fbpx
أسيا وافريقياالمشهد التركي

تطورات المشهد التركي 28 مارس 2016

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد:

يتناول هذا التقرير تطورات المشهد التركي في الفترة من 20 إلى 28 مارس 2016، ويرصد أهم الأحداث على الساحة التركية، وسنركز في هذا التقرير على حدثين هامين، أولهما هو تفجير شارع الاستقلال بإسطنبول، والذي راح ضحيته 5 أشخاص بالإضافة إلى إصابة 39 شخصاً (جيهان)، وكذلك على تفجيرات بروكسل والتي راح ضحيتها أكثر من 30 شخصًا (بي بي سي) وأثرها على تركيا وكيف يمكن أن يتحول السياق الإقليمي نتيجة تلك الحادثة.

ومن المهم التأكيد على أن التفجيرين قاما بهما عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية، وهو تطور نوعي للجماعة التي استخدمت كلا من مفجر انتحاري في تفجير إسطنبول، وتكتيك الحقائب المتفجرة في انفجارات بروكسل بحسب بيان وكالة أعماق التابع للتنظيم (سي إن إن) ولا تزال السلطات التركية (حتى كتابة التقرير) تبحث عن ثلاثة انتحاريين آخرين ينتمون إلى تنظيم الدولة يستعدون لشن تفجيرات انتحارية، وتقول السلطات أنهم يتجولون ببطاقات هوية مزورة، بينما قبضت على عشرة عناصر منهم بينهم انتحاري يرتدي حزامًا ناسفًا على الحدود السورية (الأناضول).

أولاً: حدث الأسبوع: تفجيرات إسطنبول وبروكسل:

جاءت تلك التفجيرات في كل من تركيا وبلجيكا في خضم أزمة لاجئين واتفاقية تركية أوروبية بشأنهم، في ظل تصاعد الدعوات من الأحزاب اليمينية الأوروبية بمنع استقبال اللاجئين تمامًا وكذلك تشديد الرقابة على الحدود الدولية بين أعضاء الاتحاد وإعادة النظر في اتفاقية الشنجن، والتي تقضي بإزالة الرقابة الحدودية بين الدول الأعضاء في الاتفاقية، ومن المؤكد أن مناخ الرعب والشك الذي أعقب الانفجار سوف يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي (ستراتفور).

وتتعرض اتفاقية الشنجن تتعرض لانتقادات حادة من اليمين الأوروبي منذ بدء أزمة اللاجئين في 2015، وفاقمت تفجيرات باريس هذا الجدل، خاصة أن المنفذين تنقلوا بين فرنسا وبلجيكا دون أن يتم رصدهم، وقد شددت فرنسا أمن حدودها في الوقت الذي تدعو المفوضية الأوروبية كافة الدول الأعضاء إلى رفع الرقابة الحدودية بنهاية 2016، وهو يبدو أمرًا صعب التنفيذ.

ومن المحتمل أن تقوم عدة دول في غرب أوروبا بالإعلان عن تشريعات أمنية جديدة وتزيد من رقابتها على المقاتلين الذين يعودون من مناطق الصراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى زيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية مع دول الجوار، وبخاصة تركيا.

ومن المتوقع أن تزداد كذلك موجة الإسلاموفوبيا في الغرب واستهداف المسلمين وزيادة المشاعر المعادية ضدهم في أوروبا، بالتوازي مع زيادة الضغط الشعبي لعدم موافقة أوروبا على منح المواطنين الأتراك تأشيرة دخول للاتحاد، وهو شرط أساسي من شروط الاتفاقية مع تركيا. كما يمكن أن تزداد المشاعر اليمينية للأحزاب القومية عبر القارة، حيث شهدنا صعودًا في تلك الأحزاب في فرنسا مؤخرًا وفي ألمانيا كذلك حيث صعد “حزب البديل من أجل ألمانيا” بسرعة كبيرة في الانتخابات الإقليمية الأخيرة ويحل الآن في المرتبة الثالثة كأكثر الأحزاب شعبية، وسوف تجري انتخابات في فرنسا وألمانيا في 2017، وستتعرض الأحزاب الأخرى إلى ضغوط شعبية لتغيير أجندتها فيما يتعلق باستقبال المهاجرين لمنافسة أجندة الأحزاب اليمينية، والأمر ذاته ينطبق على هولندا والسويد واللذين لديهما حركات قومية قوية، كما ستؤدي تلك التفجيرات إلى تقوية الأحزاب البريطانية التي تضغط من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد (ستراتفور).

لذلك من المتوقع أن تسير الدول الأوربية في استراتيجية الحماية الذاتية والتشديد على أمن حدودها وعلى استقبال أقل للاجئين، وعلى محاولة حسم الصراعات بالخارج بزيادة دعم العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق، في ظل توقعات بركود اقتصادي بسبب تلك التفجيرات في كل من أوروبا وتركيا على حد سواء؛ حيث إن المواطن العادي سيتجنب بقدر الإمكان الظهور في التجمعات البشرية في الأسواق وفي محطات الحافلات وغيرها من المفاصل الرخوة التي يمكن أن تكون هدفًا للإرهاب، وهو ما قد يؤدي إلى تباطؤ في الاقتصاد لا سيما في حركة السياحة في كل من أوروبا وتركيا على حد سواء.

وعلى الساحة التركية فإن البلاد تواجه عدوين كلاهما انتحاري في توجهه وفي تكتيكاته، وهما حزب العمال الكردستاني PKK وتنظيم الدولة الإسلامية، كما أن كلاهما يمتلك عناصر من الداخل التركي وليست عناصر مهاجرة كحالة الاتحاد الأوروبي؛ حيث إن منفذا هجومي أنقرة وإسطنبول هما من المواطنين الأتراك، وهما ينتميان إلى PKK وتنظيم الدولة على الترتيب؛ مما يصعب من عملية الرصد والمراقبة والتتبع، حيث إن الرقابة على الحدود وحدها لن تستطيع وقف الخطر الإرهابي في حالة تركيا، مما قد يؤثر على النشاطات الطبيعية في الداخل التركي؛ حيث أجبرت السلطات على تأجيل مباراة الديربي بين جالاطة سراي وفنار باهتشه (جيهان)، وتتوقع السلطات مزيدًا من التفجيرات بالنظر إلى عدد العمليات التي أحبطتها في الفترة الأخيرة ويصل إلى 18 تفجيرًا منذ مطلع العام حتى نهاية فبراير (تركيا بوست).

وتسعى أوروبا إلى تصدير أزمة اللاجئين إلى تركيا، وستعزز تفجيرات بروكسل هذا التوجه، مما قد يسبب مشكلة إضافية لتركيا، في حال احتمال نقض الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي تحت ضغوط اليمين والأحزاب القومية، كما أن فتح التأشيرة للمواطنين الأتراك يتوقع أن تتدفق من خلاله عناصر من الأكراد والذين يمكن أن يندس من بينهم عناصر إرهابية ربما تستخدم أوراقها داخل أوروبا للتأثير على تركيا.

ومن ناحية أخرى فإن كلا من تنظيم الدولة وPKK يسعيان نحو الأهداف الرخوة في تركيا كالتجمعات السياحية والمناطق المزدحمة مثل محطات الباصات لإيقاع أكبر عدد من الضحايا بهدف معاقبة الحكومة التركية على سياساتها وإسقاط الاقتصاد، كما إن تركيا تواجه حربًا من دول كبرى وفي مقدمتها روسيا بسبب إسقاطها لقاذفتها، وقد اعتقلت تركيا ثلاثة روس للاشتباه بصلتهم بـ «داعش» بعد انفجار إسطنبول الأول في يناير الماضي (الحياة)، مما يوسع من دائرة أعداء تركيا والتي تخوض حربًا داخلية وخارجية مع عناصر PKK وروافدها السورية بالإضافة إلى تنظيم الدولة الذي تحول ضد تركيا بعد اشتراكها في التحالف الدولي لضربها.

ومن هنا جاء تشديد تركيا على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان على ضرورة التخلص من بشار الأسد باعتباره “رأس الشرور” وأشار كذلك إلى تواطؤ الغرب في عدم الإطاحة به باعتبار أن من أسباب استمرار الأزمة السورية هو أنها مشروع لمنع نمو تركيا (رئاسة الجمهورية التركية) وكذلك أشار إلى أنه يجب حشد الجهود الشعبية داخل تركيا لمقاومة أهداف PKK التي تهدف إلى تقويض مناخ السلام في تركيا الذي تم بناؤه على مر السنوات الماضية وهدد باستئصالها ودفنها في الحفرة التي حفرتها لتركيا.

وفي خضم التفجيرات الأخيرة في كل من تركيا وبلجيكا، فإن المشهد التركي يزداد تعقيدًا، وربما يفرز التحولات التالية:

1ـ زيادة تأمين حدود الدول الأوروبية مع تصاعد الدعوات لرفض المهاجرين حتى الشرعيين منهم ونقض الاتفاق مع تركيا وعدم قبول شرط منح تأشيرات دخول للأتراك.

2ـ تصاعد الإسلاموفوبيا في أوروبا تزامنا مع صعود اليمين المتطرف والأحزاب القومية عبر أوروبا ومن ثم تشديد أجندة الأحزاب المعتدلة أيضًا لمواكبة ذلك التحول في المزاج الشعبي الذي تؤكده صناديق الانتخابات في الفترة الأخيرة عبر أوروبا.

3ـ زيادة مشاركة أوروبا في الهجمات ضد تنظيم الدولة في سوريا وزيادة التنسيق الأمني مع تركيا مع تكثيف عمليات الاستطلاع فوق الأراضي التركية وهو ما سيزيد بالتالي حنق تنظيم الدولة على تركيا لهذا التعاون ومن ثم زيادة استهدافها باعتبارها العدو الأكبر للتنظيم جغرافيًا.

4ـ استمرار الدعم الغربي والروسي للتنظيمات الكردية باعتبارها ورقة رهان أساسية لكل من الولايات المتحدة وروسيا، لكل من ضرب تنظيم الدولة من جهة، ولمحاصرة النمو التركي من جهة أخرى، وديمومة الأزمة الإقليمية مع زيادة تسليح الأكراد والرهان عليهم كواحدة من أهم القوى المنظمة التي يستخدمها الغرب وروسيا على حد سواء.

5ـ رفع الاستنفار الأمني على الساحة التركية وزيادة عمليات الاستخبارات والتجسس الداخلية من أجل توجيه ضربات استباقية للمنفذين المحتملين للعمليات الإرهابية، وهو ما سينعكس على حالة المجتمع التركي ودخوله في مرحلة جديدة من التضييق الأمني والذي من المؤكد سيؤثر على الحياة العامة للمواطنين الأتراك.

6ـ تأثر الاقتصاد التركي نسبيًا باستمرار تقلص الحركة السياحية وكذلك رفع تكلفة الميزانية الأمنية والإنفاق على وسائل المراقبة والتجسس للأمن الداخلي، في ظل خوض تركيا لحرب شاملة على حدودها الجنوبية الشرقية مع تنظيم PKK والذي يسقط فيه قتلى من الشرطة والجيش بصورة شبه يومية، مما سيؤثر على المزاج العام التركي وربما السياسات الخارجية للحكومة الحالية برمتها.

7ـ احتمالات التوسع في التضييق التركي على المهاجرين السوريين وزيادة الرقابة والتفتيش عليهم ومحاولة المضي قدمًا في تدشين المنطقة الآمنة كأحد أهم الحلول أمام أنقرة للتقليل من الآثار السلبية لاستمرار دخول اللاجئين لتركيا والتكلفة الاقتصادية المتزايدة جراء ذلك.

 

ثانياً: تطورات المشهد الداخلي:

  • تركيا تحذر من احتمال استهداف داعش لمعابد يهودية وكنائس وسفارات (يديعوت)
  • “آفاد” التركية: أجرينا 300 ألف عملية جراحية للاجئين (ترك برس)
  • الحكومة التركية تطلق “الموقع الإلكتروني للأكاديميين المهجّرين” (ترك برس)
  • وزير التعليم التركي: أنفقنا أكثر من 3 مليارات يورو على تعليم الطلاب السوريين (الأناضول)
  • جاويش أوغلو: الكيان الموازي يسرّب معلومات قومية سرية للإرهابيين (تي آر تي)
  • الأركان التركية تعلن مقتل 38 إرهابيًا في 5 ولايات (الأناضول)

 

دلالات تطورات المشهد الداخلي:

تواصل تركيا حربا الداخلية على تنظيم بي كا كا وكذلك محاولة منع تنظيم الدولة من تنفيذ عمليات أخرى داخل الدول التركية، فيما لا تزال يسيطر الصراع بين حكومة العدالة والتنمية وبين “الكيان الموازي” على المشهد الداخلي، في حين تستمر قضية اللاجئين داخليًا لتمثل إحدى أهم أركان المشهد التركي. ففيما يتعلق بتنظيم الدولة تحاول تركيا بقدر الإمكان رفع حالة التأهب الأمني وعمليات التصنت والمراقبة لمنع أية عمليات أخرى يقوم بها التنظيم داخل الدولة التركية، فيما وردت أنباء عن استهداف التنظيم لدور عبادة لغير المسلمين داخل البلاد.

وفيما يتعلق بتنظيم بي كا كا الذي تعتبره تركيا تنظيمًا إرهابيًا فإن قوات الجيش تستمر في دك معاقله في جنوب شرق البلاد وتمكنت من قتل 38 من منتسبيه في خمس ولايات، فيما تستمر عمليات قصف التنظيف في شمال العراق، فيما صرح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن “الكيان الموازي”، بالتعاون مع منظمات “بي كا كا”، وذراعها في سوريا “ب ي د”، و”د هـ ك ب-ج”،  يمارسون أعمالاً تستهدف تركيا في كل مكان، واتهم الكيان الموازي بأنه يقوم بجمع أموال تحت ستار الأعمال الخيرية والدينية والإغاثية، بينما يقوم بتسليمها إلى الكيانات والتنظيمات المعادية للدولة التركية.

وفيما يتعلق بقضية اللاجئين فقد أعلنت رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) أنها قامت بإجراء أكثر من ثلاثمائة ألف عملية جراحية للاجئين القادمين من سوريا بالإضافة إلى تقديم خدمات طبية لأكثر من 12 مليون حالة على مر السنوات الخمس الماضية فيما أضاف أن هذا العمل سيكون له أثر إيجابي في تقوية وتعميق أواصر الأخوة بين الشعبين التركي والسوري الممتدة عبر العصور. وعلى الجانب الآخر دشنت الحكومة التركية موقعًا إليكترونيا لاستيعاب الأكاديميين المهاجرين داخل تركيا، من أجل توظيفهم والاستفادة من خبراتهم وتوفير فرص عمل وعيش كريم لهم، وهو الموقع الإليكتروني (http://cv.yok.gov.tr)، فيما صرح وزير التعليم التركي أن الحكومة أنفقت أكثر من ثلاثة مليارات يورو على تعليم الطلاب السوريين.

يأتي ذلك تماشيًا مع الرؤية الاستراتيجية للدولة التركية التي تهدف إلى استيعاب مواطني دول الجوار تحت المظلة التركية، ما يتماشى مع نظرية العمق الاستراتيجي لأحمد داود أوغلو، التي تبنى عليها استراتيجية حزب العدالة والتنمية، لتقوية نفوذ تركيا في مناطق سيطرة الخلافة العثمانية السابقة، واعتبار أن اللاجئين السوريين هم إضافة للدولة التركية وتستمر الحكومة في تشجيع مواطنيها على استيعابهم وتشجيع استضافتهم والزواج من اللاجئات السوريات، فيما تشير الأرقام إلى أن المهاجرين أدوا إلى تحفيز الاقتصاد التركي وليس العكس، حيث نما الاقتصاد التركي بواقع 4% بعد وصول 2.6 مليون لاجئ سوري، بعد تزايد إنفاقهم داخليًا وكذلك إنفاق الحكومة مما أدى إلى تحفيز الاقتصاد بوجه عام وتنشيط حركة التجارة وحركة البناء والإيجارات وزيادة التنافسية في المجال الوظيفي1.

 

ثالثاً: تطورات المشهد الخارجي:

  • تركيا والأردن توقعان على 10 اتفاقيات مشتركة بينهما (ترك برس)
  • العاهل الأردني يتهم تركيا بإرسال الإرهابيين إلى أوروبا (عربي 21)
  • كورتولموش: الجنود الأتراك موجودين في العراق من أجل تدريب الحشد الوطني (تي آر تي)
  • داود أوغلو: سلاحنا الجوي دمر كافة المواقع التي تسببت باستشهاد جندي تركي شمالي العراق (الأناضول)
  • أردوغان يستنكر حضور دبلوماسيين أجانب محاكمة صحفيين أتراك معارضين في إسطنبول (سكاي نيوز)
  • متحدثة باسم الخارجية الروسية: تدهور العلاقات بين موسكو وأنقرة أمر مؤقت (الأناضول)
  • أردوغان محذرا روسيا: الإرهاب الذي تدعمونه سيوجه أسلحته إليكم يوما ما (ترك برس)
  • سيناتور أمريكي: نحن مستعدون لدعم أي انقلاب يطيح بأردوغان (ترك برس)

 

دلالات تطور المشهد الخارجي:

جاءت زيارة أحمد داود أوغلو إلى الأردن على رأس تطورات المشهد الخارجي للدولة التركية حيث وقع مع وزرائه على عشر اتفاقات في مجالات الاقتصاد والتجارة والنقل، تسهم في تعميق العلاقات التركية مع عمّان، وجاءت تلك الزيارة غداة تسريب من موقع “ميدل إيست آي” البريطاني للملك عبد الله يقول فيها إن تركيا ترسل إرهابيين إلى أوروبا، وكانت تلك التصريحات قبل تفجيرات بروكسل. بالرغم مما أكده رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان على إن بلاده حذرت أوروبا وبلجيكا على وجه الخصوص من إرهابيين رحلتهم من أراضيها واستقبلتهم بروكسل، كان أحدهم هو منفذ التفجيرات الأخيرة، مما يدحض الرواية الأردنية.

وفي السياق نفسه تأتي أهمية تحذيرات أردوغان لروسيا من دعمها للإرهابيين، في إشارة إلى حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري PYD بعدم استضافت موسكو مسئوليه وفتحت لهم مكتب تمثيل لديها، في الوقت الذي صرحت فيه المتحدثة باسم الخارجية الروسية أن التوتر في العلاقات مع تركيا “أمر مؤقت”، وندد أردوغان في الوقت ذاته من حضور دبلوماسيين أجانب محاكمات صحفيين معارضين أتراك في إسطنبول، واعتبره تدخلاً في الشئون التركية، وهو يتماشى مع اتهامات أردوغان للغرب بمحاولة احتواء النمو التركي وأن عدم حسم الصراع السوري موجه بالأساس لضرب النمو التركي وصعود بلاده، فيما أظهرت التصريحات التي أطلقها السيناتور الأمريكي ميشيل روبين أن جهات سياسية أمريكية مستعدة بالاعتراف بأي انقلاب يستطيع الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي هذا السياق تشير صحيفة ستار التركية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تدعم جماعة فتح الله غولن المسؤول عن التنظيم الموازي داخل الدولة في تركيا والذي خطط أكثر من مرة للانقلاب على الحكومة المنتخبة في تركيا. كما تشير الصحيفة إلى أن كل المحاولات الإنقلابية التي خطط لها التنظيم الموازي داخل الدولة والتابع لفتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية قد فشلت. غير أن بعض التسريبات التي ظهرت في مؤتمر دافوس الاقتصادي تشير إلى أن بعض القوى العالمية ستعمل على تقويض الحكومة التركية عبر الملفات الإقتصادية، ولعل اعتقال رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا صرّاف في أمريكيا قبل يومين هو مؤشر عن بداية هذه الخطة2.

 

رابعاً: تطورات العلاقات التركية المصرية:

بعد الإدانات المتبادلة لعمليات التفجير التي وقعت في كل من تركيا ومصر الأسبوع الماضي، في أنقرة وفي العريش على الترتيب، وتعازي الحكومتين للشعبين بالتبادل في تلك التفجيرات، فإن رئيسا أركان كلا الدولتين التقيا في الرياض ضمن التحالف الإسلامي المكون من 34 دولة لمكافحة الإرهاب، لتنسيق الجهود ومناقشة سبل تنفيذ الإستراتيجيات العسكرية والفكرية والمالية والإعلامية لمواجهة “الإرهاب” والتصدي له3.

وبالرغم من مشاركة مصر في ذلك التحالف الذي يعد موجهًا بالأساس ضد إيران وحلفائها مثل روسيا وسوريا وحزب الله، إلا أن القاهرة تكرر من تأكيدها على أن الإطاحة بنظام بشار الأسد لا يتماشى مع الأهداف المصرية، فيما صرح بشار الأسد أن العلاقات السورية المصرية «متينة وقوية»، والاتصالات لم تتوقف طوال السنوات الماضية، والتنسيق الأمني بين البلدين جيد جدًا.”4، وهو ما يبدو متعارضًا مع أهداف التحالف الإسلامي، الذي ترى الدول القائدة فيه أن بشار الأسد هو جزء من المشكلة ويجب عليه أن يتخلى عن السلطة وأنه السبب الرئيسي للإرهاب في المنطقة.

وعلى الجانب الآخر أعربت مصر عن قلقها من الاتفاق التركي الأوروبي بشأن اللاجئين وقالت أنه يتعارض مع المواثيق الدولية5، وقالت أن استغلال معاناة اللاجئين جاء لتحقيق مكاسب سياسية، وأن إعادة تركيا لاجئين سوريين إلى بلادهم يخالف اتفاقية 1951، فيما يبدو مناكفة للنظام التركي، ومحاولة سحب الغطاء القيمي الذي يتمتع به بين دول المنطقة لحمله العبء الأكبر للاجئين في المنطقة، فيما قامت بعض الدول بطرد اللاجئين ومعاملتهم معاملة مهينة كما حدث من النظام المصري باتهام اللاجئين بالمشاركة في المظاهرات الموالية للإخوان المسلمين، تزامنًا مع بدء القاهرة لحملة ضد المعارضة السورية لنظام بشار الأسد؛ حيث انتقد آنذاك الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة ما وصفتها بحملات التحريض التي شنتها قنوات مصرية ضد اللاجئين السوريين، داعيا السلطات الانتقالية المصرية إلى ضمان أمن وسلامة المواطنين السوريين المتواجدين على الأراضي المصرية6 ، ويأتي هذا في ظل الصراع المصري التركي على أهم ملفات المنطقة، وعلى رأسها القضيتين السورية والفلسطينية، والذي تحمل القاهرة رؤية معاكسة لتلك الخاصة بأنقرة.

كما استقبلت القاهرة وفدًا من نواب حزب الشعب الجمهوري التركي (أكبر أحزاب المعارضة)، السبت 26 مارس برئاسة نائب رئيس الحزب “أوزتورك يلماز”، لإجراء عدد من اللقاءات، ووصل الوفد، الذي جرى اختياره بتعليمات من رئيس الحزب، كمال قليجدار أوغلو، إلى العاصمة القاهرة، حيث من المنتظر أن يجري فيها لقاءات مختلفة، ويضم الوفد المذكور إلى جانب يلماز، كل من النائب في الحزب عن ولاية إسطنبول، أوغوز كان ساليجي، والنائب عن ولاية باليكسير، أحمد أكين، وهما عضوان في لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان التركي. وكان حزب الشعب الجمهوري، قد أرسل وفدًا إلى مصر عام 2013، برئاسة نائب زعيمه آنذاك، “فاروق لوغ أوغلو”7.

وتأتي تلك الخطوة من القاهرة للرد على نظام العدالة والتنمية الذي يستمر في استضافة معارضي النظام المصري، وذلك للتنسيق مع المعارضة التركية في مختلف الملفات الإقليمية حيث تتقارب رؤية الطرفين فيما يتعلق برفض التدخلات التركية في الإقليم وكذلك العلاقات مع إسرائيل، وذلك للتنسيق فيما بين الجانبين للضغط على حزب العدالة والتنمية.

—————————————

الهامش

(1) أنَقذوها من التضخم: اللاجئون السوريون أثَّروا إيجابياً في الاقتصاد التركي، هافبوست، 19 فبراير 2016، الرابط
(2) سيناتور أمريكي: نحن مستعدون لدعم أي انقلاب يطيح بأردوغان، ترك برس، 25 مارس 2016، الرابط
(3) اجتماع لرؤساء أركان التحالف الإسلامي بالرياض، الجزيرة.نت، 27 مارس 2016، الرابط
(4) “الأسد”: دول خليجية تتصل بنا سرًا. والتنسيق مع مصر “جيد جدًا”، البوابة نيوز، 26 مارس 2016، الرابط
(5) مصر تعرب عن قلقها من الاتفاق التركي الأوروبي: يتعارض مع المواثيق الدولية، الشروق، 27 مارس 2016، الرابط
(6)المعارضة السورية تنتقد “التحريض” الإعلامي ضد السوريين في مصر، الحرة، 15 يوليو 2013، الرابط
(7) وفد من حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض يزور القاهرة، جريدة الوطن المصرية، 26 مارس 2016، الرابط
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close