ذلك الوقت رأيت التغيير، عندما رأيت الإسلاميين يتحولون إلى جهاديين. فخمس سنوات وخمسمائة ألف قتيل وبالرغم من كل ذلك لا زلت أغطي القصة ذاتها: صراع على العدالة. صراع من أجل الحرية، من أجل الكرامة، ولكنها كانت ثورة، وقد أصبحت الآن حربًا.

في السابق كنت أقوم بالتغطية الصحفية للصراع السوري، ثم أصبحت أغطي سوريا والعراق، والآن أنا أعمل على سوريا والعراق وليبيا، ثم وصلنا إلى تلك البديهية المتوقعة، إننا الآن كصحفيين نعمل في مجال تغطية الحروب أصبحنا نعمل أيضًا على باريس وبروكسل، الآن يعمل صحفيو الحروب في كل مكان في العالم (1).

——————————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close