fbpx
مختارات

الجزائر: لماذا يريدون حمس في الحكومة؟

 

د. عبد الرزاق مقري، منشورات موقع حمس نت، الرابط، بتاريخ 15 مايو 2017

أحدث تأكيد الوزير الأول السيد عبد المالك سلال عرضه دخول الحكومة على حركة مجتمع السلم اهتماما واسعا جدا داخل الجزائر وخارجها. لا شك أن هذا الاهتمام الكبير يدل على أهمية هذه الحركة وقوتها وحضورها وفاعليتها في الجزائر، وأنها استطاعت أن تخرج خلال كفاح الأربع سنوات الأخيرة من محاولة إفنائها أو إضعافها أو جعلها مجرد “ديكور”في الخارطة السياسية أو “ملحق” وظيفي للنظام السياسي. لم يكن عرض الدخول في الحكومة في هذه الانتخابات هو وحده الذي أظهر أهمية الحركة، سبق ذلك فاعلية كبيرة في الحملة الانتخابية وقدرة على الحشد في الولايات كمنافس قوي وحيد لحزبي السلطة المدعومين إداريا وماليا وإعلاميا، وعمل نوعي مَثَّلَهُ برنامج عالي المستوى شهد به الخبراء الجزائريون الحياديون، وتفوق لا جدال فيه في الوسائط الاجتماعية.

ثم نتيجة انتخابية غير متوقعة عند من أقبروا الحركة في خيالهم وأمانيهم كقوة سياسية أولى من الناحية الفعلية، وقوة سياسية ثالثة رغم التزوير، وقوة سياسية معارضة أولى في كل الأحوال. يضاف إلى هذه المعطيات الزخم الشبابي الذي ظهر في هذه الانتخابات، والحضور الشعبي في التجمعات خلافا لتجمعات الحركة التي كان أغلب من يؤمها المناضلون في السابق، والتطوير الكبير الذي أحدثته الحركة في خطابها إذ خرجت به من الخطاب التقليدي إلى خطاب وطني علمي اقتصادي يهتم بهموم الناس واحتياجاتهم في مختلف المجالات وتحريك اشواقهم نحو حلم مشروع بوطن صاعد هانئ آمن نام ينتفعون به ويعتزون به بين الأمم. لقد بين هذا التطور الذي برز بمناسبة الانتخابات (كنتيجة لعمل تخطيطي ارتكز على التجديد والتطوير وترقية وتوزيع الوظائف) بأن حركة مجتمع السلم أصبحت البديل الوطني الجاهز والجاد بدون منازع للأحزاب التقليدية وأنها تستطيع أن تصل إلى مبتغاها لتحقيق الأغلبية البرلمانية في أجل غير بعيد …. ومن هنا يأتي الجواب عن السؤال الكبير : لماذا يريدوننا في الحكومة؟

لا بد أن أشكر من عرض علينا المشاركة في الحكومة احتراما وتقديرا لنا، وحتى من أراد أن يجعلنا في الحكومة لأسباب تكتيكية لتزيين الواجهة نشكرهم، نشكر هؤلاء كذلك لأنهم على الأقل رأوا فينا الجمال الذين يصلح للتزيين ولو بحرماننا من التأثير. إن الذين نقصدهم في هذا المقال هم أولئك الذين يصنعون الاستراتيجيات المستقبلية للجزائر دون أن يراهم الناس، أولئك الذين يريدوننا بإلحاح في الحكومة، ولو بأساليب ليست سياسية ولا شريفة . ليس الهدف عند هؤلاء وطنيا يتعلق بمصلحة الجزائر، إنما المقصود هو السيطرة على المستقبل كما سيطروا على الماضي، وكما يسيطرون على الحاضر، لأغراض سلطوية نفعية مصلحية …. وكذلك أيديولوجية

يعلم هؤلاء بأن الجزائر ستدخل أزمة اقتصادية كبيرة تؤدي إلى توترات اجتماعية شديدة وخيبات أمل موسعة وفق ما سأفصله بالأرقام ووفق السيناريوهات المحتملة التي سأعرضها في مقال قادم. يعلم الدارسون للمستقبليات بأن أول من سيدفع الثمن سياسيا عند اشتداد الأزمة هي الأحزاب التقليدية التي تمثل واجهة الحكم. والذي يهم هؤلاء ليس كيف تتجنب الجزائر الأزمة، ولكن كيف ستكون الجزائر ومن سيحكم الجزائر؟ إن هؤلاء الاستراتيجيين “المتخفين” يعتمدون على دراسات اجتماعية ونفسية وجيوسياسية حين يخططون ويقررون، خلافا لكثير ممن يحاول تصدر المشهد بتفاهاته الفكرية، وميزاجيته العاطفية، وأنانياته المسيطرة، بالاعتماد على الغش حتى حينما يتحدث عن المنظومة الفكرية التي يقول أنه يمثلها .

إن أمام الاستراتيجيين “المتخفين” في الجزائر والخارج تجارب بشرية مرعبة لهم ومهددة لمصالحهم: لقد رأوا كيف تنهار الأحزاب التقليدية في العديد من الدول حين تشتد الأزمة فتصعد أحزاب وشخصيات متمردة على القوى المهيمنة وعلى سندها الأوربي والدولي، لقد رأوا ذلك في اليونان و في البرازيل وفينيزويلا وفي العديد من دول أمريكا الجنوبية، ورأوا ذلك في العالم الإسلامي مع حزب العدالة والتنمية التركي الذي صعد على إثر أزمة اقتصادية سنة 1999 أفلست فيها الخزينة وعجزت الدولة على تسديد أجور العمال.

لا يهم النظام الدولي الاستعماري المتواطئ مع القوى الوطنية غير الديموقراطية أن يكون البديل للأحزاب التقليدية أحزابا وشخصيات وطنية ناجحة تحقق النجاح لأوطانها، لا يهمها إلا السيطرة ولو بتقسيم البلدان. ومن أجل السيطرة تفضل القوى المهيمنة وطنيا ودوليا أن يكون البديل فاشلا أو متطرفا، إن لم تسعفها الظروف والوقت المتاح لصناعة بديلها بنفسها كما فعلت في فرنسا في الانتخابات الرئاسية السابقة (راجع المقال الخاص بالانتخابات الرئاسية) .

تفضل تلك القوى في حالة عدم قدرتها على صناعة البديل أن يكون البديل “وحشا” تخيف به الراغبين في التغيير ليعودوا إلى الاستسلام للعهد القديم ولو بعد حروب مدمرة وفتن عمياء ودماء تسيل كالوديان وأوطان تقسم إربا إربا، والنماذج هنا كثيرة كذلك، منها تجارب الربيع العربي على إثر الأزمات المزمنة في هذه البلدان، وتجربة التسعينيات في الجزائر على إثر الأزمة الاقتصادية المزدوجة في النصف الثاني من الثمانينيات وثلثي سنوات التسعينيات، وتجربة صعود النازية في ألمانيا في بداية الثمانينيات.

إن الذي يعرفه “أذكياء” الجزائر في الحكم،  الذين لم يسخروا ذكاءهم لتحقيق التنمية في بلدهم وبناء وطن مزدهر ومتطور يعلمون – هم ومن ينصحهم – بأن الأزمة المقبلة ستعصف بالأحزاب التقليدية ولا يجب أن تكون حركة مجتمع السلم هي البديل، لا لأنها “حركة إسلامية” كما يقولون، فكم من إسلامي غافل أو فاسد في هذا العالم خاضع ومطبق لسياسات الاستعمار والفساد، ولكن لا يجب أن تكون حركة مجتمع السلم هي البديل، لا لشيء إلا لأنها حركة وطنية قابلة للنجاح وتحقيق التطور والازدهار تحمل رؤية غير خاضعة للمنظومة الاستعمارية في الخارج ومنظومة الفساد في الداخل، يتقاسم معها الرأي في هذه الرؤية كثير من الوطنيين الأحرار الموجودين في كل مكان في مؤسسات الدولة وفي المجتمع.

إذن لا يجب ترك حماس الجزائر تكبر في المجتمع، بله أن تقوده ، أثناء تخبط أحزاب الموالاة في الأزمة، يجب أن تركب القطار ولو لم تدر أين يذهب، فإن تأكد المتوقع وسقطت أحزاب الموالاة يجب أن تسقط هي الأخرى معهم. أما البديل فإما أن يصنع صناعة ثم يسوق للجزائريين كقوة قائدة جديدة وهي ليست كذلك، أو أن يبقى المجتمع بلا قيادة ولا وسائط تؤطره، فيدخل في فتنة تعيدنا للمربع الأول مع التخلي عن مطلب التغيير والتطوير أو إلى التفكك والتقسيم وفق مخططات معدة مسبقا.

لهذه الأسباب لا تريد حركة مجتمع السلم أن تركب قطارا يتجه نحو المجهول، هي ليست ضد العمل في الحكومة لو كانت الفرصة حقيقية لإحداث التغيير بواسطتها، هي لا تريد أن تركب هذا القطار الذي أخطأ الوجهة في السنوات الماضية وهو للوجهة المستقبلية أكثر خطأ. تريد حركة مجتمع السلم أن تركب قطارها الموصل إلى عمق المجتمع للعمل مع الخيرين فيه للاستعداد للأزمة، لتكون تلك الأزمة سببا لإصلاح الوضع لا لتعفينه …. ولتكون في المستقبل في حكومة كاملة الشرعية مسنودة حقا من الشعب ولا يكون هدفها سوى خدمة الشعب، والعاقل من يرى التجارب في التاريخ ومن حوله فيصنع منها تجربة خاصة تحقق النجاح كما حققه الكثير من العقلاء في العالم …. فهل من مبصر !؟ (1).

———————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close