fbpx
دراساتالخليجخرائط قوى

خريطة القوى الدينية والفكرية في المملكة العربية السعودية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مقدمــة:

بدت المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، في المملكة العربية السعودية، على إختلاف تعبيراتها المؤسسية والحركية والفكرية من أبرز الفاعلين في المشهد العام سياسياً واجتماعياً، تنال الاهتمام في الدراسات والأبحاث المتخصصة وما تزال حقلاً مفتوحاً على جملة كبيرة من التساؤلات التي تتعلق بطبيعة أدوارها السياسية والاجتماعية ورؤيتها لقضايا حيوية مثل العلاقة مع الإسلام الصحوي عموماً والعلاقة بين الديني والسياسي والحريات العامة خصوصاً.

وقد وضعت الثورات العربية التيارات السلفية المختلفة، الرسمية وغير الرسمية، بمؤسساتها وأفكارها وأشخاصها، تحت الأضواء وأصبحوا موضوعاً إعلامياً ساخناً وتصاعد حجم الخصومة السياسية لهم والتخويف من مشروعاتهم الاجتماعية والثقافية ومن أهدافهم السياسية.. كما خلفت مناظرات وخلافات داخلية حول التغييرات العربية والداخلية.

وقد استخدم الباحثون تصنيفات مختلفة لهذه المؤسسات والحركات ورموزها وأفكارها، مما يتطلب استعمال أسماء إجرائية متعددة لاتجاهات السلفية المعاصرة، مع مراعاة أن التقسيمات المختلفة عادة ما تأتي ليس بسبب خلافات أساسية في المنهج بل هي واحدة في أصول وفروع الاعتقاد ومنهج الاستدلال، وإنما فروقات ظهرت متأخرة حول مسألة طاعة ولي الأمر، بالرغم أنها تتفق على حقيقة هذا المبدأ، لكنها تختلف في الممارسة العملية وفي أسلوب الخطاب، ولهذا ظهرت الفروقات بين طيف وآخر. إنها تختلف في طريقة وأسلوب ممارسة هذه الطاعة، ويستطيع الخبير بالخطاب الديني المحلي أن يميز بين اتجاه وآخر حتى في صياغة الدعاء على المنبر أحياناً، ونوعية المواقف في طريقة إنكار ما يرونه منكراً في المجتمع. إن هذه التصنيفات تؤكد أن مواجهة مظاهر متعددة من السلفية بدلاً من مواجهة حركة سلفية متجانسة ذات وجهات نظر ومناهج موحدة، كما أن التحولات في المنهج السلفي ليست موحدة بين مختلف التيارات، والحقيقة الهامة أن السلفية تمثل جزءاً هاماً من المجتمع والتركيبة الفكرية والثقافية والسياسية ولا يجب تجاهلها، والخيار الوحيد والأمثل للعلاقة مع هذه الحركات هو الحوار الموضوعي الذي يهدف إلى غرس التفاهم بشأن قواعد المعادلة السياسية التي تحكم جميع الأطراف.

وإنطلاقاً من هذا التنوع في التصنيفات والاختلافات في (الحالة السلفية) في المملكة العربية السعودية، تظهر الحاجة إلى وضع المؤسسة الدينية الرسمية وسائر القوى السلفية السعودية في دائرة البحث، لما لذلك من أهمية تتعلق أولاً باستيضاح تطور مواقفها من الإخوان المسلمين، وثانياً بدراسة تحولاتها الداخلية وتطور رؤاها تجاه التحديات التي تواجه الدولة والمجتمع، وثالثاً لمعرفة إمكانات التأثير عليها بما يحقق التحول الديمقراطي وقيم العدالة والحريات ليس في المملكة العربية السعودية فقط وإنما في عموم المنطقة العربية كلها.

وإضافة إلى المؤسسة الدينية الرسمية، طورت الحالة الإسلامية السعودية عبر عقود عديدة، ورغم التأثير الشامل لحركة محمد بن عبدالوهاب، طائفة متنوعة من الفئات تشمل وعاظاً يُدينون ما يعتبرونه انحرافاً للنظام عن مبادئ الإسلام وخضوعه للولايات المتحدة، وإصلاحيون اجتماعيون مقتنعون بالحاجة لتحديث الممارسات التعليمية والدينية ويتحدون الفئة الإسلامية التي تهيمن على المملكة، وإصلاحيون سياسيون يعطون أولوية لقضايا مثل المشاركة الشعبية وبناء المؤسسات وجعل النظام الملكي دستورياً وإجراء انتخابات، والناشطون الجهاديون الذين تم تنظيم معظمهم في أفغانستان والذين طوروا تدريجياً كفاحهم ذو النفوذ الغربي – خصوصاً الأمريكي- في بلادهم.

والسلفیات المعاصرة تیارات عدة تجمعها منطلقات عقدیة وفقهیة، وتفرقها رؤی واجتهادات وقراءات تتعلق أکثر ما تتعلق بتنزیل الأحکام علی الواقع، وهی تعبّر عن نفسها بحرکات وجمعیات وأطر ناشطة، ولکل تیار منها شیوخه ورموزه، حتی أصبحت بعض هذه التیارات تنسب إلی هذه الرموز، كالتيار السروری الذی یعرف أیضاً بالسلفیة الحرکیة، والتیار السلفی المدخلی أو الجامی. وغيرها من التيارات.

وقد تركت معظم هذه المؤسسات أدبيات متراكمة حول نقد ما تسميه الأسس العقدية والسياسية لجماعة الإخوان المسلمين، تم إستدعاءها وزيادة التراكم فيها، إعلامياً وبحثياً وفقهياً، عقب الثورات العربية وبعد قرار المملكة العربية السعودية بربط الإخوان المسلمين بالإرهاب، إلا أن التحديات الداخلية والخارجية المختلفة فرضت على هذه المؤسسات والحركات ورموزها إلى الإلتفات إلى قضايا أخرى هامة مثل العنف والإرهاب، والحريات والمشاركة، والعدالة الاجتماعية والمواطنة وغيرها.

وهنا تظهر الحاجة إلى قراءة التحولات وتطورات المواقف عموماً من الثورات العربية من جانب المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، بالمملكة العربية السعودية، بما بكشف جوانب هامة تتعلق بمدى إستمرار قوة ونفوذ هذه المؤسسات على المستويين الاجتماعي والسياسي، ويساعد في نفس الوقت في إستشراف آفاق التغيير في هذه المواقف، ومتطلبات التغير في المعادلات والعلاقات القائمة بما يسهم في تعزيز عملية الإصلاح والتغيير.

المبحث الأول

المؤسسة الدينية الرسمية: الهيئات والشبكات

تعتبر المؤسسة الدينية الرسمية مصدر غلبة لتيار السلفية الرسمية في السعودية، وعلامة فارقة على حجم المشاركة في السلطة، وقد أعطيت تسمية التيار بـ (السلفية الرسمية) نسبةً لتلك المؤسسات ولكونها لسان السلطة السياسية دينياً. ويؤكد مسؤولو الدولة على دعمهم الصريح لتيار السلفية الرسمية، وتمسك المملكة بمنهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب والدفاع عنه. ونظرا لوجود المملكة في قلب العالم الإسلامي، ووجود الحرمين الشريفين فيها،الى جانب تبنيها مشروع التبليغ الديني ونشر الاسلام، وفق الطريقة السلفية التقليدية، فإن هذا قد عمق من نفوذ المؤسسة الدينية الرسمية خارج المملكة العربية السعودية.

وبنيت السلفية الرسمية في السعودية، على تحالف الدعوة والإمارة، عقد بين الإمام والأمير. فقد شاركت السلفية الوهابية الإمام محمد بن سعود تأسيس الدولة السعودية الأولى بإفساح المجال أمام قوة ” التوحيد” كدعوة دينية وسياسية لتوحيد الناس حول قيادة قادرة على الإشراف على متابعة تدين المجتمع، بقيادة الشيخ محمد بن عبد الوهاب معيد السلفية بثوبها الجديد، بعد ما اعترتها تشققات جراء رحيل ابن تيمية وتلامذته من المشهد العام.

كان الرجلان: الإمام والأمير، يصطحبان بعضهما في كل الغزوات، ولا يعملان إلا بالمشورة بينهما، ويطلبان المبايعة لهما معاَ، وترسل الوفود الأجنبية إلى كل واحد منهما، وعلى هذا ليس مستغرباً تماسك تلك العلاقة المتينة إلي يومنا هذا، على الرغم مِن مرور العديد من التقلبات السياسية التي تعرضت لها الدولة منذ تأسيسها إلى الآن. ورث الشيخ محمد بن إبراهيم (1930-1969م) منزلة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومسؤولياته في الدولة؛ وتمركزت في يديه المناصب الحساسة الكبرى المتعلقة بالدين وإدارة المجتمع كرئاسة القضاء، ورئاسة المعاهد العلمية والكليات منذ نشأتها 1370ه، وكذلك الإشراف على مدراس البنات 1379هـ وكلها كانت في وقت واحد، وهي دليل على المركزية الشديدة التي كانت الدولة تعتمدها في إدارة مؤسساتها الرسمية. بعد وفاة الشيخ ابن إبراهيم تم توزيع المناصب الدينية على مجموعة من العلماء مما أدى لتراجع أو تهميش دور عائلة آل الشيخ كما تحولت المؤسسة من قبضة الفرد على قبضة الجماعة. وهكذا أصبح المذهب الحنبلي ووفق تفسير الشيخ محمد بن عبد الوهاب في المملكة، يشكل المصدر الرئيسي لشرعية النظام، كما صار هو المذهب السائد والرسمي في البلاد.

أولاً: هيئة كبار العلماء:

في مرحلة الستينيات والسبعينيات بدأ نفوذ “هيئة كبار العلماء” في السعودية يتسع ويكبر عبر “المؤسسة الدينية الرسمية” وأكبر رموزها عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين. هذه المقاربة تتمثل في الاهتمام بالجانب الديني والدعوي والعقائدي والابتعاد عن الخوض في السياسة أو تأسيس الأحزاب وممارسة النشاطات السياسية المعارضة وهو الاتجاه الذي يطلق عليه السلفية التقليدية أو المحافظة أو العلمية بقيادة عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين المرجعية الدينية الفكرية لهذا الاتجاه خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات.

وقد تأسست هيئة كبار العلماء السعودية، وهي الهيئة الدينية الحكومية الأبرز التي تمثل الإسلام السعودي، العام 1971م وتضم لجنة محدودة من الشخصيات الدينية في البلاد جميعهم فقهاء مجتهدون من مدارس فقهية متعددة (في السابق كانوا من مدرسة فقهية واحدة)، ورئيسها هو مفتي الديار السعودية، وهي مخولة بإصدار الفتاوى وإبداء آرائها في عدة أمور. يرأسها حالياً الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.

وتعتبر المؤسسة الدينية في المملكة العربية السعودية طرفا في الحكم، لها قوتها وهيبتها داخل الدولة السعودية، حيث أن أفراد الأسرة الحاكمة كثيرا ما ينأون عن مواجهتها ودخول الصراعات معها. كما تشكل أساسا للشرعية السياسية والدينية للنظام السعودي، من خلال الدور الذي تلعبه في توفير الإطار الشرعي والإيديولوجي لآل سعود في ممارسة السلطة، وبما أن الدولة السعودية هي دولة دينية بامتياز، فقد كان التحالف مع المؤسسة الدينية في السعودية هو الصيغة التاريخية الوحيدة لحفظ الاستقرار السياسي وحماية الحكم المطلق في السعودية.

ويهدف التحالف بين آل سعود والمؤسسة الدينية في المملكة العربية السعودية إلى حماية اللحمة الداخلية في المملكة والاحتماء من ثلاثة تحديات هي:

الأول: الاحتماء من الديمقراطية والحكم المدني، الذي يقرع باب السعودية قادما من عند جيرانها العرب، لذلك لم تفتأ المؤسسة الدينية الرسمية تردد أن الديمقراطية حرام، ويواصل السلفيون التحذير من “الخطر الرافضي” القابع في بلاد فارس.

الثاني: مواجهة إيران والمد الشيعي حيث قويت العلاقة بين آل سعود والمؤسسة الدينية أكثر بعد الثورة الإيرانية سنة 1979م، ما ولد نزاعا حول الشرعية الدينية في المنطقة والعالم الإسلامي، خصوصا أمام قوة إيران وحضور الأقليات الشيعية في دول المنطقة ما يعزز فرص طهران لنشر التشيع في المنطقة.

الثالث: يتمثل في التحدي الإخواني، مع تصاعد قوة “الإخوان المسلمون” والتأثير الذي مارسوه على نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، باعتبارهم حركة تتبنى خطابا دينياً منتقداً للسلطة المطلقة. وترفض المؤسسة الرسمية التنظيمات والسياسة، كما الدولة السعودية ليس فيها لا سياسة ولا مؤسسات، والكل تحت سيطرة العلماء الذين يقدمون النصيحة للأمير بشكل سري، بعيدا عن الطبيعة العلنية والاحتجاجية التي تعتمدها التيارات والتنظيمات الدينية والسياسية مثل الإخوان المسلمون.

ثانياً: الطبيعة الشبكية للمؤسسة الرسمية

لا تعبر هيئة كبار العلماء عن المؤسسة الدينية الرسمية فقط، حيث إن هناك مؤسسات دينية وقضائية وتعليمية وأهلية أخرى منظمة وترتبط مع بعضها البعض بطريقة شبكية لتمثل هذه المؤسسة الرسمية، التي تدافع عن النظام القائم وديمومته.

1ـ هيئة الأمر بالمعروف:

أصبحت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نافذة لتطبيق القوانين. يقع على عاتق أعضائها، ومنهم موظفون في الدولة ومنهم متطوعون، الحفاظ على التعاليم الإسلامية الصحيحة كما تحددها السردية السلفية الرسمية؛ وغيرها من المؤسسات الرسمية كوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد كما كانت تسيطر المؤسسة الدينية الرسمية على ثلاث مجالات حيوية هي التعليم، القضاء، والوعظ غير أن التعليم جرى سحب قيادته منها، هذا بالإضافة إلى أن نصف أعضاء مجلس الشورى البالغ عددهم 150 قبل تعيين20% من أعضاء المجلس من النساء2013م، هم من السلفية الرسمية. وتدير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر470 مكتباً في أنحاء المملكة يشغلها نحو4400 موظف.

2ـ مجلس القضاء الأعلى: يأتي “مجلس القضاء الأعلى” في المرتبة الثانية ضمن هرم الزعامة الدينية، وقد أنشئ عام 1975م، وكان يرأسه عادة من يعتبر أرفع القضاة منزلة. لكن الحكومة قامت في السنوات الاخيرة بمراعاة التطوير القانوني والإداري عند اختيارها لأعضائه. والمجلس هو مرجع قضاة المملكة. وترجع اليه القضايا الكبرى التي يتعذر حسمها في المحاكم، أو التي يجب ارجاعها اليه بحكم القانون، مثل أحكام القتل.

3ـ الجامعات الإسلامية: من أبرز هذه الجامعات: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية في الرياض. وهما يتبعان، إدارياً ومالياً وزارة التعليم العالي. وكان التقليد الجاري يأخذ بعين الاعتبار رأي كبار العلماء عند تعيين قياداتهما الادارية والأكاديمية. وظهرت أخيراً دلائل على أُفول هذا التقليد، سيما بعدما عين الملك في مارس 2007م رئيسين للجامعتين من خارج الدائرة التقليدية المعتادة.

4ـ الوظائف الدينية والخيرية: يزيد عدد الوظائف الدينية، أو التي تخضع لإشراف رجال الدين عن ربع مليون وظيفة، أي نحو 25% من إجمالي الوظائف الحكومية في 2008م، وذكرت تقارير صحفية عام 2010م، أن وزارة الأوقاف ستعين 140 ألف مؤذن وإمام مسجد كموظفين متفرغين، حيث وصل عدد المساجد في المملكة الى 72 ألفاً .

ويمارس العديد من رجال الدين أدواراً ثقافية واجتماعية تقع في ظل المؤسسة الدينية الرسمية، ومن أبرز هذه النشاطات هي الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن التي تدير – طبقا لإحصاءات عام 2010م- ما يزيد عن 25 الف حلقة تحفيظ، تضم 515 ألف طالب، ويعمل فيها 26,500 معلم وموظف. ولا تشمل هذه الأرقام الحلقات التي يديرها رجال دين خارج اطار الجمعيات المذكورة. ومن بين النشاطات المشابهة، والتي يبرز فيها دور رجال الدين نذكر ايضا جمعيات البر، التي يرأس معظمها أمراء المناطق، لكن إدارتها بيد رجال دين. وهي تمارس عملا مستقلاً– إلى حد بعيد – عن مؤسسة الدولة.

ومن هذا النوع من النشاطات ايضا المكاتب التعاونية للارشاد والدعوة وتوعية الجاليات، وهي تنتشر في جميع محافظات المملكة، عدا عن الهيئات الدينية المتخصصة، حيث إن جميع وزارات الدولة تدير عملاً دينيا كنشاط جانبي. فهناك إدارة التوجيه المعنوي في القوات المسلحة، كما تعين وزارة الخارجية ملحقاً دينياً في عدد كبير من سفارات المملكة في الخارج. وتعتبر وزارة التربية من أهم قنوات التوظيف لخريجي المدارس الدينية، ويتبع وزارة التربية أيضا 2077 مدرسة متخصصة لتحفيظ القرآن الكريم.

وهذا الارتباط الوظيفي بمؤسسة الدولة والاعتماد عليها في المعيشة، يعتبر أمراً طبيعياً داخل شبكة المؤسسة الدينية الرسمية، لكن عدا الجانب المعيشي، فإن كثيراً من رجال الدين، ولا سيما في المستويات الوسطى والعليا، يستفيدون من مواقعهم الوظيفية وعلاقتهم مع رجال الدولة، في تعزيز نفوذهم الاجتماعي وترسيخ مكانتهم بين الجمهور.

ثالثاً: مراحل التطور والواقع الراهن

يرى توفيق السيف أن هذا الحشد من الوظائف والموظفين في المجال الديني يجعل المؤسسة الدينية الرسمية التي انبثقت 1961م، شريكا للعائلة الحاكمة في تدبير الدولة وتوجيهها إلا أن المؤسسة الدينية ومؤسسة الدولة غفلت عن التحولات التي مرت بها البلاد والمنطقة وتصورت أن معالجة جميع التحديات يتطلب وضع كافة المؤسسات تحت سيطرتها. أى تفسير المشكلات والتهديدات باعتبارها ثمرة ابتعاد الدولة والمجتمع عن الدين، وتبعاً لهذا، فإن العلاج يتلخص في تعزيز إشراف رجال الدين على كل القطاعات.

واعتبر أن العلاقة بين المؤسسة الدينية الوهابية والدولة السعودية مرت بخمس مراحل : بدأت في 1961م وشهدت تحوُّلاً في الزعامة الدينية من صورتها القديمة إلى مؤسسة منظمة وقوية، والثانية، بدأت في 1979م، وشهدت ظهور جيل جديد من الأتباع والزعماء، وتحول السياسة إلى انشغال يومي، كانعكاس للثورة الإيرانية، واحتلال الحرم الشريف، الجهاد الأفغاني، وتأثير الحركيين العرب مع اتساع نطاق الجدالات حول شرعية الدولة وعلاقتها بالدين ومطابقتها لنموذج الحكم الصالح وتوسع التيار الديني السلفي خارج نطاق بيئته الاجتماعية الأصلية (وسط نجد) بانضمام آلاف من المهاجرين.

وبدأت مع دخول العراق للكويت في 1990م المرحلة الثالثة التي شهدت تحول التساؤلات السابقة إلى اتهام للدولة والنخبة السعودية بالضلوع في مؤامرة غربية للسيطرة على المجتمعات المسلمة مما ساهم في إبراز الجيل الجديد من رجال الدين كموجهين للرأي العام ومتحدثين في السياسة وظهور “تيار الصحوة” قبل اعتقال معظم عناصره في 1994م ليتغير اتجاه التيار الديني من حارس للدولة إلى ناقض لشرعيتها.

المرحلة الرابعة بدأت مع هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001م وكان أبرز التحولات فيها هو قرار الدولة بتفكيك مصادر قوة التيار الديني، التي تمكنه من لعب أدوار سياسية أو تعبوية. وتأثر بهذا القرار جميع فصائل التيار بما فيهه المؤسسة الدينية الرسمية والطيف التقليدي التابع للدولة. وتبلورت معالم المرحلة الخامسة مع اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011م، وأبرز تجلياتها ظهور تيار التنوير الذي يتنكر صراحة للسلفية التقليدية مثلما يتنكر لخطاب “الصحوة” ويتبنى الديمقراطية كنموذج أصلح للحكم ويدعو إلى الانتقال من الحكم المطلق إلى ملكية دستورية، حسب بيان “نحو دولة الحقوق والمؤسسات” الذي يعتبر علامة فارقة في تاريخ الدعوات الإصلاحية في المملكة.

ويبدو أن هذه المراحل الفكرية التي أشار إليها توفيق السيف نتجت عن مزج خاص للمؤسسة الدينية الرسمية لفقه الدين وفقه الواقع معاً، حيث تأثر علماء هذه المؤسسة بالواقع المحيط بهم في الداخل والخارج من جهة. ومن جهة أخرى فإن. منهج دراسة العقيدة لدى الاتجاه السلفي ترك أثره في منهجه الاجتهادي، فميله إلى الظاهر والتزامه الصارم بالنصوص ووقوفه عند حدود الألفاظ من دون النظر إلى سياق ورودها ودلالاتها القريبة والبعيدة، نتجت منه نزعة ظاهرية في تناول قضايا الاجتهاد..

هذا المنهج الظاهري تزامن مع الغلو في ملاحظة المعاني والعلل والمقاصد، مع ندرة حقيقية في الفقهاء المجددين أصحاب الملكات الفقهية القوية في تأصيل الاجتهاد الشرعي المعالج لقضايا العصر المتجددة. وربما يرجع ذلك إلى توجيه الاهتمام السلفي لدراسة علوم الحديث المختلفة كعلم مصطلح الحديث وعلم الرجال وخلافه على حساب دراسة الأحكام الفقهية المستنبطة من الحديث.

كما أن النظرة السلفية الدونية للفقه المذهبي أثرت كثيراً في تربية الملكة الفقهية القادرة على تخريج المسائل وإلحاق الفروع بالأصول وما شابه ذلك. بل إن كثيراً من الإشكاليات التي يعانيها التيار السلفي ترجع إلى توقف عملية الاجتهاد والالتجاء إلى منطقة التحريم فراراً من مشقة الفعل الاجتهادي، كإشكالية التعامل مع الديموقراطية وتكوين الأحزاب وجواز ترشح المرأة للمجالس النيابية وولاية غير المسلم في ما عدا الولايات العامة والموقف من الفنون والآداب… إلخ.

وهكذا، فبالرغم من الإمتيازات المالية والنفوذ الاجتماعي والديني الذي يتيحه الإنخراط في المؤسسة الدينية الرسمية وشبكاتها، فإن خطابها وصل للحظة مأزومية خانقة لأنه لم يراع تغير الزمان وتبدل المكان والتي ستنعكس على عدم قدرته على مجاراة تجدد حاجات الناس. مما يفرض على المؤسسة وشبكاتها الممتدة في المجتمع والدولة السعودية العمل على التجديد داخل بنية الخطاب، وخاصة فيما يتعلق بالأساس بقضايا الحريات والتنمية والعدالة الاجتماعية والمواطنة.

المبحث الثـاني

التيارات السلفية والمشاركة السياسية

بالرغم من تأكيد هيئة كبار العلماء بصورة دائمة على “طاعة ولي الأمر” ورفض اشتغال السلفيين في السياسة والحكم على المعارضة بالضلال إلا أن ذلك لم يمنع تياراً (على يمين الهيئة) من الظهور في مرحلة الثمانينيات والبروز بصورة أكثر تشدداً في بداية التسعينيات في رفض العمل السياسي والحزبي بل والهجوم على الجماعات والأحزاب السياسية الأخرى واتهامها بالخروج والضلال والتخصص في الرد عليها وعلى روادها المعاصرين، مثل: حسن البنا وسيد قطب. أحد رواد هذا التيار في السعودية محمد بن أمان الجامي الذي جاء من الحبشة ودرس في السعودية واستقر فيها منذ سبعينيات القرن العشرين واستقر به المطاف مدرساً في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والمسجد النبوي.

ويمكن التأريخ الحقيقي لهذا التيار الجديد “المدخلية” في المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية 1991م كتيار مضاد للتيارات المعارضة لدخول القوات الأجنبية للجزيرة العربية- كالإخوان والسرورية- بعد غزو العراق للكويت؛ بل ذهب منظروه أبعد مما ذهبت إليه مؤسسات الدولة الرسمية مثل “هيئة كبار العلماء السعوديين” التي أفتت بجواز دخول القوات الأجنبية على أساس أن فيها مصلحة، إلا أنهم لم يجرموا مَن حرَّم دخولها، أو أنكر ذلك، فجاء “المدخلية” واعتزلوا كلا الطرفين، وأنشئُوا فكرا خليطًا يقوم على القول بمشروعية دخول القوات الأجنبية، ومعاداة من يحرم دخولها أو ينكر على الدولة ذلك، مؤسسين رأيهم على مرجعية سلفية تتمترس وراء أدلة من القرآن والسنة.

أولاً: تأسيس الشبكات وأبرز رموزها

أسهمت أزمة الخليج الثانية، وما أعقبها من التفجيرات التى شهدتها الرياض، وأحداث عنيفة أخری، فى تنامى الانتقادات الموجّهة إلى السلطات، ومطالبتها بشكل علنى باعتماد إصلاحات مختلف، والانفتاح على مختلف القوی والأطراف السياسية، بما فيها القوی الليبرالية والإسلامية بمختلف فصائلها، حيث تزايدت الأصوات المطالبة بالإصلاح، وفتح آفاق المشاركة، واعتماد الشفافية وتكافؤ الفرص، وترشيد الأموال العامة، وتنامت الانتقادات العامة إلى الأجهزة الدينية الرسمية التى اتهمت بتبرير الخطاب الرسمى.

وقد تزامن ذلك مع الانفتاح داخل المجمتع السعودی على مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية، نتيجة تطور وسائل الاتصال وابتعادها عن رقابة الدولة، ما جعل الحراك الصحوی يتطور. وقد تجلى ذلك فى “مذكرة النصيحة” عام 1993م، وهى خطوة اعتبرت حينها ذروة النضوج لهذا الاتجاه الصحوی والإصلاحى. وفى هذه الأجواء فى المدنية المنورة، ظهرت «الجامية» فی المجال الدينى السعودی كناقد لاذع للاحتجاجات الصحوية، وكمدافع شرس عن العائلة المالكة فى آن. وبسرعة كونت منظمة نسيباً امتد حضورها إلى مختلف مدن المملكة.

وارتبطت “الجامية” بالشيخ محمد أمان الجامى المولود عام 1930م، والذی تقلّد منصب عميد كلية الحديث فى الجامعة الإسلامية فى المدينة، وكان أحد الرموز المعارضين للاتجاه السروری والإخوانى عموماً. ومثلما هو الحال بالنسبة إلى “السروريين”، فإن الهدف من إطلاق مصطلح “الجامية” هو نزع “الشرعية عن الخصم عبر الانتقاص منه والتعريض بأصوله الأجنبية ، فالجامى يتحدر من أصول حبشية ، ولم يهاجر إلى المملكة إلا وقد بلغ العشرين من عمره. فالجاميون يرفضون تسمية أنفسهم خارج إطار المرجعية السلفية .

ومع أن هذا التيار يغلب عليه اسم الجامية، إلا أن الشخصية الرئيسية فية هو الشيخ ربيع بن هادی المدخلى (عام 1931)، وهو أيضاً قام بالتدريس إلى أواخر التسعينات فى كلية الحديث فی الجامعة الإسلامیة بالمدینة المنورة، التی ترأسها الجامی إلی وفاته عام 1995م. وقد تتلمذ المدخلی علی ید الشیخ ناصر الدین الألبانی، وکان أیضاً قریباً من الجماعة السلفیة المحتبسة فی منتصف عام 1971، لکنه تمکّن من تفادی السجن، وقدم منذ ذلك الوقت آیات الولاء التام للسلطة. وکان له کتاب اشتهر في المجال الدين السعودی، حمل فيه بشدة على المنظّر الباکستانی أبی الأعلی المودودی، لاهتمامه بالسیاسة، وسعیه إلی إقامة دولة إسلامیة فی الهند .

ومنذ أن بدأ الشیخ المدخلی فی أغسطس 1990م، بإشهار انتقاداته العلنیة والحادة لمشایخ الصحوة، اصطف مع علماء آخرون منتمون إلی ما یعرف بجماعة أهل الحدیث، ومنهم بشکل خاص فالح الحربی وفرید المالکی ومحمود الحداد وعلی رضا بن علی رضا وعبدالعزیز العسکر وعبداللطیف باشمیل وصالح السحیمی.

وهكذا، فإن من أشهر رموز هذه الشبكة السلفية اليمينية في الحجاز:

– محمد أمان الجامي الذي قام بالتدريس في المسجد النبوي، والجامعة الإسلامية وهو صاحب التقارير الشهيرة في المشايخ وطلبة العلم.

– ربيع بن هادي المدخلي المدرس في الجامعة الإسلامية المتفرغ والمتفنن في الطعن في كل داعية محارب للحكام وفي مقدمتهم الشيخ سيد قطب.

– فالح بن نافع الحربي الذي يمتلك علاقات وثيقة بالأجهزة الأمنية كما يتهمه السلفيون الجهاديون.

– محمد بن هادي المدخلي المحاضر في الجامعة الإسلامية الذي أفتى بحرمة دماء الأجانب بعد حادثة الرياض التي قام فيها منتمون للسلفية الجهادية بقتل عدد من الأمريكيين في الرياض، حيث مدح وزير الداخلية السعودي بمناسبة إعتقال المنفذين والحكم عليهم بالإعدام.

وكل هؤلاء تم استيعابهم من قبل الحكومة السعودية واستخدامهم كبديل لهيئة كبار العلماء التي تعرضت شرعيتها ونفوذها لضربتين قاصمتين: أولاهما بقيام حرب الخليج الثانية وقبولها بوجود القوات الأجنبية في البلاد، وثانيهما بموت اثنين من أكثر أعضائها احتراماً وهم الشيخ ابن باز (عام 1999م) والشيخ ابن عثيمين (عام 2001م).

ثانياً: أهم أفكار اليمين السلفي

یمکن القول إن الجامیة دعوة تطهیریة فی الإطار السلفی تسعی إلی تصفیته مما تعتبرهم أدعیاءه، وتمارس «الجرح والتعدیل» بحقهم وفق المنهج السلفی الذی ترتضیه. ویرکّز هذا التیار علی خمسة مفاهیم تدور حول مفهم إتباع التاب والسنة، ومفهوم السلف، ومفهوم طاعة ولی الأمر، ومفهوم محاربة الحزبیة، ومفهوم التبدیع والتضلیل. وتشکل هذه المفاهیم منظومة متکاملة للهجوم علی التیارات الأخری.

خلافا لكثير من التيارات السلفية، يعتبر اليمين السلفي أنه لا يجوز معارضة الحكم مطلقًا، ولا حتى إبداء النصيحة له علناً، وتعتبر ذلك أصلاً من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة؛ ومخالفة هذا الأصل تعتبر خروجا على الحاكم المسلم.

والخروج مصطلح يطلق على إحدى الفرق الضالة التي تخرج عن نطاق أهل السنة والجماعة، وهو مصطلح تاريخي أيضاً يطلق على الطائفة أو الفرقة التي خرجت على الإمام علي (رضي الله عنه) وكفرته؛ متهمة إياه بالحكم بغير شرع الله، كما كفرت تلك الفرقة كل من لم يؤمن بما تعتقد به؛ وشنت حروبا على نظم الحكم على مر التاريخ الإسلامي. كما أن المدخلية تعتبر أن الاعتراف بالحاكم والولاء له وحده لا يكفي إذا لم يتم الاعتراف بمؤسسات الدولة الأخرى، كمنصب المفتي مثلاً، كما أنه ليس لأحد أن يخرج عن فتوى علماء البلاد الرسميين، فإذا حلل هؤلاء العلماء فوائد البنوك فإنه على الرعية المسلمة في هذا البلد الإذعان لتلك الفتوى وعدم مخالفتها، ومن يخالف ذلك فإنه على طريق “الخوارج”.

ويعرف المدخلية أنفسهم من خلال نقاط أساسية، تقول إن المدخلي هو :

– كل من يدعو إلى السمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، ويدعو لهم بالصلاح والعافية والتوفيق وحسن البطانة، سواءٌ في مجالسه الخاصة أو في خطب جمعة أو في محاضرة أو في مقالة.

– من يحذر من الخروج على ولاة الأمور، وينهى عن شق عصا الطاعة. ومن يحذر من الفكر التكفيري ورموزه.

– من ينشر فتاوى العلماء ومؤلفاتهم التي تحذر من الجماعات الحزبية كجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ وأمثالهم. والفتاوى التي تحذر من الطرق المخترعة المبتدعة في الدعوة إلى الله؛ كالأناشيد المسماة بالإسلامية، والتمثيل، والقصص وأمثالها، وردود العلماء ومؤلفاتهم التي تكشف عن أخطاء الجماعات، أو أخطاء الدعاة التي تمس العقيدة أو تمس منهج الدعوة إلى الله تعالى.

وفكرياً مثلت الجامية النقد السلفي والإسلامي الأكبر حجماً والأكثر انتشاراً لسائر الحركات الإسلامية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين والتيار السروري أو الصحوي في منطقة الخليج وسائر بلدان العالم الإسلامي. كما أن الجامية تماهي بين تيارها وبين دعوة الحق، أو أهل السنة والجماعة أو أهل الحديث كما يتسمى ممثلوها ومنظروها الذين لا يرتضون أيّاً من التسميات التي تطلق عليهم، وتعتبر الجامية الخلافات بينها وبين الجماعات والحركات الإسلامية الأخرى خلافات تضاد في الأصول وليست اختلاف تنوع أو اختلافا في الفروع .

وربما يصح لنا أن نقول إن النقد العلماني أو الليبرالي لرموز هذه الجماعات أو الاتجاهات الدينية، مثل حسن البنا وسيد قطب وغيرهم من رموز الإخوان، أو محمد إلياس وزكريا الكاندهلوي من جماعة التبليغ، أو محمد سرور وسلمان العودة ومحمد العبده وعائض القرني وناصر العمر وغيرهم من الصحويين، أقل بكثير من الاتهامات والانتقادات التي وجهها رموز التيار الجامي إليهم.

من هنا نرى أن الجامية دعوة تطهيرية في الإطار السلفي، تسعى لتصفيته ممن تعتبرهم أدعياءه، وتمارس الجرح والتعديل بحقهم وفق المنهج السلفي الذي ترتضيه، فكان خطابها ونشاطها أظهر مثل معبر عن الصراع بين السلفيين أو صراعات الإسلاميين .

وعموماً فإن المفاهيم الخمسة التي تحكم خطاب الجامية كما تحكم علاقاتها مع الحركات الإسلامية الأخرى، وكذلك علاقتها المتينة والعميقة بإيديولوجيا الطاعة لولي الأمر التي قد تكون أبرز مكوناتها، وتأتي دائماً في الجانب الآخر من مفهوم الفتنة والخروج الذي تلتزمه الحركات الإسلامية السياسية أو القطبية حسب توصيفها، وتؤكد أن التيار الجامي هو نتاج صراع الفاعلين في الحقل الديني، الذين مثلتهم المؤسسة الدينية التقليدية من جهة والسرورية الصاعدة من جهة أخرى، فخرجت الجامية من نتاج صراعاتهما، ضدا على الآخرين وتأويلا متحيزاً لإيديولوجيا الطاعة .

ثالثاً: اليمين السلفي: الإنتشار والضعف

یلاحظ ستیفان لاکروا أن النظام السعودی قدم العون الواضح إلی شبكات اليمين السلفي عبر وزیر داخلیته الأمیر نایف بن عبد العزيز، وقد ترجم ذلك بوضع موارد مادیة وإداریة وافرة تحت تصرفه، ما جعله جاذباً لأولئك الذین یعتبرون أنفسهم مهمّشین، بحیث أصبح الانضمام إلی هذا التیار استراتیجیة حقیقیة للارتقاء فی الفضاء الاجتماعی والمجال الدینی، وبهذا تضاعف الأتباع. ویقدم العدید من الأمثلة، فإلی جانب هؤلاء دخل عدد متنام من الفاعلین فی الحقل الدینی ممن لم تسنح لهم الفرصة للارتقاء، وذلك بغضّ النظر عن انتمائهم الاجتماعی، والنموذج الأکثر تمثیلاً، لتلك الحالة یمثله عبدالعزیز العسکر وسلیمان أبا الخیل، وهما عالمان نجدیان لم یکونا مشهورین قبل حرب الخلیج، وقد أوصلتهما حماستهما الجامیة إلی أعلی المراتب الوظیفیة. وقد عرف عبدالعزیز العسکر بمبالغته فی الحماسة إلی درجة المطالبة بقتل سلمان العودة فی جامعة الإمام، فی أحد خطبه. وقد عیّن العسکر رئیساً لقسم الدعوة فی جامعة الإمام، فی حین تقلّد أبو الخیل عمادة شؤون الطلاب قبل أن یصبح نائباً لمدیر الجامعة. أصبحت الجامیة جذابة إلی درجة أن بعض العلماء المرتبطین بالاحتجاج الصحوی ترکوا هذه الأخیرة للالتحاق بالجامیة علی غرار عبدالمحسن العبیکان (ابتداء من عام 1992) أو عصام السنانی، علی الرغم من کونه أحد الموقّعین علی مذکّرة النصیحة.

انت أیضاً تقدم العدید من الوظائف التی یترکها الصحویون المفصولون إلی معتنقی الجامیة الجدد. ففی الجامعة الإسلامیة فی المدینة، علی سبیل المثال، تم استبدال الصحویین موسی القرنی وعبدالعزیز القارئ وجبران الجبران بالجامیین تراحیب الدّوسری، وسلیمان الرحیلی وعبدالسلام السحیمی، فی حائل، حل الجامی عبدالله العبیلان محل صحوی علی رأس مکتب الشؤون الإسلامیة.

یقوم الخطاب الجامی علی خاصیتین رئیسیتین: اعتراضه العنیف علی “السروریة” والتيار الصحوي، وولاءه الحاد للعائلة المالکة السعودیة. وهم فی نقدهم الجذری للصحوة ینهلون أساساً من أهل الحدیث الذین یملکون الخطاب الأکثر ثقلاً ضدهم، ویستهدفون عقیدتهم بإقامة الشبه بینهم وبین الإخوان المسلمین، ویکرّرون هجمات الألبانی علی سید قطب. وهم إذ لایملكون إلا أن یعترفوا بصحة عقیدة بعض الصحویین علی غرار سفر الحوالی، صاحب الكتابات القویة فی کشف ما يسميه انحرافات الصوفیة والأشعریة، إلا أنهم یتحدثون عن أن منهج “هولاء المعتمد یندرج ضمن البدع، ولذلك فإنهم لیسوا سلفیین حقیقیین”.

ویستهدف الجامیّون اهتمام الصحویین بالسیاسة التی من شأنها حرفهم عن “العلم”، ویضیفون إلی هذا تهمة جدیدةً نسبیاً، صاغها للمرّة الأولی مقبل الوادعی الذی یماثل بینهم وبین الإخوان المسلمین الآثمین بـ “حزبیتهم” التی تتناقض مع مبدأ الوحدة الجوهری فی الإسلام السلفی. وبالنسبة إلی هؤلاء العلماء تمثّل طاعة ولیّ الأمر واجباً مطلقاً، وقد أدّی هذا الإلحاح إلی تسمیتهم بـ “حزب الولاة”، مضيفين إلی هذا الولاء السیاسی التام احتراماً شدیداً إلی علماء المؤسسة الرسمیة، وخاصة هیئة كبار العلماء التی لا یمكن، بحسب رأیهم، أن تعرض لأی نقد .

وفی هذا السیاق، فإن ربیع المدخلی المعروف بکثرة ردوده علی سید قطب وسلمان العودة وسفر الحوالی وآخرین من الإخوان المسلمین والصحویین، قد منح علی ید أتباعه لقب “حامل لواء الجرح والتعدیل فی هذا العصر”. ومع إستمرار التوسع في شبكات اليمين السلفي، تعرضت هذه الشبكات إلى سلسلة من الانشقاقات. وهذه الانشقاقات هی فی جزء منها ثمرة للتناقضات الکامنة فی خطاب التیار السلفی وترکیبته:

شهد الانشقاق الأول بروز تیار “حدادی” یدعوا علی منوال المصری محمود حداد إلی اجتهاد شامل، ورفض بعض کتب الحدیث التی یعتمد علیها عادةً العلماء الوهابیون، مثل: فتح الباری لابن حجر العسقلانی، وشرح صحیح مسلم للإمام النووی (1278 – 1234م)، لأن مألفیها أشاعرة فی العقیدة.

أما الانشقاق الثانی، فتولد من التناقض بین الانتماء علی خطّ أهل الحدیث والإرادة المعلنة فی اتباع علماء المملکة الوهابیین. لقد رأینا فعلاً أن الألبانی وأتباعه من أهل الحدیث أبدوا موفقاً نقدیاً واضحاً من المیول المذهبیة الحنبلیة للعلماء الوهابیین. لقد حاول أهل الحدیث الموالون إخفاء هذا الجانب من خطابهم لتجنّب الصدام مع المؤسسة الدینیة، ولکن استغله بعض الجامیین الجدد الداعمین للعلماء الکبار والمنزعجین من الوجود القوی لأهل الحدیث داخل التیار للتشکیك فی سلطة ربیع المدخلی وفالح الحربی. ومن هؤلاء عبداللطیف باشمیل، وموسی الدویش الذین ذهبوا لنبش کتابات الألبانی وأشرطته ومجمل مواقفه المعادیة للوهابیة، بهدف إحراج کبار الشیوخ الجامیة.

وكان أوج صعود الجامية هو أوج صعود السرورية، حين رفضت الأخيرة الاستعانة بالقوات الأجنبية لتحرير الكويت، ووقف تمدد النظام العراقي السابق لصدام حسين داخل الأرض السعودية، فبينما صعدت السرورية معارضة لاتجاه الدولة، صعدت الجامية رافضة لموقف السرورية بالأساس، لتزيد هجمتها على هذه الحركات التي رأت فيها خروجا عن طاعة ولي الأمر، وخروجا كذلك عن المنهج السلفي. ويرى بعض المراقبين أنه بعد خفوت التيار السروري كمعارضة للدولة انتفت الحاجة للجامية كرد فعل عليه، ومن هنا انتفت الحاجة للأخير، الذي دبت الانشقاقات داخله، ولم يعد نشاط ممثليه أكثر من نشاط تأليفي ودعوي ضئيل، لم يصل للمكانة السابقة التي حققها هذا التيار في المملكة عقب حرب الخليج الأولى .

المبحث الثالث

شبكات الحركة الجهادية

في التسعينيات حدث تزاوج بين الفكر الجهادي والسلفي برز في أوضح صوره الحركية فيما يسمى تنظيم القاعدة وحاضنته “التيار السلفي الجهادي” الذي جمع بين العقائد السلفية مع التأثر بأفكار سيد قطب وتركيزه على مفهوم الحاكمية واختيار طريق “الجهاد” بوصفه الوسيلة المشروعة الفاعلة في التغيير وقام هذا التيار بدمج معركة التغيير الداخلية بالمعركة الخارجية من خلال الحديث عن فرضية العدو القريب والعدو البعيد

كان الإسلامويون الرافضون (الذين يشار إليهم أحياناً بالسلفيين الجدد) في الغالب إما مهملين من قبل المحللين أو يتم الخلط بينهم وبين جماعة الصحوة. إلا أنهم، خلافاً لإصلاحيي الصحوة، كانوا يؤكدون على الإيمان الفردي، والأخلاق، والممارسات العبادية بدلاً من القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية الأوسع نطاقاً. كما كانوا معادين لمفهوم الوطن – الدولة ولا يسعون لإدخال تعديلات عليه بل الانفصال عنه، غالباً بعدم التعامل معه، ولكن أحياناً من خلال التمرد عليه. وفي حين كان الإصلاحيون يهيمنون على المدارس والجامعات فقد تجنب الرافضون التعليم الرسمي برمته وسعوا إلى نشر التعاليم الدينية في أماكن أخرى.

أولاً: البدايات والإنتشار

من الخطأ اعتبار أن الرافضين يشكلون حركة متجانسة اجتماعياً وسياسياً. الواقع أنه كان هناك تنوع في أوساطهم من حيث أسلوب العمل والهيكل التنظيمي أكثر بكثير مما لدى جماعة الصحوة. لقد تمثلت الجماعات الإسلاموية الرافضة في السعودية بأشكال متنوعة منها تنظيمات مثل تلك التي كان يقودها جهيمان العتيبي والتي سيطرت على الحرم النبوي في مكة عام 1979، وجماعات هامشية متطرفة انسحبت عادة من المجتمع وتبنت طريقة حياة متحفظة ومتزمتة للغاية، وأوساط فكرية دينية غير رسمية رفضت كلاً من وهابية المساجد وتعاليم الصحوة المنطلقة من المدارس والجامعات على السواء.

كانت أبرز الحركات الرافضة وأكثرها تنظيمياً هي (الجماعة السلفية المحتسبة) والتي نشأت في المدينة في أواسط سبعينات القرن الماضي. كانت تستمد بعض تعاليمها من آراء المفكر السوري ناصر الدين الألباني (1909-1999م) وترفض جميع المذاهب الفقهية، بما فيها الوهابية، التي تتضمن قدراً من الاجتهاد الإنساني، وتلتزم بدلاً من ذلك بحرفية الحديث النبوي باعتباره المصدر الوحيد للحقيقة الدينية. كان الخلاف مع المؤسسة الوهابية يدور مبدئياً حول مسائل تتعلق بالعبادات، إلا أن الجماعة السلفية المحتسبة تحولت بمرور الزمن إلى حركة احتجاج سياسية اجتماعية ولكن المراقبين استهانوا كثيراً بمدى أهميتها.

يتضح هذا جزئياً من كارثة انتفاضة عام 1979 التي استولى فيها فصيل متطرف من الجماعة السلفية المحتسبة بقيادة جهيمان العتيبي على الحرم المكي. لقد أساء الناس غالباً فهم أهمية الاستيلاء على المسجد الحرام، ففي حين أن بعض أتباع جهيمان كانوا مقتنعين بأن رفيقه محمد القحطاني كان هو المهدي المنتظر وأن عملية مكة ستكون نهاية العالم، إلا أن آخرين شاركوا في العملية للتعجيل في إحداث تغييرات سياسية واجتماعية متطرفة.

وقد لجأت بقايا الجماعة السلفية المحتسبة في ثمانينات القرن الماضي إلى الكويت واليمن والمناطق الصحراوية في شمال السعودية. بعد عقد من تلك الأيام كان لا يزال بالإمكان العثور على مجموعات من الشباب الإسلاميين يطلقون على أنفسهم “طلبة العلم” ويعتبرون أنفسهم ورثة مباشرين للجماعة السلفية المحتسبة، يبحثون عن بقايا أصحاب جهيمان بين بدو الصحراء. هجر هؤلاء المساجد والجامعات وشكلوا جماعات تدريس علوم إسلامية في بيوتهم. ورغم أنهم كانوا يعيشون عادة في الرياض، في شقق مشتركة غالباً، إلا أنهم عملياً كانوا قد انسحبوا من مجتمع اعتبروه خاطئاً ومن جميع المؤسسات المتفرعة عنه. كانوا يعتبرون الدولة فاقدة للشرعية، والصحوة همها السياسة، والجهاديون جاهلين للشؤون الدينية .

ثم توسعت الحركة الجهادية إلى مشاركة آلاف من السعوديين – بتشجيع نشط وتسهيلات من نظام الحكم آنذاك- في الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي. إضافة للمساعدة اللوجستية والمالية التي كان النظام يوفرها للمجاهدين المحتملين. وقد ترتب على ذلك نتيجتان :

الأولى، أن هؤلاء المقاتلين طوروا نظرة إلى العالم تتسم بالميل الشديد للعنف والقتال. والثانية أنهم تذوقوا طعم صحوتهم السياسية الأولية خارج بلدهم. جاء الجهاديون السعوديون إلى أفغانستان بأفكار سياسية متواضعة وأجندة محلية أو أسس عقائدية بسيطة فيما يتعلق بمعارضة نظام الحكم السعودي. كان خطابهم ونشاطهم يكاد يتشكل ويتوجه كلياً بتأثير الساحة الدولية. تبعاً لذلك، لم يكن لديهم سوى اتصال محدود مع نُظرائهم الإصلاحيين والرافضين.

مع انتهاء الحرب في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي كانت ثقافةٌ جهادية دولية قد تفشت في أوساط إسلامية سعودية عديدة، ولكن الشباب السعوديين استمروا في السفر خارج بلدهم بحثاً عن تدريب عسكري وخبرة قتالية طيلة سنوات التسعينات، خصوصاً بعد أن أسست القاعدة بنية تحتية لمعسكر تدريب في أفغانستان في أواسط التسعينات.

الهيكل التنظيمي

وفقاً لتقارير مجموعة الأزمات الدولية فإن الهيكل التنظيمي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مخلخل حيث يعمل أفراد الميليشيات في مجموعات منفصلة ومعزولة إلى حد كبير ولكنهم يعتبرون أنفسهم جزءاً من حركة شاملة. ويتم إدامة وعيهم التنظيمي الجماعي عن طريق الروابط الأخوية القوية المكتسبة في معسكرات لتدريب في أفغانستان أو عن طريق الخبرات المشتركة بينهم كمطاردين ومتمردين في السعودية، وبحكم توجهاتهم العقائدية المشتركة التي تركز على الحاجة للقضاء على الوجود الأمريكي في شبه الجزيرة العربية، ووجود جهاز إعلامي متطور يوفر التماسك السياسي ويرفع معنويات العاملين في الميدان .

عمل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية منذ البداية على أساس نظام الخلايا الصغيرة. لم تكن قوات الأمن تجد عادة أكثر من 20 من أفراد الميليشيات، وغالباً أقل من ذلك بكثير، في بيوتهم الآمنة وبأسلحتهم ومعداتهم. الأسماء المستخدمة من قبل الميليشيات – مثل سرية الفالوجة وسرية القدس وألوية الحرمين – تشير، في الأغلب الأعم، إلى خلايا أو مجموعات فرعية طورت بمرور الوقت هويات منفصلة واستراتيجيات وتكتيكات مختلفة قليلاً.

وفي حين أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يعتبر أسامة بن لادن وأيمن الظواهري بمثابة المرجع الإرشادي الأعلى له فإن خطوط الاتصال مع القيادة البعيدة قد تعطلت، على الأغلب، منذ زمن بعيد. بمرور الزمن تعدد أفراد الميليشيات الذين أصبحوا قادة ولكن لا أحد يعرف بالضبط مقدار القيادة والسيطرة التي مارسها كل منهم على التنظيم. هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يضم لجاناً متخصصة أو مجموعات فرعية تتولى مسؤولية التعليم/التدريب، والاستراتيجية/الإنتاج الإعلامي، والشؤون الدينية.

إن أفراد هذه الميليشيات يرون أنفسهم، كما يتضح من تسمية تنظيمهم، جزءاً من حركة القاعدة العالمية وهناك مؤشرات بأن تنظيم القاعدة قد شجع في أواخر عام 2001م على شن هجمات داخل السعودية من قبل المقاتلين العائدين من أفغانستان. ولكن الانجذاب العقائدي، وحتى الشخصي شيء، والتعاون العملياتي شيء آخر. إن من المشكوك فيه جداً أن تكون لقيادة تنظيم القاعدة علاقة مع أفراد ميليشيات تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وأنها تملي عليها القيام بعمليات محددة. وتختلف التقديرات حول حجم الميليشيات الإسلامية الناشطة وذلك لاسباب تتعلق بالسرية وباختلافات تتعلق بتحديد طبيعة نشاط هؤلاء الأفراد (أي هل تشمل التقديرات المقاتلين فقط أم أيضاً أولئك الذين يوفرون الدعم اللوجستي والسياسي). تشمل القائمتان اللتان تضمان أسماء المطلوبين للسلطات السعودية والتي تم نشرها في كانون أول 2003 ما مجموعه 40 شخصاً قُتل أو اعتقل 30 منهم .

العقيدة والاستراتيجية

انفرد تنظيم القاعدة عن التفكير الجهادي المألوف بالتركيز بصورة رئيسية على “العدو البعيد” –”اليهود والصليبيين”- وخصوصاً في الولايات المتحدة. ورغم أن “العدو القريب” –الأنظمة المحلية في العالم الإسلامي- تعتبر فاسدة وقمعية وغير إسلامية، وبالتالي يجب الإطاحة بها، إلا أن “القوة التي دعمت هؤلاء الحكام غير الشرعيين ودنست الأرض المقدسة في الجزيرة العربية.. هي الهدف المفضل”. على النقيض من ذلك فإن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية سعى لتحديد الهجمات ضد أهداف سعودية- وهي مسألة انقسم حولها الجهاديون .

وقد برزت التطورات حول الأجندات المحلية والدولية بأوضح صورة في المسألة العراقية. فالعديد من الميليشيات الإسلاموية ترى أن مقاومة الاحتلال الأمريكي هناك قضية أجدى بكثير –وأسلم من ناحية دينية- من قتال الشرطة السعودية في الرياض. واتهم البعض تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بتقويض جهود الإسلامويين عن طريقة تحويل الاهتمام عن العراق، ويبدو أن بعض أفراد عدد من الميليشيات السعودية قد اختاروا القتال هناك. ودفع النقاش الكتاب في (صوت الجهاد) للمحاججة بشدة بأنه –بالنسبة للسعوديين على الأقل- فإن قتال الأمريكيين محلياً له الأولوية على الالتحاق بالجهاد في العراق .

وبتطور الأحداث المحلية والإقليمية اجتذب خطاب الحركة الجهادية المئات وربما الآلاف والذين انضموا إلى جميع فصائل الحركة القاعدية والحركات الجديدة في العراق وسوريا وخصوصاً بعد اشتعال ثورات الربيع العربي عام 2011م، وتحول إهتمامهم نحو قتال الشيعة الذين تستعمل أدبياتهم كلمة “الروافض” للحديث عنهم. كما حدث تحول بنشوء حركات جهادية جديدة كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي دعا إلى تبني هجمات ضد أهداف حكومية وضد الشيعة في العراق ومنطقة الخليج العربي.

المبحث الرابع

الإتجاهات الحركية والفكرية والليبرالية

بعكس المؤسسة الرسمية (السلفية الوهابية)، والشبكات التي تقع على يمينها (السلفية المدخلية أو الجامية)، ظهرت منذ الثمانينيات مقاربات سلفية تزاوج بين الإيمان بالعقائد والمواقف المعرفية والفكرية السلفية في الأحكام الشرعية والمناهج العلمية الدينية لكنها تختلف معها في الموقف من الحكام والتعامل مع الشأن السياسي.

فظهر إتجاه يرفض “استنكاف” العمل السياسي والحزبي بذريعة “طاعة ولي الأمر” أو أن هذه المؤسسات بدع ومحدثات غربية ليست إسلامية. بينما قدم إتجاه أخر نفسه باعتباره عودة إلى الأصول وحركة تجديد في نفس الوقت.

والإتجاه الثاني لا يؤمن بالعمل الجماعي، ويقتصر نشاطه علي الجانب الدعوي والتربوي والفكري، وينبذ الحزبية الحركية ويهدف إلى استئناف الحياة الإسلامية، وتطبيق الشريعة، عن طريق أسلمة المجتمع، بمعني لا يصطدم مع الأنظمة، ولا ينكر شرعية الحاكم الدينية والسياسية علي اعتبار أنه ولي الأمر، ويستخدم وسائل دعوية سلمية مبادئها، ويؤمن أن باب الاجتهاد مفتوح الي يوم القيامة، الذي من خلاله يمكن الإجابة عن كثير من التساؤلات والشبهات والنوازل المعاصرة التي تمر بها الأمة من خلال الفتاوي والاجتهادات.

هذان الاتجاهان، كانت مواقفهما تتناقض مع مواقف المؤسسة الرسمية والشبكات اليمينية فيما يتعلق بالثورات العربية، فالأخيرة كانت تعتبرها على ولي الأمر وتؤدي إلى الفتنة بينما اعتبر أصحاب الإتجاهين السياسي والفكري أنهما يضعان الأمة على طريق النهوض مجدداً. فيما اتفق الطرفان في قضايا أخرى كالموقف العقدي من تكفير الشيعة والتأكيد على المؤامرة الإيرانية بما كان له من تأثيرات سلبية على المواطنين الشيعة في العراق ودول الخليج العربي.

وفي نهاية التسعينيات من القرن الماضي، ظهر إتجاه ثالث سياسي يختار طريق الديمقراطية، كبديل عن هيئة العلماء التي تهتم بالدراسات الفقهية التي تكرس سيطرة ولي الأمر، والسلفية الجهادية التي اختارت طريق مواجهة العدو القريب والعدو البعيد، والاتجاهات الحركية والفكرية التي ركزت على العمل المجتمعي (الأسلمة) وكذلك التركيز على نقد الشيعة والعلمانية.

أولاً: الإتجاه السلفي الحركي:

أحد أبرز وجوه التيار السلفي الجديد هو السوري محمد بن سرور بن نايف بن زين العابدين الذي كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين ثم غادر إلى السعودية في نهاية الستينيات وهناك عمل مدرساً في مدينة البريدة ثم غادر في السبعينيات إلى الكويت قبل أن يستقر به المقام لاحقاً في لندن ويؤسس هناك المنتدى الإسلامي ويصدر مجلة السنة التي أصبحت المنبر الإعلامي والسياسي لهذا التيار.

ويوجد تطور داخل السلفية الحركية حيث يجمع بن سرور بين السلفية والمدرسة القطبية ويبدو أكثر حدة في نقده للإخوان المسلمين، فيما تبلور تيار آخر أكثر إنفتاحاً مع الإسلاميين. خصوم سرور (بصورة رئيسة أتباع محمد الجامي وربيع المدخلي) أخذوا يطلقون على من يتبنى أفكاره – المزاوجة بين السلفية والسياسة بـ “السروريين” وقد بدأت أفكار زين العابدين وتحليلاته السياسية ورؤيته للتغيير تنتشر في السعودية ودول أخرى وتأثر بها عدد من العلماء والدعاة المعروفين بـ “مشايخ الصحوة”.

ويرى البعض أن السرورية تيار، وليست تنظيماً حركياً، معتبراً أن الالتباس المتعلق بالتسمية إنما يعود الي طبيعة الحياة الدينية في المملكة حينما رحل اليها الشيخ سرور، حيث كانت الحياة هناك ذات طابع تقليدي منفصل تماماً عن الحياة السياسية”. وفيما بعد نتيجة الثورة الإيرانية والاحتلال الأمريكي للعراق، ظهر جيل من الدعاة الإسلاميين ينطلق خطابهم الدعوي من الاهتمام بالشأن العام والقضايا المثارة علي الساحة، وكان من الطبيعي أن تكون السياسة إحدي القضايا المطروحة علي أجندتهم. ويضيف أن سرور كان من بين هؤلاء الذين امتلكوا رؤية سياسية، وقاد قافلة الحديث في الشأن العام، وكان ذلك سبباً في ترحيله من السعودية، ثم في ما بعد أصبح كل من تحدّث من الدعاة بعده في المجال العام والسياسة يوصف بالسرورية. وهو اتهام أكثر منه تصنيفاً. والواقع أن كثيراً من الباحثين يعيدون مسألة عدم الاعتراف بوجود جماعة حركية إلي استراتيجية عمل جماعات الإسلام السياسي في البلدان التي لا تسمح بنشوء أحزاب سياسية أو حتي منظّمات أهلية، كما هو الحال في السعودية، إضافة الي أن مثل هذا الفرز قد يواجه برفض شرائح تقليدية لا تزال تعتقد أن العمل الحزبي يخالف منهج أهل السنّة والجماعة، وأنه من العصبية، كما يذهب الباحث يوسف الديني.

يبقي موقف السروريين المعلن قادراً علي التواؤم مع تميزه بالتركيز علي مسألتين، أكثر من السلفية الجهادية، وهما: نقد الشيعة، ونقد العلمانية والعلمانيين. ومع ذلك، بقيت السرورية علی معارضتها للسلفية الجهادية وللقاعدة، التي بدورها هاجمتهم ووصفتهم بالتخاذل، كما دللت علي تحوّلات من خلال كتبهم وتصريحاتهم قبل فترة التقارب مع النظام السعودي، كما يذكر يوسف العييري في رسالته الي كل من الشيخ سلمان العودة وسفر الحوالي.

وقد قد تراجع حضور هذا الإتجاه في البيئة السعودية لأسباب عديدة. لكن هذا لا يعني أن هذا التيار ليس له امتداد ولا تواجد في أي من المناطق الأخري علي امتداد العالم العربي والإسلامي، بل العكس، فقد مكنت الوفرة المالية التي يتمتع بها هذا التنظيم من تواجده في كل مكان يريد أن يتواجد فيه، إلي درجة أنه اتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقراً فكرياً وتنظيمياً له فترة من الزمن. ففي لندن عمل السروريون علي تأسيس المنتدي الإسلامي، تلك المؤسسة الإسلامية الكبري التي تدير عدداً من أنشطة والبرامج الفكرية السياسية والدعوية والحركية والإعلامية، والتي تعدّ مجلة البيان اللندنية الشهيرة أحد اصداراته، فضلاً عن التقریر الإستراتیجی السنوی، عدا عن عدد من الإصدارات الإنكليزية التي في مقدمتها مجلة الجمعة .

ثانياً: الإتجاه السلفي الفكري:

وهو إتجاه لا يركز على العمل التنظيمي وإنما على العمل الفكري والإشتباك مع قضايا كالغرب والعلمانية والمشروع الإيراني، وتطوير الخطاب الإعلامي والعلاقة مع الجماعات الأخرى وخصوصاً الإخوان المسلمين. وتمثله مجلة البيان السعودية، التي رعت عقد مؤتمر في إسطنبول التركية 2011م، بعنوان: “السلفيون وآفاق المستقبل” وذلك في المدة من 15-16 ذي القعدة 1432هـ.

وقد نظمت المؤتمر وأشرفت عليه مؤسسة (البيان)، وحضره نخبة من رموز التيارات السلفية في أنحاء العالم العربي، من كبار العلماء والدعاة والمفكرين والباحثين، وقد ناهز عددهم 140 شخصاً من 17 دولة، كانوا يبحثون في قضايا تتعلق بمجملها بتعزيز الحضور السلفي في الثورات العربية.

وقال الشيخ أحمد الصويان رئيس تحرير المجلة: إن ما دعا لعقد المؤتمر سببان رئيسان: أولهما: أن التيارات السلفية أصبحت (فزاعة) تستخدَم للتخويف من كل ما هو إسلامي، وأن الهجوم على السلفية والسلفيين هو المرحلة الأخيرة التي بلغها أعداء الإسلام في وقتنا الحالي. وثانيها: أن الثورات العربية دفعت بالسلفيين إلى واجهة الأحداث، فانفتحت أمامهم السبل والمجالات بدرجة غير مسبوقة، وقد استجاب السلفيون وتمددت أنشطتهم إلى مسارات متنوعة أحوجتهم إلى مزيد من التأصيل والدراسة والبحث لتقويم الممارسات ورسم المسارات وإزالة العقبات؛ لهذا كان من أهداف المؤتمر مناقشة المستقبل السلفي على ضوء التطورات الراهنة.

ثالثاً: الإسلاميون الليبراليون

بدأ هؤلاء المفكرون والناشطون منذ عام 1998م بإعادة صياغة دعوتهم الهادفة إلى الإصلاح السياسي بنمط إسلامي ديمقراطي، موجهين في الوقت نفسه انتقادات غير مسبوقة للمفاهيم الوهابية ومشددين على ضرورة التلازم بين الإصلاح السياسي والديني. وعلى هذا الأساس تمكنوا من إقامة تحالف مع عناصر من غير الإسلاميين السنة في الساحة الفكرية السعودية وهم الليبراليون والشيعة، وخلق منبر سياسي وطني ديمقراطي مناهض للوهابية، محدثين بذلك اتجاهاً جديداً على الساحة السياسية الفكرية السعودية.

ولهذا فإن هذه النزعة تعتبر فريدة من نوعها لجدة مضمونها الديني والسياسي من جهة، وللتنوع الكبير في خلفيات مناصريها سواء من جهة التفاوت الصارخ الجيلي- المناطقي- الفكري بينهم مما يعكس نوعاً ما التنوع القائم في المملكة. وبينما يصنف بعض هؤلاء المثقفين أنفسهم على أنهم (وسطيون/ من دعاة الوسطية) أو (تنويريون) أو حتى (عقلانيون)، فإن معظمهم يتفق على تعريف أنفسهم بـ(الإصلاحيين) أو كما صاغها عبد العزيز القاسم في مارس 2003م (مجموعة من الإسلاميين الليبراليين أو الليبراليين الإسلاميين). ويستخدم ستيفن لا كروا تعبير (الإصلاح الليبرو – إسلامي) وذلك لتخصيص الإطار الفكري لهذا الاتجاه الجديد مشيراً للمنادين با بـ (الليبرو- إسلاميين).

واعتبر أن هجمات 11 أيلول- سبتمبر 2001م كانت محفزا لهذا التيار الإصلاحي (الليبرو-إسلامي). فقبل ذلك التاريخ كان هؤلاء المثقفون يعبرون عن آرائهم بشكل غير رسمي في الديوانيات الخاصة ومنتديات الإنترنت والمقالات الصحفية، ولكن على أثر تلك الهجمات قام هؤلاء باستغلال المناخ السياسي الجديد السائد في المملكة لخلق إجماع أوسع لدعم توجهاتهم ولتحويل طموحاتهم إلى بيانات وعرائض سياسية توجت بتلك العريضة التي تم تقديمها إلى ولي العهد الأمير عبد الله في يناير 2003م. ولهذا فإن الخطوات الإصلاحية التي اتخذها ولي العهد الأمير عبد الله في 2003م – ومن أهمها تنظيم مؤتمر للحوار الوطني والإعلان عن انتخابات بلدية جزئية – أتت نوعاً ما كاستجابة لهذه المطالب المحلية.

أهم الشخصيات البارزة في التيار الليبرو – إسلامي

يضم هذا التيار خليطاً من الشخصيات السنية والشيعية، ومثل فرصة للمثقفين الشيعة للتواصل مع الداخل والخارج من باب التعددية الديمقراطية والمواطنة ومن أبرز شخصياته على المستوى الشيعي زكي الميلاد ومحمد محفظ وجعفر الشايب، أما الشخصيات السنة فهم :

1ـ عبد العزيز القاسم:

ولد الشيخ عبد العزيز القاسم في أوائل الستينات في منطقة الرياض، وبعد دراسة الشريعة أصبح قاضياً في المحكمة العليا في الرياض. وفي أوائل التسعينات انخرط في اتجاه تيار الصحوة الإسلامية وأصبح من الأعضاء الناشطين في برنامجها السياسي الإصلاحي بانضمامه إلى مجموعة مؤلفة من 52 شخصية إسلامية سعودية بارزة قدموا (خطاب المطالب) إلى الملك فهد في عام 1991م، ثم تحول إلى عضو فاعل في (لجنة الدفاع في الحقوق الشرعية) التي أسسها أعضاء من المعارضة الإسلامية في عام 1993م. وقد تم اعتقاله وأفرج عنه في عام 1997م، ولم تتم إعادته لمنصبه الرسمي حيث يعمل كمستشار قانوني مستقل.

إن حجر الأساس في المنهجية الفكرية لـعبد العزيز القاسم يغلب عليه البعد السياسي، فهو يبدأ بانتقاد مواقف الحركات الإسلامية المعاصرة التي رفضت بشكل قاطع النماذج السياسية الغربية، حيث يصرح بأنه لا يجب تبني تلك الأنظمة بشكلها الحالي ولكن ينبغي أن تشكل مصدراً للإلهام بالنسبة للإصلاحيين المسلمين. ويتابع قائلاً بأن كل ما يحتاجه الإسلام هو نظام سياسي تسوده العدالة، تحدد ماهيته من خلال مبدأ الاجتهاد، ولذا فهو يرى أنه يجب على المسلمين اعتناق مبدأ الديمقراطية بما أنها أثبتت أنها الطريقة الأمثل لبناء مجتمع يسوده العدل.

2ـ عبد الله الحامد:

يشترك عبد الله الحامد مع القاسم في عدة نقاط أولها أنه أيضاً كان عضوا ناشئا في تيار الصحوة الإسلامية، ثم خطا أول خطواته السياسية المهمة مع (لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية)، وثانيها أن الاستنتاجات التي توصل إليها تماثل تلك التي توصل إليها القاسم مع أنه يتبنى أسلوباً وخطاباً مختلفاً.

ولد عبد الله الحامد في عام 1950م في بريدة في منطقة القصيم، وتلقى دراسته العليا في قسم اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، ثم ذهب إلى مصر حيث درس في الأزهر وحصل على درجة الدكتوراة هناك، وعاد إلى المملكة في عام 1977م حيث تم تعيينه أستاذا في الأدب. وفي عام 1993م أصبح الحامد أحد المؤسسين الستة للجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، مما أدى إلى فصله من عمله وإلقائه في السجن حيث أمضى عدة أشهر. وسجن مرتين أخريين في 1994م و1995م ومنذ ذلك التاريخ ألف عدة كتب حول القضايا الدينية بالإضافة للعديد من المقالات.

وحسب الحامد، فانه يوجد هناك نوعان من السلفية: مجددة ومحافظة، والأخيرة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسة الدينية السعودية. إن ما يدعو إليه الحامد بشكل عام هو إحياء السلفية الحقيقية في صورتها الحيوية المتجددة، أو ببساطة العودة إلى منهج السلف الصالح وليس إلى إنتاجهم مع رؤية واضحة على ما يجب أن تكون عليه مقاصد الشريعة.

إن الذي يدعو إليه الحامد هو العودة إلى تلك القيم، ولهذا فإن دعوته إلى احترام حقوق الإنسان وإقامة المجتمع المدني وتفعيل دور الشورى ينبع انطلاقاً من نظرته للإسلام. وهو يصر على استخدام المصطلح الأخير(إنني أفضل استخدام الشورى بدلاً من الديمقراطية لأن ما نحتاجه هو شيء من نتاج حضارتنا وليس مفاهيم مستوردة). وربما هذا النمط من التأطير هو الذي يبين بوضوح الفرق بين طريقة كل من القاسم والحامد في التعامل مع الموضوع. أما بالنسبة لحسن المالكي، فإن منظوره يختلف عن كليهما.

3ـ حسن المالكي:

ولد حسن المالكي في عام 1970م في منطقة جيزان على بعد بضعة كيلومترات من الحدود اليمنية. وفي سنوات مراهقته أصبح باعترافه الشخصي (سلفي محافظ) يقضي وقت فراغه في توزيع أشرطة (ابن باز)، حتى أنه كان يفكر بالذهاب إلى أفغانستان لمحاربة الروس. وفي عام 1987م غادر إلى الرياض للدراسة في قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود حيث تخرج منها في عام 1992م. وخلال فترة دراسته صُدم بالجو المتشدد المحيط به، وبدأ بالانفتاح الفكري وأصبح مولعاً بالتاريخ. في عام 1993م عمل في وزارة التربية كمشرف على النشر ثم أستاذا فباحثا. وفي نفس الوقت بدأ بالكتابة في الصحف بشكل مستمر، وتم اعتقاله لمدة شهرين في عام 1996م بسبب مقالة اعتبرت استفزازية بشكل كبير.

يصرّ حسن المالكي باستمرار على أنه ليس رجل سياسة ولا ينوي أن يصبح كذلك، وعلى كل حال إذا لم تكن كتاباته تستهدف النظام السياسي السعودي بشكل مباشر، فإنها تهز بعضا من دعاماته الأساسية: إعادة كتابة التاريخ، ونقد المناهج الدراسية، وكذلك الفكر الوهابي.

في كتابه (نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي) يكشف حسن المالكي لأول مرة رؤيته حول الطريقة التي يتم بها تدريس التاريخ في المملكة، حيث يتم إظهار السلف الصالح كأنهم معصومون عن الخطأ، وهو حسب المالكي أمر خاطئ تماماً. ولا يتردد المالكي في اتهام بعض الشخصيات التي كان لها حضور رئيسي في كتب التاريخ السعودي كالخليفة (معاوية) الذي يصفه المالكي على أنه طاغية وانتهازي وكـ (ابن تيمية) الذي يشجب المالكي مواقفه المتشددة وخاصة فيما يتعلق بالتكفير.

وبالنسبة للمالكي فإن إصلاح المجتمع السعودي لن ينجح إلا إذا بُدئَ بعملية إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بدون تحيّز، بحيث يصار إلى الإستفادة من دروس الماضي. وبنفس الحماسة يهاجم المالكي بعنف المناهج الدراسية السعودية مركزاً انتقاداته على أحد دعائم التعاليم الدينية الوهابية وهو موضوع: (التوحيد). وفي كتابه: (مناهج التعليم: قراءة نقدية لمقررات التوحيد لمراحل التعليم العام) يُظهر أن الكتب المدرسية التي تُدرَّس للناشئة السعوديين متخمة بالتهجم على المسلمين غير الوهابيين، وتحرض على تكفيرهم وعلى الجهاد ضدهم في حالات معينة.

الليبراليون والموقف من العمل السياسي:

يقسم ستيفن لاكروا التيار النيو ليبرالي إلى إتجاهين، يركز أولها على الإصلاح الاجتماعي فيما يعمل الثاني على الإصلاح السياسي :

1ـ الإصلاحيون الاجتماعيون:

وهم في غالبيتهم، رافضيون سابقون تحولوا إلى النقد الحاد للتقاليد الاجتماعية والدينية المحافظة. وقد استطاعوا بمرور الزمن الوصول إلى صحف محلية نافذة مثل (الوطن) و(الرياض).

والتركيز على التغيير الاجتماعي بدلاً من السياسي أمر حيوي بالنسبة لهؤلاء المعلقين، وحجتهم في ذلك أن الإصلاح السياسي في غياب اعتدال ديني واجتماعي ستكون له عواقب وخيمة. ولكن من الواضح أن بعض الكتاب يتم توظيفهم في المعادلات الداخلية للهجوم على التيارات التي تساند الثورات العربية، فضلاً عن كونهم واجهة سياسية مدنية لنظام الحكم في الخارج، وفي حين تحظى آراءهم بتغطية واسعة في الغرب فإن تأثيرهم داخل السعودية أقل يقيناً بكثير، لكن الحقيقة المؤكدة هي أنهم اخترقوا الحظر على النقد الموجه للوهابية.

2ـ الإصلاحيون السياسيون:

ومن أبرزهم عبد الله الحمد وعبد العزيز القاسم الذين أخذوا يطورون نظرية إسلامية أكثر تقدمية تقوم على أساس المجتمع المدني والمشاركة الشعبية والديمقراطية – وجميعها بالطبع ضمن سياق الشريعة الإسلامية. وفي سعيهم للتوفيق بين السيادة والشعبية واحترام الشريعة فقد حثوا أيضاً على الاجتهاد. كما أنهم أيدوا الإصلاح الاجتماعي، ولكن مع بقايا محافظة قوية، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا المرأة.

شكل هؤلاء المصلحون السياسيون الإسلامويون، بالاشتراك مع ليبرالييين مثل محمد سعيد الطيب ومتروك الفالح إضافة لشيعيين مثل جعفر الشايب، تحالفاً وسطياً متنوعاً عام 2002م برزت هذه الشبكة الفضفاضة من الإسلامويين التقدميين السنة والليبراليين والشيعة على رأس لوبي العريضة المرفوعة للسلطة، منطلقين من الدعوة إلى تحول سياسي تدريجي في إطار الإسلام والحكم الملكي. وصفت وثيقة 2003 رزمة من الإصلاحات تشمل إقامة ملكية دستورية وحكم القانون وبرلمان منتخب ومجتمع مدني مؤثر، واحترام لحقوق الإنسان وإنهاء التمييز وخصوصاً ضد الشيعة.

المبحث الخامس

المواقف من الثورات وإمكانات تغييرها

لا شك أن الربيع العربي أحدث زلزلة في الفكر السلفي، للمؤسسة الدينية، بهيئاتها وشبكاتها، الرسمية وغير الرسمية، فبغض النظر عن بعض الذين دخلوا العمل السياسي من منطق مصلحي وبراغماتي، فإن ثورات الشعوب أجبرت هؤلاء جميعاً على مراجعة سلم الأولويات. فبعد أن كانت الحركات السلفية منشغلة بمعارك قديمة، صارت الآن أكثر احتكاكاً بالعمل المجتمعي وبهموم وواقع الناس .

أولاً: الموقف من المشاركة السياسية:

التيار الأول: رفض رفضاً مطلقاً ما جرى من حراك خلال الربيع العربي وكان له موقف سلبي من الثورات العربية، بل ورفض الاحتجاج السلمي على السلطة. وهؤلاء لا يزالون متشبثين بالأقوال التي كانوا ينشرونها قبل الربيع العربي.

التيار الثاني: كان يؤمن قبل الربيع العربي بالعمل السياسي وليس له أي إشكال في هذا الأمر وبالتالي هذا التيار الذي يعرف بالسلفية الحركية تماهى مع أحداث الربيع العربي وكان في كثير من الأحيان أحد الموقدين والمساهمين فيها.

التيار الثالث: كان يرفض أي عمل ضد السلطة ولو كان سلميا، يرفض كل وسائل الاحتجاج السلمي من مظاهرات وغير ذلك، وبقي على هذا الرأي إلى حين الربيع العربي وحدوث الثورات فلما رأى أن الثورة تميل لجهة الشعوب وجهة إنهاء حكم الطغاة والمستبدين غيّر رأيه بناء على هذا المستجد .

ثانياً: الموقف من نظام الحكم القائم:

أدت الجدالات الفكرية إلى سيولة داخل المشهد السلفي في المملكة العربية السعودية، سواء تجاه الديمقراطية والحكم أو تجاه جماعة الإخوان المسلمين، ويمكن تقسيم مواقف المؤسسات والشبكات الدينية السلفية إلى ثلاثة مواقف رئيسية:

الأول: يؤكد على شرعية نظام الحكم وموالاته ولديه ممانعة داخلية قوية تجاه الديمقراطية.

الثاني: القبول بالديمقراطية كمرحلة انتقالية في الدول العربية لإقامة الدولة الإسلامية لتسهيل عملية الانتقال السلفي للمرحلة الجديدة.

الثالث: يرفض الديمقراطية ويستخدم العنف كآلية للتغيير ولعد أن خفت صوته وقت الثورات عاد بقوة بعد إسقاط الإخوان المسلمين في مصر، وفي سياق الثورة السورية.

1ـ موقف المؤسسة الرسمية

إن الفتاوى السائدة والمتداولة دائماً في المملكة العربية السعودية كانت من علماء المؤسسة الدينية التقليدية الرسمية، ولم توجد فتوى منتشرة على نطاق واسع في المجتمع والأماكن العامة ليست من كبار العلماء أو من المؤسسة الرسمية.

وتمثل هيئة كبار العلماء مصدراً للشرعية للعائلة المالكة حيث تقوم بتزويدهم بالحجج الشرعية الداعمة لما يتخذونه من قرارات. صمد ذلك التحالف ما يقارب من قرنيْن من الزمان أمام التغيرات الهائلة التي شهدتها الجزيرة العربية، إلا إن الفتاوى التي أصدرتها «هيئة كبار العلماء» لتبرير سماح الملك فهد في العام 1990 لقوات التحالف الغربي بإقامة معسكراتهم في الأراضي السعودية تمهيداً لحرب تحرير الكويت أدت إلى تغييرات كبيرة في تأثير الهيئة، التي أصدرت فتاوى متكررة عن تحريم الخروج على السلطان، «وإن سرَق مالك وضرَب ظهرك».

وقد حاولت العائلة المالكة إستعادة الفاعلية الدينية لهيئة كبار العلماء، بعد الأمر الملكي الذي قصر الفتوى في أعضاء هيئة كبار العلماء في 12 أغسطس 2010، خصوصاً تلك المتعلقة بقضايا مركزية مثل الجهاد، والتكفير، وقضايا الحرب والسلم، خارج الحدود، إلا أن ازدهار وسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع هيمنة الإعلام المرخص الحكومي منه والخاص، ربما لم يعط للقرار الملكي حظه المأمول سعودياً من «النجاعة» .

وقال الملك عبد الله: “رصدنا تجاوزات لا يمكن أن نسمح بها، ومن واجبنا الشرعي الوقوف إزاءها بقوة وحزم؛ حفظاً للدين، وهو أعز ما نملك، ورعاية لوحدة الكلمة، وحسماً لمادة الشر، التي إن لم ندرك خطورتها عادت بالمزيد، ولا أضر على البلاد والعباد من التجرؤ على الكتاب والسنة، وذلك بانتحال صفة أهل العلم، والتصدر للفتوى، ودين الله ليس محلاً للتباهي، ومطامع الدنيا (…) ولئن كان عصرنا هو عصر المؤسسات لتنظيم شؤون الدنيا في إطار المصالح المرسلة، فالدين أولى وأحرى في إطار مصالحه المعتبرة”.

وعقب القرار عيّنت «رئاسة الإفتاء» بعد ذلك مفتين لها في مناطق رئيسة مثل (مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والشرقية، والجنوبية، ونجران). كما شهدت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تغييرات عدة، ووزارة الشؤون الإسلامية ضبطاً أكثر حزما لمنابرها ودعاتها.

وإن كانت هيئة كبار العلماء التي تقع في قمة الهرم الديني في السعودية ارتبطت فاعليتها بكل المفاصل التاريخية في البلاد. فإن خالد الدخيل، يفسر التأثير السابق للمؤسسة، بأنه جاء بسبب غياب كيانات ثقافية منافسة، إذ كان «المطوع» هو المثقف والفقيه والواعظ وجليس الأمير. ويرى أن الدولة التي أعلت من شأن المؤسسة الدينية بادئ الأمر، لم تعد الآن في حاجتها مثل السابق، بفضل تعمق مفهوم البناء المؤسسي للدولة.

إن التيار الليبرالي، ينظر إلى المكانة الاجتماعية لعالم الدين في السعودية بنوع من «المبالغة»، أو المؤامرة أحياناً، فتؤكد دراسة صادرة عن مركز المسبار للدراسات، حول «طبيعة الفتوى والإفتاء في السعودية»، أن الكم الهائل من الفتاوى التي يتلقاها المشايخ في السعودية يكشف مدى «سهولة السطوة على مجتمع تحركه الفتاوى، ولكن الفتاوى نفسها أيضاً تعبير عن حال من التوحيد الشمولي للعقل الاجتماعي» .

لكن هذا التأثير في الحقيقة يرتبط بالأساس بالتنوع القبلي والمناطقي والمذهبي في السعودية وكونه ثري للغاية، وقد سعى مؤسس الدولة إلى الإقرار به، وأعطاه شرعية مقابل الولاء للدولة المركزية. إلا أنه في مراحل متقدمة من تاريخ السعودية، بدت اتجاهات متشددة ترى في هذا التنوع خطراً على سلطتها ونفوذها. وبرز ذلك بشكل خاص في أوساط الاتجاهات الدينية والمناطقية المتشددة، في “نجد”.

وقد أثّر هذا الاستحواذ على سياسات الدولة وعلى تعاطيها مع مختلف المكونات الثقافية والاجتماعية والدينية الاخرى، التي بلغت حدَّ نمو حالة من التمييز ضدها، في حقوقها المدنية العامة، وفي ممارساتها الثقافية، كحقها في إحياء التراث والتقاليد الشعبية، أو أنشطتها الدينية المختلفة.

ورغم ضعف تأثير المؤسسة الرسمية إلا أن نظام الحكم أحيا دورها سواء في مواجهة ثورات الربيع العربي أو مواجهة الإرهاب أو في “فتونة” القرار السياسي بربط الإخوان المسلمين بالإرهاب. فدعوات الإصلاح التي نادي به بعض العلماء السعوديين المتأثرين بفكر الإخوان المسلمين، أو الذين ينتمون لمدرسة الإخوان المسلمين الإصلاحية، والتي تدعو إلى إحداث إصلاح في نظام الحكم في السعودية يتجه نحو الديمقراطية، وتقييد سلطة العائلة المالكة، ومشاركة شعبية الحكم، ولقد زادت هذه الدعوات بعد (الثورات العربية المعاصرة) مما اقتضى من نظام الحكم في السعودية إلى النظر للإخوان المسلمين باعتبارهم يهددون استقرار المملكة ونظامها السياسي مما أدى بهم إلى اتخاذ خطوات قمعية وصلت إلى حد اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في بداية عام 2014م.

وتعتقد مضاوي الرشيد إنه إن كان هناك خطرٌ على النظام السعودي، فهو لا يأتي من القيادات القديمة الإسلامية، أوالتيار الجهادي العنيف، بل من تجارب المجتمعات العربية ما بعد الثورة المتمثلة بتيار ‘الإخوان المسلمين’ المصري، وفروعه العالمية، ومن التيار السلفي الذي بدأ يتعاطى مع الديمقراطية والتعددية ويدخل في نطاقها وينخرط في مؤسساتها.

وكلاهما تياران محاصران في السعودية لأن النظام انتبه إلى خطر الشرعية الإسلامية، المطعمة بخطاب الحقوق المدنية والسياسية، وإيجابيات الحراك السياسي السلمي. وحتى هذه اللحظة، يحاصر النظام السعودي هذه التيارات القديمة المتجددة حتى لا يفقد السيطرة على خطابه الذي احتكر الإسلام لمدة أكثر من 80 عاماً.

وإذا كانت الاحتجاجات التي تشهدها المملكة السعودية لا تشكل تحدياً وجودياً للنظام الملكي فيها. إلا أنها تضعه امام اختبارات غير مسبوقة. وهو لن يتمكن من عبورها، كما في السابق، بتحريك رجال الدين لإصدار فتوى تحريم الخروج على ولاة الأمور أو الفتاوى التي تكفر المعارضين وتهدر دماءهم قبل أن تتولى الأجهزة الأمنية والعسكرية التعاطي معهم. فبسبب تعدد الفئات المنخرطة في الاحتجاجات التي تشهدها المملكة، بمن فيهم النساء والعاطلون عن العمل، وبفضل قدرة النشطاء على التواصل ضمن حدود المملكة وخارجها، تواجه السلطات السعودية صعوبة في الاستفراد بالمحتجين، وفي وصم احتجاجاتهم بأنها من تدبير فئة ضالة أو ترويج اعتبارها جزءا من مؤامرة خارجية. لهذا تزداد الاحتجاجات وتنتشر وتزداد جرأة المشاركين والمشاركات فيها، ما يبرر التفاؤل بما يحدث. فمع أن التمرد العربي لم يصل بعد إلى السعودية، إلا إنه ليس بعيداً تماماً.

2ـ مراجعات الشبكات الحركية والفكرية

شهدت مراجعات الشبكات الحركية والفكرية استدارة تاريخية للقبول بالعمل السياسي والحزبي على خلفية الثورة في مصر وتونس من دون القيام بمراجعات للموروث الفكري السلفي تجاه الديمقراطية والحزبية وتداول السلطة وجملة من شروط الدخول في اللعبة السياسية والالتزام بقواعدها العامة .

وفي هذا الإطار عُقد مؤتمران مهمَّان للسلفية الحركية، والخليجية على وجه الخصوص حول تحولات ما بعد الثورات العربية:

الأول: مؤتمر “السلفيون وآفاق المستقبل” الذي عقد في اسطنبول التركية في أكتوبر 2011م، أقامته مجلة البيان.

الثاني: عقد في العاصمة القطرية الدوحة في 23 – 24 مايو 2012م لرابطة علماء المسلمين، حمل عنوان “أحكام النوازل السياسية”، وحضر المؤتمرين شخصيات سلفية محسوبة على الخط الحركي، ناهزت المائة وأربعين عالماً، من العالمين العربي والإسلامي.

وهناك قواسم مشتركة دفعت السلفيين لإقامة هذين المؤتمرين:

• أن الثورات العربية دفعت بالسلفيين إلى واجهة الأحداث، فانفتحت أمامهم السبل والمجالات بدرجة غير مسبوقة، وقد استجاب السلفيون، وتمددت أنشطتهم إلى مسارات متنوعة، أحوجتهم إلى مزيد من التأصيل، والدراسة، والبحث، لتقويم الممارسات، ورسم المسارات، وإزالة العقبات.

• تأسيس عدد من الجماعات السلفية أحزاباً سياسية في بلدان الربيع العربي، وما يتبع ذلك من إشكالات في ممارسة العمل السياسي، خاصة أن تلك الأحزاب حديثة عهد بالممارسة السياسية، والخشية من كيفية إدارة تلك العملية، التي تتسم بتقديم التنازلات في الممارسة الديمقراطية.

• مقارعة التحركات والطروحات والفلسفات الإخوانية، التي تصدرت المشهد السياسي العربي، عبر رموزها، كأمثال الشيخ يوسف القرضاوي،والشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بتونس، حيث أثارت آراؤهما تحديداً الكثير من الانتقادات من جانب السلفيين الحركيين على وجه الخصوص.

• إعطاء الرؤية الشرعية في مصطلحات أضحت واقعاً على السلفيين، كالموقف من الدولة المدنية، والخروج على ولي الأمر، وأحكام المشاركة السياسية للمرأة، ووسائل الاحتجاج المعاصرة، ووجوب تطبيق الشريعة، وأحكام التحالفات السياسية.

ومن بين تلك التطورات في الخطاب السلفي قول بعض الأطياف – ممن حضر المؤتمر- أنّ قيام الثورات الشعبية السلمية من أجل التغيير وإسقاط الأنظمة المستبدة أمر مشروع شرعاً ووضعاً، وأن تحول الاحتجاجات السلمية في بعض البلدان – كما في حدث في ليبيا واليمن وسوريا- إلى جهاد ومقاومة مسلحة، لا يخرجها عن المشروعية. مما يعني أمرين: الأول: الاقتراب من الرؤية الحكومية التي ترفض الدفع بالمتطوعين إلى سوريا والعراق ولكنها تدعم في نفس الوقت العمل المعارض المسلح هناك. الثاني: عدم حسم مسألة السلمية مما يسوغ للكثيرين دعم التيارات والشبكات الجهادية بالمال والسلاح والعنصر البشري.

كما أن توصيات المؤتمر (13 توصية) حملت دلالات ورسائل “فكرية وسياسية”، لثلاث جهات، هي: الحكومات الإسلامية القائمة، والتيار السلفي الراغب في ولوج العملية السياسية، والأحزاب الإسلامية عموماً، وتمثل أيضاً قراءة فاحصة لقراءة السلفيين الحركيين لشكل خطابهم السياسي بعد الثورات.

ومن أهم هذه التوصيات أهمها:

– دعوة حكام المسلمين، وسائر الأمة، إلى ترسيخ تعظيم الشريعة، وتحكيمها، في جميع مناحي الحياة، وتهيئة عموم الأمة للاعتصام بالكتاب والسنة. والتأكيد على وجوب تحكيم الشريعة كاملة، وحمل الناس عليها، بما يحقق المصالح ويجمعها، ويدفع المفاسد ويقللها.

– ضرورة التفريق بين الحكم على الديمقراطية وبين المشاركة السياسية وفق الشروط الشرعية، في ظل أنظمة الحكم الديمقراطية، بما في ذلك إنشاء الأحزاب السياسية الإسلامية، لتحقيق المصالح ودرء المفاسد، مع ضرورة التأكيد على أن الممارسة السياسية ليست بديلاً عن الدعوة إلى الله وتعبيد المجتمعات لله تعالى.

– التأكيد على أن التحالفات السياسية بين الأحزاب الإسلامية مما يحقق اجتماع الكلمة، وأن التحالف مع غير الإسلامية يتوقف الحكم فيه على الموازنة بين المصالح والمفاسد، وفق الشروط الشرعية، مع مراعاة عقيدة الولاء والبراء.

– التأكيد على منع تولي المرأة للولايات العامة، وأمَّا ما دون ذلك من المشاركة في العمل السياسي، فيخضع للشروط الشرعية، والموازنة بين المصالح والمفاسد.

– التأكيد على أن منع الخروج المسلح على الحاكم المسلم الظالم لا يعني السكوت عن نصحه، كما لا يعني عدم الإنكار الشرعي عليه، أو موافقته على ظلمه، وطاعته في المعصية.

3ـ موقف التيار الجهادي من الثورات السلمية

بعد الثورات في تونس ومصر، ومع تمدد الموجة الثورية إلى بلدان أخرى في العالم العربي، تزايد الحديث عن بداية حقبة جديدة عربياً لا دور لجماعات العنف الجهادية فيها؛ إذ إنّ التظاهرات التي خرجت في ميادين التحرير والتغيير، كرست قدرة الشعوب على التغيير سلمياً، كما أكدت المطالب المدنية والتحوّل الديموقراطي لتأمين حقوق الجميع في أوطانهم، وهو ما جعل غالب التحليلات تذهب باتجاه القول بنهاية تنظيم القاعدة كحالة شعبية وكقوة مؤثرة في مسار الأحداث في المنطقة العربية والعالم .

لا شك أنّ في هذا التحليل وجاهة، فقدرة التنظيمات الجهادية على تجنيد الشباب تخفت حين يكون عند هؤلاء الشباب خيارات أخرى متاحة. وفي ظل سقوط أنظمة القمع الأمني ووجود فرصة للعمل المدني والسياسي، لا يعود خيار العنف والعمل السري خياراً وحيداً أو ذا أولوية على غيره، ويمكن بالطرق السلمية تحقيق ما لم يتحقق أصلاً عبر العمل المسلح. سبب آخر يعزز هذا التحليل القائل بنهاية القاعدة على يد الثورات في تونس ومصر، هو انخراط عدد من رموز السلفية الجهادية ومن الجماعات التي كانت تنادي بالعنف في مواجهة الدولة في العملية السياسية الجديدة، وتأكيدهم الديموقراطية نهجاً ومساراً وحيداً لممارسة العمل السياسي.

لكن القمع الأمني في سوريا وليبيا، والإنقلاب في مصر و ما يجري في اليمن عرض نظرية التغيير السلمي إلى خلل كبير، وظهر أنّ العنف يمكن أن يُستدعى مجدداً في حالات معينة. فعاد الحديث عن دور السلفية الجهادية إلى الواجهة مجدداً، وصار النقاش حتى في الغرب بشأن جدوى تسليح الثوار في ليبيا ثم سوريا، ما دام كثير منهم من الجهاديين. اليوم على امتداد الخريطة العربية يمكن رصد عودة واضحة للتيار الجهادي.

وهكذا يمكن القول إنّ التيار الجهادي يشهد عودة جديدة إلى الساحة العربية على عكس ما كان متوقعاً من ضموره وانتهائه بعد الربيع العربي. عودة التيار الجهادي لها عدة أسباب، أحدها عدم الاقتناع بالمسار الديموقراطي الذي تسلكه الثورات العربية، و الذي تم إجهاضه بالفعل، ورفض الجهاديين لانخراط الإسلاميين في هذا المسار. السبب الأكثر تأثيراً في قدرة الجهاديين على التجييش والتعبئة من جديد يتمثل في تصاعد الاحتقان الطائفي في المنطقة العربية، ووجود ساحات يمكن فيها التعبير عن هذا الاحتقان عنفياً كما في العراق وسوريا. وهكذا تحولت الساحتان العراقية والسورية إلى بيئتين مناسبتين لعمل الجهاديين، وتم تجييش شباب عرب باستخدام الخطاب الطائفي ليذهبوا إلى سوريا للقتال هناك.

ومن خلال دعم المعارضة المسلحة، وقمع المعارضة الداخلية تحت شعار مكافحة التنظيمات الجهادية، تسعى أنظمة عربية ومنها المملكة العربية السعودية إلى إثبات صلاحيتها أمام الأميركيين عبر الانخراط مجدداً في دعاية الحرب على الإرهاب. ومن خلال تخويف الأميركيين وتخويف الداخل من الإرهاب باعتباره خطراً داهماً، ستسعى هذه الأنظمة، ولو بالفبركات الإعلامية، لإجهاض أي خطاب يتحدث عن التغيير السياسي برفع شعار أولوية المعركة ضد الإرهاب.

لم يخطئ التحليل القائل بنهاية فكر القاعدة عبر الانفتاح السياسي وإنشاء نظام ديموقراطي، لأنّه يجعل قدرتها على التحشيد والتعبئة أصعب بكثير. لكن الفتن المذهبية والاحتراب الأهلي يفتحان باباً جديداً للفكر الجهادي، وبالتالي لا بد من العمل على مواجهة الخطاب المذهبي، وإستراتيجية تخرج من سياسات القمع الأمني التعسفي الذي انتهجته أنظمة ما قبل الربيع العربي إلى تغطية الأبعاد المختلفة: السياسية والاقتصادية والثقافية.

وإذا كان نظام الحكم يوظف العنف للقمع السياسي فإن التنظيمات الجهادية نفسها تسوق تبريرات كثيرة لرفض العمل السلمي الذي جفف منابعها الفكرية والبشرية والمالية في مقدمتها الهجوم على التيارات الإسلامية التي تنخرط في العمل السياسي. فيرى التيار الجهادي أن الإخوان المسلمين نبذوا مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل كامل، وأنهم يؤيدون الأنظمة الجاهلية ويعتبرونها أنظمة مسلمة رغم أن مرجعية هذه الأنظمة علمانية تستبطن العداء للإسلام والمسلمين وتسخر كل أدواتها السياسية والإعلامية والتعليمية ضد القيم الإسلامية، كما أن هذه الأنظمة موالية بشكل شبه كامل لأعداء الإسلام. وتأييد الإخوان لهذه الأنظمة يضفي الشرعية عليها رغم أن الحكم الشرعي هو مقاومتها والخروج عليها أو على الأقل منابذتها وعدم الدخول في طاعتها “إذ الطاعة في المعروف” ومن ثم عدم منح الطاعة لهذه الأنظمة هو واجب شرعي. كما أن تعبيرات الأمر بالمعروف الأخرى مثل النصح والمقاومة والبيان الواضح للأمة لا يقوم به الإخوان.

خاتمة:

هل سيسير السلفيون على خطى الإخوان المسلمين في القبول التدريجي بالديمقراطية بوصفها نظاما نهائيا للحكم؟ أم أن هناك مسارا آخر سيسلكه السلفيون؟

في هذا الإطار، تبرز فرضيتان كالتالي:

الفرضية الأولى: فرص التطور الأيديولوجي:

قبل عقدين أصر الإخوان المسلمون على المزاوجة بين مصطلحي الديمقراطية والشورى، في محاولة للتأكيد على أن القبول بالديمقراطية ليس انفصالاً عن الحلم بإقامة الدولة الإسلامية وأصر الإخوان على التمييز بين الفلسفة والآليات الديمقراطية، ويُبدون تحفظا على القبول بالتعددية السياسية والفكرية المطلقة، وهو موقف شبيه اليوم بالخطاب السلفي، باستثناء ميزة للسلفيين تتمثل في أنهم لم يتحفظوا على التعددية السياسية المطلقة.

ووفقا لهذه الفرضية، فإن تشابه الحجج التي يسوقها السلفيون اليوم لتبرير مشاركتهم في اللعبة السياسية، مع الحجج التي بدأ بها الإخوان قبل عقدين، تمنحنا إشارات باحتمال تطوير شبيه للخطاب السلفي، وصولا إلى ما أقره الإخوان بالالتزام بصورة نهائية بالنظام الديمقراطي.

وحتى لو بقي هنالك تيار داخل السلفيين يصر على خطاب الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، فإن المهم هو ما ستصل إليه الأحزاب السلفية من مبادئ معلنة ملزمة لها، إذ حتى الإخوان ما زال لديهم إلى اليوم تيار يتبنى رؤى سيد قطب في الدولة الإسلامية والحاكمية، والتعامل مع الديمقراطية بوصفها آلية للتمكين والحكم، وليست نهاية الطريق.

الفرضية الثانية: صعوبات التحول الأيديولوجي وعوائقه:

توجد عوائق تحد من سقف تطور أيديولوجيا التيارات السلفية ووصولها إلى القبول الكامل بالديمقراطية، مما يجعل التجربة السلفية مختلفة عن التجربة الإخوانية.أحد وجوه الاختلاف الجوهرية تتمثل في أهداف كل منهما، وظروف النشأة والتطور، فالإخوان جاؤوا في الأصل ردا على تحدي التغريب والعلمنة على أرض الواقع، وكان تصورهم أن الاستجابة تكون في حركة اجتماعية تنشر الإسلام في الواقع بخطاب معاصر.

أما السلفية، فهي بالأصل أقرب إلى مذهب فكري، تمركزت حول النص وفي الرد على الفرق الإسلامية، أي أنها بعكس الإخوان، انتقلت من النص إلى الواقع، الذي عندما تنظر إليه تكون معنية بسؤال أساسي في تعريفه شرعيا، وقولبته ضمن الأحكام الإسلامية.وفوق هذا وذاك، فإن الميراث السلفي الكبير المتحفظ على الديمقراطية وقيمها سيكون بمنزلة قيد شديد الوطأة على الحركة السلفية في المرحلة المقبلة، وسيغرق الأحزاب الجديدة بمناظرات داخلية واسعة مع أنصارها وقواعدها.

ويظل أحد الشروط المطلوبة لتعزيز التحول في الخطاب السلفي بإتجاه المشاركة السياسية وحمل هموم المجتمع، أن يعزز نظام الحكم من هامش الحريات من جهة ويقيد الخطاب الذي يحرم الديمقراطية الصادر من هيئة كبار العلماء من جهة أخرى، على إعتبار أن انعدام وسائل التعبير السياسية من خلال تشكيل الأحزاب والجمعيات، أو إطلاق حرية الإعلام، أدى الى انحسار مجالات المشاركة الشعبية في القرار والشأن العامين. كما أن التعاطي الأمني المتشدّد مع الحركات الوطنية والإصلاحية دفع بها الى العمل السري أو التحوّل إلى معارضة سياسية في الخارج.

فلم تخلُ مرحلة من المراحل، طوال العقود الماضية، من وجود معارضة سياسية في الخارج تقوم بأنشطة إعلامية وحقوقية ضمن دعوتها للإصلاح السياسي، كإجراء انتخابات عامة، وتشكيل مجالس تشريعية منتخبة، ومحاسبة الحكومة، وتحديد صلاحيات أفراد الأسرة الحاكمة، وإطلاق الحريات العامة. فضلاً عن أن استمرار تقييد الحريات سيخلق نتيجتين متناقضتين ربما يستفيد منهما النظام، وهما: زيادة هامش الحركة للحركة الليبرالية وتوظيفها في المعادلات الداخلية والهجوم ضد التيارات الأخرى وخصوصاً الإخوان المسلمين، وكذلك عودة الشبكات الجهادية سواء من الخارج باتجاه الداخل أو بالعمل في الداخل وشن هجمات عنيفة يوظفها النظام الحاكم في سرديته كأحد القوى الإقليمية الرئيسية التي تحارب الإرهاب.

ومن المتوقع أيضاً أن تتحرك هذه المراجعات ببطء في حال الإستمرار في ربط الإخوان المسلمين بالارهاب على إعتبار أن ذلك سيؤدي إلى شن حملات دعائية وإعلامية عنيفة ضدهم وضد الحركات التي تدعو للمشاركة السياسية وحل أزمة التوزيع كما سيتم إستعادة الكثير من الفتاوى ضد الإخوان المسلمين في سياق هذه الحملات وفي مقدمتها تحريم الخروج على الأئمة، وإن حصل منهم ظلم أو تقصير، وليس من مذهبهم التشهير بعيوب الولاة على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف.

وهناك قائمة طويلة من الفتاوي التي يمكن توظيفها في هذا الإطار :

1ـ فتاوى علماء أهل السنة والجماعة تدحض شرعية تنظيم الإخوان المسلمين منذ القدم كما قال، منها فتوى الشيخ ابن باز التي جاء فيها “… ننصح بالاجتماع على كلمة واحدة، والسير على منهج أهل السنة والجماعة، أما التحزب للإخوان المسلمين أو جماعة التبليغ أو كذا، فلا ننصح به، هذا غلط..” وأضاف ابن باز: «حركة الإخوان المسلمين ينتقدها خواص أهل العلم لأن ليس عندها نشاط في الدعوة إلى توحيد الله وإنكار الشرك وإنكار البدع، ولهم أساليب خاصة ينقصها عدم النشاط في الدعوة إلى توحيد الله، وعدم التوجيه إلى العقيدة الصحيحة التي عليها أهل السنة والجماعة، فينبغي للإخوان المسلمين أن تكون عنايتهم بالدعوة السلفية، الدعوة إلى توحيد الله وإنكار عبادة القبور والتعلق بالأموات والاستغاثة بأهل القبور كالحسين أو الحسن أو البدوي أو ما أشبه ذلك”.

2ـ ذكر الألباني أن التحزب والتكتل في جماعات مختلفة الأفكار أولاً، والمناهج والأساليب ثانياً ليس من الإسلام في شيء. وأن أحد الإخوان في دمشق قدم باسمه طلباً للدخول في جماعة الإخوان المسلمين فرفض لأنه «رجل وهابي»، وذكر أن السبب الحقيقي أنه إذا دخل في الجماعة واعتبر منهم سيصيب الجماعة انقلاب فكري عظيم وخطير بالنسبة إليهم، وهم يريدون التكتل. وأضاف: «أنا أقول كلمة حق، لا تجد في الإخوان المسلمين عالماً، لماذا؟ لأن هذا العالم سيدعو الناس إلى دعوة الحق، ودعوة الحق تفرق الصف، وهم يريدون أن يتكتلوا وأن يجتمعوا، والفرق بين دعوتنا ودعوة غيرنا، دعوتنا تقوم على أساس: فقه ثم كتل، ودعوة غيرنا تقوم على أساس: كتل ثم فقه، ثم لا ثقافة ولا شيء بعد ذلك”.

3ـ يقول ابن عثيمين: «ليس في الكتاب والسنة ما يبيح تعدد الأحزاب والجماعات، بل إن في الكتاب والسنة ما يذم ذلك». ويقول صالح الفوزان: «ليس من منهج الدعوة أن يتفرق المسلمون، وأن تكون كل طائفة منهم تزعم لنفسها أنها على حق وأن غيرها ليس على حق”.

4ـ قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: «أما جماعة الإخوان المسلمين، فإن من أبرز مظاهر الدعوة عندهم التكتم والخفاء والتلوّن، والتقرب إلى ما يظنون أنه سينفعهم، وعدم إظهار حقيقة أمرهم، يعني أنهم باطنية بنوع من أنواعها».

وإذا كان من المتوقع أن يتم تعطيل هذه المراجعات، فإن المعنيين بإقامة حوار إسلامي – إسلامي حول التحولات في المملكة العربية ومسارات الثورات العربية بإمكانهم تنشيطها من خلال إقامة حوار حول مطالب الإختيار والمحاسبة وحضور قيم العدل في ( مجمل) الخطاب الإسلامي والسلفي. فمن خلال عمل دراسة ( للمحتوى الإعلامي ) لطبيعة الخطاب السلفي العلني منذ 1999- 2009م يؤكد القديمي أن هناك غياب لقضايا العدل والحقوق رغم أنها حظيت بحضور كبير في خطاب الصحوة الإسلامية السعودية بجانب قضايا العقائد والهوية والأخلاق.

والسؤال المطروح: هل هناك خطاب اقتصادي وتنموي لدى علماء السلفية العلمية المعاصرة على المستوى الفكري وليس الحركي؟

1ـ المدخل الفقهي:

هناك اهتمام من جل السلفيين المعاصرين بالعقيدة والعبادات، لذا تجد معظم كتاباتهم وأحاديثهم ودروسهم تقتصر في غالبيتها على الأحكام الفقهية خاصة تلك المرتبطة بالعبادات وأحيانا المعاملات، والزهد والرقائق، وعلوم التفسير وعلوم الحديث، والعقائد والتوحيد.

ونادرا ما نجد كتابات متخصصة في الاقتصاد والتنمية وعلاج مشكلات المجتمع المالية والاقتصادية فيما عدا المدخل الفقهي الذي يستقى من الفتاوى التي يجيب عنها علماء السلفية، وهذه الفتاوى المتعلقة بالجانب الاقتصادي يغلب عليها الطابع التراثي، حيث الاستشهاد بالنصوص الفقهية القديمة بنفس مصطلحات العصور الوسطى بلا محاولة لتقريب المفاهيم للأذهان باستخدام مصطلحات العصر الحديث. ويغلب على كثير من هذه الفتاوى الانعزال عن مشكلات الواقع المعاصر والحلول المثالية لمثل هذه المشكلات، وأغلب الفتاوى تدور حول البيوع والزكاة والقرض والربا والبنوك الإسلامية وكأن الاقتصاد الإسلامي خلا من سائر القضايا الأخرى التي ترتبط بتنمية المجتمع ونهضته الاقتصادية، فلا نجد حلولا واقعية وعملية للفقر أو البطالة أو الأزمات الاقتصادية .

2ـ المدخل الفكري:

ونقصد به ما قدمه السلفيون المعاصرون من تناول وتحليل للظواهر والوقائع الاقتصادية كما قدمها السلف السابق، وأول ملاحظة تبدو في هذا المجال أن هناك عدة اقترابات سلفية من القضايا الاقتصادية فهناك اقتراب التجاهل، واقتراب الزهد واقتراب آخر تربوي. والدرس الهام في هذا الإطار يتمثل في بلورة مواقف فكرية وطرحها جماهيرياً حول القضايا الهامة: الحريات والمواطنة، الحريات الدينية، الإستقلال عن السياسات الأمريكية، المقاومة بغض النظر عن إنتماءها السني أو الشيعي أو المسيحي.

——————————————-

الهامش

( ) محمد سليمان أبو رمان وآخرون، أوراق ونقاشات مؤتمر “مؤتمر التحولات السلفية الدلالات التداعيات والآفاق “، عمان – مؤسسة فريدريش آيبرت، ص 9.
( ) عبد العزيز الخضر السلفية المتعددة في التداول المعرفي، صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٤١) صفحة (١٦) بتاريخ (١٤-٠١-٢٠١٢).
( ) محمد سليمان أبو رمان وآخرون، أوراق ونقاشات مؤتمر “مؤتمر التحولات السلفية الدلالات التداعيات والآفاق “، مصدر سابق، ص 7.
( المملكة العربية السعودية: من هم الإسلاميون، الرابط.
عبد الغني عماد “مشرف”، الحركات السلفية: التيارات- الخطاب- المسارات، الرابط.
السعودية … المؤسسات الدينية السلفية الفاعلة، http://middle-east-online.com/?id=149085
السعودية … المؤسسات الدينية السلفية الفاعلة، المصدر السابق.
محمد سليمان أبو رمان وآخرون، أوراق ونقاشات مؤتمر “مؤتمر التحولات السلفية الدلالات التداعيات والآفاق “، عمان – مؤسسة فريدريش آيبرت، ص 10
السعودية … المؤسسات الدينية السلفية الفاعلة، http://middle-east-online.com/?id=149085
كيف تتحكم السعودية في التيار السلفي في العالم العربي؟، http://www.france24.com/ar
كيف تتحكم السعودية في التيار السلفي في العالم العربي؟، المصدر السابق.
السعودية … المؤسسات الدينية السلفية الفاعلة، مصدر سابق.
المصدر السابق.
المصدر السابق.
السعودية … المؤسسات الدينية السلفية الفاعلة، مصدر سابق.
المصدر السابق.
ندوة بتونس حول دور المؤسسة الدينية في الحكم بالسعودية نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، الرابط
المصدر السابق.
( ) سمير العركي، إشكاليات التجديد داخل الخطاب السلفي، الرابط.
( ) المصدر السابق.
محمد سليمان أبو رمان وآخرون، أوراق ونقاشات مؤتمر “مؤتمر التحولات السلفية الدلالات التداعيات والآفاق “، عمان – مؤسسة فريدريش آيبرت، ص 10.
صلاح الدين حسن، المدخلية .. تيار ديني ينصّب نفسه ممثلا حقيقياً للسلفية (الحلقة الأولى)، الرابط.
تحذير البرية من ضلالات الفرقة الجامية والمدخلية، http://www.tawhed.ws/r?i=z8k2hrad
ستيفن لاكرويس، الإصلاحيون الليبرو- إسلاميون الجدد في السعودية، مصدر سابق.
عبد الغني عماد “مشرف”، الحركات السلفية: التيارات- الخطاب- المسارات، الرابط.
http://alwahabiyah.com/main.aspx?typeinfo=1&lid=2&mid=22255
صلاح الدين حسن، المدخلية .. تيار ديني ينصّب نفسه ممثلا حقيقياً للسلفية (الحلقة الأولى)،
الجامية، الرابط.
المصدر السابق.
الجامية، مصدر سابق.
عبد الغني عماد “مشرف”، الحركات السلفية: التيارات- الخطاب- المسارات،
http://alwahabiyah.com/main.aspx?typeinfo=1&lid=2&mid=22255
المصدر السابق.
عبد الغني عماد “مشرف”، الحركات السلفية: التيارات- الخطاب- المسارات، مصدر سابق.
المصدر نفسه.
المصدر نفسه.
الجامية، مصدر سابق.
محمد سليمان أبو رمان وآخرون، أوراق ونقاشات مؤتمر “مؤتمر التحولات السلفية الدلالات التداعيات والآفاق “، عمان – مؤسسة فريدريش آيبرت، ص 13
المملكة العربية السعودية: من هم الإسلاميون، الرابط.
المملكة العربية السعودية: من هم الإسلاميون، المصدر السابق.
المصدر السابق.
المصدر نفسه.
المصدر نفسه.
المصدر نفسه.
المصدر نفسه
المصدر نفسه.
المصدر نفسه.
عبد الغني عماد “مشرف”، الحركات السلفية: التيارات- الخطاب- المسارات،
http://alwahabiyah.com/main.aspx?typeinfo=1&lid=2&mid=22255
محمد سليمان أبو رمان وآخرون، أوراق ونقاشات مؤتمر “مؤتمر التحولات السلفية الدلالات التداعيات والآفاق ” ، عمان – مؤسسة فريدريش آيبرت، ص 11
المصدر السابق، ص 11

المصدر نفسه.
المصدر نفسه.
http://www.mualm.com/mo/1152.htm
ستيفن لاكرويس، الإصلاحيون الليبرو- إسلاميون الجدد في السعودية، في:
http://www.saudiaffairs.net/webpage/sa/issue20/article20/article05.htm
المصد نفسه.
المصدر نفسه.
المصدر نفسه.
أبو حفص: الربيع العربي زلزل الفكر السلفي، الرابط.
المصدر السابق.
( ) مصطفى الأنصاري، «فيكم كسل» و الثورات و «داعش» تلقي بظلالها على هرم المؤسسة الدينية، صحيفة الحياة، لندن، الخميس، ١٨ سبتمبر ٢٠١٤ ، الرابط.
( ) مصطفى الأنصاري، المصدر السابق.
( ) مصطفى الأنصاري، المصدر السابق.
تحالف القبيلة والدين والنفط في السعودية، النص متاح على الرابط التالي: الرابط
( ) د. وليد القططي، تدافع الشرعية بين الإخوان والسعودية، النص متاح على الرابط التالي: الرابط
ندوة حول دور المؤسسة الدينية في الحكم بالسعودية نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، الرابط
عبد الهادي خلف، أصداء الربيع العربي في المملكة العربية السعودية، النص متاح على الرابط التالي: الرابط
محمد سليمان أبو رمان وآخرون، أوراق ونقاشات مؤتمر “مؤتمر التحولات السلفية الدلالات التداعيات والآفاق عمان – مؤسسة فريدريش آيبرت، ص 13
) موقع ميدل إست أون لاين، الرابط. http://www.middle-east-online.com/?id=151634
المصدر السابق.
المصدر نفسه.
المصدر نفسه.
بدر الإبراهيم، التيار الجهادي ولادة جديدة، http://www.al-akhbar.com/node/167150
المصدر نفسه.
كمال حبيب، موقف التيار السلفي والجهاد من الإخوان المسلمين، الرابط.
السلفيون والربيع العربي، الرابط.
تحالف القبيلة والدين والنفط في السعودية، الرابط
باحث سعودي: «السرورية» أخطر ما أفرزته جماعة الإخوان المسلمين، الرابط.
المصدر السابق.
أحمد زغلول، أشواق الحرية .. مقاربة للموقف السلفي من الديمقراطية، الرابط.
السلفية المعاصرة أزمة في الخطاب الديني، الرابط.
حمدي عبد العزيز، الإعلام الشيعي بالسعودية والتيار الصحوي، ورقة بحثية غير منشورة، ص 7

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close