fbpx
قلم وميدان

ريجيني: ابتزاز في مصر وصمت في إيطاليا

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

لا أعرف، صراحةً، إن كانت صدمتي من الوحشية التي قُتِل بها ريجيني، وخاصةً السهولة التي تمت بها هذه الوحشية أكثر، أم من صمت إيطاليا؟ فمن جانب، هناك مسؤولون كبار في السلطة الحاكمة الآن في مصر يتناقشون في كيفية التخلص من الجثة بكل سهولة ويسر كما لو كانوا يقومون بعمل شيء عادي، ولكن على الجانب الأخر لا شيء. فَلَو كان جوليو ريجيني سائحاً، أو واحداً من أولئك الذين يسرقون السلاحف المحمية أو قطع صغيرة من الأهرامات، لكان هناك وابل من المكالمات من جانب القنصل. ولكن خلافاً لذلك “صمت كامل من إيطاليا”.

عودة ظهور المجهول:

في التحقيقات حول جريمة قتل ريجيني، الباحث الذي ينتمي إلى مقاطعة فريولي فينيتسيا، والذي وُجد مقتولا في القاهرة بتاريخ ٣ فبراير، ظهر مجهول جديد: وروايته تتطابق مع ما جاء ذكره في رواية جريدة Il Fatto Quotidiano “الحقيقة اليومية”، وليس فقط مع الرواية التي قال بها عمرو دراج أحد قيادات الإخوان المسلمين المصريين في إسطنبول، والذي كان أول من قدم لنا إفتراضات عن العداء والصراع بين أجهزة المخابرات، إذ كان المجهول الأول، بالفعل كشف أن ريجيني قد قُتِل لأنه يقال أنه كان جاسوساً، وليس بالطبع لأنه سُرق، كما تم التسويق له بسذاجة من قِبل السلطات المصرية، فإن المجهول الجديد يُفسر الآن وبمزيد من التفصيل كيف تم تقاذف ريجيني بين الأمن الوطني والمخابرات الحربية، وفي النهاية تعذيبه وقتله بيد هذا الأخير. غير أن الأمن الوطني كان هو المسؤول عن التخلص من الجثة، حينما ترك عمداً بجانبها غطاء من النوع الذي يستخدم حصرياً من جانب العسكريين “بطانية جيش”، كدليل، لتحويل هذا الجسم لوسيلة إبتزاز.

“لم أكن أتخيل أن يكون ريجيني مُتتبَعاً منذ يوم قدومه إلى القاهرة” يقول عمرو دراج “إعتقدت بديهياً: بأن هذا نظام لا يترك أي مهرب أو مفر ولكن وبدلاً من ذلك تبين لي العكس. فهذه الجريمة لا تشي بوجود نظام قوي صلب، ولكن نظام ألعوبة في يد الجميع، يخاف من أي أحد”.

وأضاف دراج: “يعتقد الكثيرون بأن رجال في الشرق الأوسط مثل السيسي، أو من هو أسوأ، مثل الأسد، هم الضمانة الوحيدة الممكنة للإستقرار، هنا هم مقتنعون بأن الدولة موجودة، وخلافاً لذلك سوف تنهار. ثم ما تلبث أن تقرأ ما أرسله المجهول وتكتشف بأن عباس كامل، وهو كما نقول السيسي، لأنه رئيس مكتبه، استدعى وزير الداخلية في مكتبه لإبلاغه بإقالته، وكان رد الوزير بأن مجرد محاولة إقالته سوف يكون لها عواقب وخيمة وأنه، أي عباس كامل، سوف ينتهي به المطاف أيضاً في السجن بتهمة قتل ريجيني. هل هذا هو الإستقرار؟ هل هذا هو التشابك الذي يضع مسؤلاً في فخ إبتزاز الأخر؟ إن قراءة الحقائق الجديدة التي تسربت عن مقتل ريجيني، تؤكد أن الدولة المصرية قد انهارت بالفعل، ما هي المصالح التي تريدونها بالدفاع عن السيسي، والتي بالتأكيد ليست هي مصالحنا كمصريين، هو ليس نظام: هو ليس حتى الفاشية، والتي كانت قطاراتها تصل في الوقت المحدد، بل هي مافيا”.

فقط أعمال تجارية، لا انتقادات

ومع ذلك لا شيء، حيث يقول: “صمت مطبق من جانب إيطاليا”، والتي تعتبر الشريك التجاري الأول لمصر بين دول الإتحاد الأوروبي والثالث عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين، وهو ما قد يمكنّها من توجيه توبيخ للسيسي: ولكن بدلاً مِن ذلك تصمت”.  “ومن أجل هذا عاود المجهول مرة أخرى الظهور. من الواضح أنهم كانوا يعتقدون بأنه إذا قدّموا بعض القرائن، أو الحد الأدنى من التوجيه، لن يكون هناك أي عذر للتقاعس عن العمل. ولكن لا شيء. حتى أن المجهول لا يتوقع الكثير من المجهود. وأعتقد بأنه ليس بالضبط شريراً”.

ويقول عمرو درّاج، بأن لديه شعور بأن المحققين الإيطاليين تُركوا بمفردهم في مستنقع القاهرة. وذلك على حساب ما يوصف بـ “الحقيقة السياسية” لأن هذه القضية ليست مجرد حادثة قتل عادية، ليست مسألة العثور على القاتل أي المنفذ الفعلي، بل ما يهم هنا، القيادة التي تصدر الأوامر. هنا لا يوجد فقط الدافع أو الباعث، ولكن مجموعة إجراءات”، ” قصر البحث على القاتل والذي من الممكن أن لا يتم الاهتداء له أبداً هو عبارة عن وسيلة خفية للتغطية على كل شيء”. بمعني ترك المحققين ليطاردوا هدفاً لا يمكن إدراكه.

شركة إيني ومقامرة حقل ظهر:

في الأسابيع الأخيرة، تصاعدت وتيرة الضغوط على القاهرة، ما يقرب بالفعل من نصف عدد السكان يعيش تحت خط الفقر، عاود المصريون ركوب البحر للهجرة إلى أوروبا والموت في عرض البحر. قام النظام بالرد على المظاهرات بتنفيذ إعتقالات وقائية. ولكن للمرة الأولى، قطاعات عريضة من الأجهزة الأمنية لم تتدخل، واحتشدت، فعلياً في مواجهة السيسي. وفي هذا الملمح يشبه نظام السيسي كثيراً نظام مبارك: في أواخر أيامه. غير أنه لا يبدو أن كل هذا يقلق شركة إيني الإيطالية، والتي مازالت مستمرة في ضخ الغاز، عبر حقل ظهر، الذي تم إكتشافه قبل بضعة أشهر قبالة سواحل الإسكندرية، وهو واحد من أكبر حقول الغاز على مستوى العالم.

كان وجود الغاز في هذه المنطقة معروفا منذ سنوات، ومع ذلك لم تجرؤ شركة على استخراجه، ربما لسوء التقدير، أو ربما للخوف من العلاقات مع مصر، ذلك أنه بلد لديه عجز في الطاقة، والذي في الوقت الراهن، يمكن ألا يدفع فواتير الغاز والبترول، وهنا يقول عمرو دراج (والذي كان يشغل منصب وزير التعاون الدولي في عهد الدكتور محمد مرسي): “كان لدينا ديون بقيمة ٩ مليار دولار مع موردي الغاز والبترول تم خفضها إلى ٣ مليارات دولار في الأشهر الأخيرة، وكانت المملكة العربية السعودية هي من قامت بدفع هذه الديون، والآن المملكة العربية السعودية في أزمة بسبب إنهيار أسعار النفط، ولا تستطيع مساعدة النظام القائم حاليا بالشكل المنشود، وأصبح الاقتصاد المصري في حالة ركود، وإجمالياً لسنا في ظروف تسمح لنا بدفع ثمن لا الغاز ولا أي شيء آخر”. ونستمع إلى كلمات خالد عبد البديع المدير التنفيذي ل EGAS حيث يقول بأنه “سيتم بيع جميع كميات الغاز إلى مصر”.

وأصبح الهدف الرئيس للنظام العسكري في مصر، هو إبقاء السلطة في يد السيسي للقيام بأعمال تجارية؟ أو ربما العكس، القيام بأعمال تجارية مع السيسي لإبقائه في السلطة؟ “ما هو مؤكد الأن، ان السيسي ينتظر الغاز، ومن تجربتنا، أن السيسي لا يحب معارضته (1).

———————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close