fbpx
تقديرات

خطاب كيري والمستوطنات: لماذا الآن

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد

ألقي وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، كلمة له في مقر وزارة الخارجية الأميركية، الأربعاء 28 ديسمبر 2016، دافع فيها عن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن القاضي بإدانة الاستيطان الإسرائيلي، بدلاً من استخدام الفيتو، متحدثًا عن أن قرار بلاده يأتي للحفاظ على حل الدولتين، وأن حل الدولتين هو الطريق الوحيد للوصول إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وعرض كيري ما وُصفت بأنها رؤية شاملة لإحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، في وقت رفضت فيه إدارة الرئيس باراك أوباما اتهام إسرائيل لها بأنها نسقت القرار الدولي الأخير المناهض الاستيطان، ويأتي الخطاب بعد أيام من تبني مجلس الأمن الدولي بأغلبية 14 من أعضاء مجلس الأمن الدولي قراراً يطالب بوقف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على القرار الذي تقدمت به ماليزيا ونيوزيلندا والسنغال وفنزويلا بعدما تخلت عنه مصر، في سابقة هي الأولى منذ عام 1979 التي لا تستخدم فيها واشنطن حق النقض (فيتو) ضد قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي (الجزيرة).

 

وتأتي هذه القراءة الأولية في الخطاب لبيان المضامين الأساسية، وردود الفعل الفلسطينية والصهيونية عليه، ودلالات الخطاب وموقعه بين ثوابت السياسة الأميركية:

أولاً: المضامين الأساسية للخطاب:

هاجم كيري الكيان الصهيوني قائلاً: “إنها لا تؤمن كما يبدو سوى بـ “إسرائيل العظمى” وترفض حل الدولتين، مؤكدا وقوف واشنطن مع حقها في “الدفاع عن نفسها”. وقال “خلال ولايتي (الرئيس باراك) أوباما التزمت الإدارة الأميركية بأمن إسرائيل “.

وأضاف أن غالبية الأراضي التي يجب أن تكون تحت سيطرة الفلسطينيين حسب اتفاقية أوسلو أصبحت تحت السيطرة الإسرائيلية، مشدداً على أن المستوطنات في الضفة الغربية تُهدد أمل الفلسطينيين بإقامة دولتهم ومستقبل إسرائيل في آن واحد. وأكد كيري أن “الدول العربية لن تُطبع العلاقات مع إسرائيل إن لم تحل مشكلتها مع الفلسطينيين”، منتقدا الحواجز الأمنية، التي تنتشر في المناطق الفلسطينية والتي تحد من حركة الفلسطينيين متسائلا “هل يرضى أي إسرائيلي أو أمريكي العيش تحت الاحتلال”؟ .

ودعا كيري الجانبين إلى القبول بحل الدولتين، وفقا لحدود عام 1967 مع إمكانية تبادل الأراضي وتعويض الفلسطينيين المتضررين. ورأى أن “القدس يجب أن تكون عاصمة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية”، مكررا دعوته للفلسطينيين إلى الاعتراف بإسرائيل “كدولة يهودية “.خاتما حديثة بوصف الحكومة الإسرائيلية بأنها “الأكثر يمينية” في التاريخ.

 

ثانياً: ردود الفعل الصهيونية والفلسطينية:

صهيونياً، قال رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو: “نحن الآن في عيد الميلاد (المسيح)، وربما وزير الخارجية جون كيري لم يلاحظ أن إسرائيل هي المكان الوحيد في الشرق الأوسط، الذي يمكن للمسيحيين فيه الاحتفال بعيد الميلاد في ظل الأمن والسلام والفرح، ويحدثنا كيري بأننا ننشر الكراهية. ونشر نتنياهو على صفحته على “الفيس بوك” صورة للرئيس أوباما، عام 2008 وهو يصلي على حائط البراك وصورة له عام 2016 يقول فيها إنها أرض فلسطينية.

ومن جانبه قال وزير السياحة “ياريف ليفين” إن خطاب كيري به كلام كثير وفهم قليل. كما ردد وزير التربية التعليم ورئيس حزب البيت اليهودي “نفتالى بينيت”: “صحيح” نحن قلقون من إقامة دولة إرهابية أخري في البلاد”.

أما أحزاب اليسار (المعارضة)، فقد صرح زعيم المعارضة ورئيس معسكر الصهيوني عضو الكنيست يتسحاق هرتسوغ: “إن خطاب وزيرة الخارجية الأمريكية، جون كيري، يعكس قلق حقيقي على أمن ومستقبل إسرائيل. وكان كيري دائما صديقا لإسرائيل، ولا يزال صديقا لإسرائيل “.

وفلسطينياً، وتعقيباً على كلمة كيري، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن القيادة الفلسطينية مستعدة لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل في حال وافقت على وقف الاستيطان، وقال في بيانه الذي تلاه، صائب عريقات، أمينُ سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، : “في اللحظة التي توافق فيها الحكومة الإسرائيلية على وقف جميع النشاطات الاستيطانية، وبما يشمل القدس الشرقية، وتوافق على تطبيق الاتفاقات الموقعة على أساسٍ متبادلٍ، فإن القيادة الفلسطينية ستكون جاهزة لاستئناف مفاوضاتِ الوضع النهائي معها” .

 

ثالثاً: خطاب كيري .. لماذا الآن؟

يأتي خطاب كيري، ومن قبله موقف الإدارة الأميركية في مجلس الأمن، متزامناً مع نهاية فترة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتسليمه السلطة للرئيس المنتخب دونالد ترامب، وفي هذا السياق تبرز عدة ملاحظات أساسية، من المهم الوقوف عليها لفهم سياقات خطاب كيري ودلالات التوقيت:

1ـ الثوابت الأميركية:

(أ) لا يمكن تجاهل الخلافات التي شهدتها السنوات الماضية  في الرؤية السياسية بين كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس وزراء الكيان الصهيوني، نتنياهو، في العديد من القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، كالملف النووي الإيراني، وملف الاستيطان، ودوره في تعطيل العملية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وهذا ما أكدته صحيفة يديعوت احرنوت بتاريخ 22-9-2016م. ومن المؤشرات التي توضح مدى الفجوة بين الطرفين هو رفض أوباما استقبال نتنياهو خلال زيارته للولايات المتحدة لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة .مما دفع نتنياهو إلى الغاء زيارته. وقد تناولت القناة العاشرة الإسرائيلية، في تقرير مطول لها، وجهات النظر المختلفة بين “أوباما” و”نتنياهو” تجاه العملية السلمية مع الفلسطينيين.

(ب) قد تُفهم الخطوات الأميركية الأخيرة، في إطار الرغبة أن تبقى هي الراع الوحيد للصراع الفلسطيني الاسرائيلي؛ خاصة في ظل تزايد رغبات بعض الدول في أن تلعب دور الوسيط في هذا الصراع، سواء قوى عالمية كبري كروسيا وفرنسا، أو قوى إقليمية كتركيا ومصر والسعودية.

(ج) جرت العادة في السياسة الخارجية الأميركية، أن تشهد درجة من التحرر من قيود اللوبي الصهيوني في نهاية كل فترة رئاسية؛ وتحديداً في نهاية الفترة الثانية؛ ومن هنا يفسر البعض تحرك أوباما، وتبني إدارته مواقف أكثر اعتدالاً، وهو ما يعني عدم جدية التوجهات التي تصدر خلال تلك الفترة، كونها للاستهلاك الخارجي فقط، وبالتالي لن يترتب عليها نتائج تذكر، كونها روتينية وتقليدية، ولها سوابق متعددة.

 

2ـ دلالات التوقيت:

(أ) يرى البعض أن السبب الرئيس وراء امتناع الإدارة الأميركية عن التصويت بشأن قرار مجلس الأمن حول الاستيطان ورفضها استخدام حق النقض (الفيتو)، المعتادة على استخدامه لحماية المصالح الصهيونية، هو محاولة وضع عقبات أمام إدارة ترامب؛ لمنعه من الانزلاق في تطبيق رؤيته والمواقف التي أعلنها أثناء الحملة الانتخابية، والتي يُمكن، من وجهة نظرها، أن تدفع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى التدهور الشامل، خاصة إذا تم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والدفاع عن سياسة إسرائيل الاستيطانية .ويساند موقف أوباما هذا العديد من الدول الكبرى لأن التصويت في مجلس الأمن كان أشبه بالإجماع. كما أن “دولة مثل ألمانيا أصدرت بياناً، تؤيد فيه قرار مجلس الأمن، وهو ما يعكس مخاوف عالمية من الأوضاع الأمنية والاستقرار في المنطقة، وفي العالم، في ظل عهد دونالد ترامب”.

(ب) أن الهالة الإعلامية العربية المصاحبة لخطاب كيري، والمرحبة بها، لم تقف على المضامين الحقيقية للخطاب، فتصريحات كيري، تعكس موافقته على قسم كبير من المطالب الاسرائيلية، وعلى رأسها الطلب بأن يشمل كل اتفاق سلام مستقبلي الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية. كما حدد كيري بأن حل مسألة اللاجئين الفلسطينيين، يجب أن تكون عادلة وواقعية ولكن بشكل “لا يؤثر على طابع دولة إسرائيل”. وأكد أن كل ترسيم مستقبلي للحدود يجب أن يقوم على احتفاظ “إسرائيل” بالمستوطنات الكبيرة. وأن الاتفاق الدائم يجب أن يُشكل نهاية للصراع وللمطالب الفلسطينية من “إسرائيل”، وأكد على أهمية الترتيبات الأمنية كمركب رئيسي في كل اتفاق.

 

خلاصة:

إن المواقف الأميركية المتأخرة، تأتي في سياق الاستهلاك الدولي، في الأمتار الأخيرة من ولاية كل رئيس قبل أن يغادر منصبه، هي في الحقيقية لذر الرماد في العيون، إلا أن هذه المواقف الأقرب للثوابت في السياسة الأميركية، تجد لها صدى وردود فعل تتعامل معها وكأنها تحولات جذرية، وفي كل موقف نجد السلطة الفلسطينية جاهزة لشراء أي وهم، في أي وقت، ومن أي شخص، مبررها في هذه الحالة، الخوف من توجهات الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب، التي تحمل رؤية مختلفة، على الأقل حتى الآن، وفق المعلن منها، عن إدارة ترامب، ولكن يبقي دائماً التحذير من السير خلف هذه المواقف، والرهانات الخاسرة على بعض الخطابات هنا وهناك، دون وجود رؤية حقيقية للتعاطي معها بفاعلية.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close