fbpx
تقديرات

التكلفة الاقتصادية للانقلاب العسكري في مصر

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد

يصعب الحصر الدقيق للخسائر الاقتصادية التى تسبب فيها الانقلاب العسكرى بمصر فى الثالث من يوليو 2013، حيث تندر الدراسات في حساب تكلفة الفرصة البديلة التى أضاعها الانقلاب على البلاد، نتيجة تراجع معدلات السياحة والاستثمار الأجنبى والمحلى والتصدير، وحجم الأموال التى خرجت من البلاد، والشركات التى تم التحفظ عليها، وأرواح الشهداء، والإصابات الجسدية والنفسية التى لحقت بالآلاف، وخسائر حرمان المجتمع من جهد أكثر من 60 ألف معتقل، وكذلك حرمانه من جهد آلاف المطاردين، والفرص الضائعة لمن تم منعهم من السفر، إلى جانب تكلفة وسائل قمع المظاهرات، وأرواح الجنود البسطاء، والمكافآت التى حصل عليها رجال الشرطة والجيش والقضاء والإعلام.

كذلك تكلفة الانتخابات الصورية التى قام بها الانقلاب، وتعطيل الأعمال خلال أيام الانتخابات، ونفقات علاج المصابين فى التظاهرات، ونفقات العلاج النفسى لمن شاهدوا المجازر الوحشية التى تم ارتكابها فى العديد من المناطق، والنفقات التى تحملتها أسر المعتقلين لتدبير لوازم الزيارات والمحامين .

وفي هذا الإطار يتناول هذا التقرير بعض أنماط التكلفة التى وردت عنها بيانات رسمية حكومية، مثل زيادة الدين العام المحلى والدين الخارجى، وانخفاض الموارد من العملات الأجنبية، وتراجع الأرصدة من العملات الأجنبية، والعجز بالموازنة، وانخفاض قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية، وارتفاع نسبة التضخم وغيرها من المؤشرات الاقتصادية.

أولاً: ازدياد الدين العام الداخلى:

استولى الانقلاب على البلاد ورصيد الدين العام المحلى 1527 مليار جنيه بنهاية يونيو 2013، وبلغت أرصدة ذلك الدين بنهاية سبتمبر 2015 نحو 2259 مليار جنيه، بزيادة 732 مليار جنيه خلال 27 شهرا بنمو 48 %، وبمتوسط شهرى لزيادة الدين العام المحلى 1ر27 مليار جنيه.

وهو المتوسط الشهرى الذى اتجه للزيادة خلال عام 2015، بعد تراجع المنح الخليجية للموازنة، حيث بلغ المتوسط الشهرى للدين العام المحلى 6ر30  مليار جنيه خلال الربع الأول من العام، ليزيد المتوسط الشهرى إلى 3ر33 مليار جنيه خلال الربع الثانى من العام، ثم يقفز المتوسط الشهرى إلى 7ر46 مليار جنيه خلال الربع الثالث من عام 2015.

وفى ضوء تكلفة الدين العام بالموازنة العامة والبالغة خلال العام المالى 2015/2016 نحو 502 مليار جنيه، بالإضافة إلى العجز الكلى المتوقع بالموازنة والبالغ 251 مليار جنيه، سيستمر الدين العام المحلى فى الصعود، وهو ما سوف تتحمل تكلفته الأجيال القادمة، على حساب أوجه الإنفاق بالموازنة، خاصة الاستثمارات الحكومية وأجور الموظفين والدعم وشراء السلع والخدمات اللازمة لادارة دولاب العمل الحكومى، حيث استحوزت تكلفة الدين العام الداخلى على نسبة 40 % من الإنفاق العام بموازنة 2015/2016.

ثانياً: ارتفاع الدين الخارجى:

بلغ الدين الخارجى بنهاية سبتمبر 2015 نحو 1ر46 مليار دولار، بزيادة 9ر2 مليار دولار عن رصيد الدين الخارجى عند استيلاء الجيش على الحكم فى 3 يوليو 2013، وخلال الشهور التالية لسبتمبر 2015، تصاعدت موجة الاقتراض الخارجى، حيث تم الاتفاق مع البنك الدولى على اقتراض 3 مليار دولار خلال ثلاث سنوات تم اعتماد 1 مليار دولار منها.

وكذلك الاتفاق مع بنك التنمية الافريقى على اقتراض 5ر1 مليار دولار، تم وصول نصف مليار دولار منها، وكذلك الإتفاق مع بنك الاستيراد والتصدير الأفريقى على اقتراض 1 مليار دولار، تبدأ بنحو نصف مليار دولار، والإتفاق مع عدد من صناديق التمويل العربية لاقتراض 5ر1 مليار دولار سنويا لمدة ثلاث سنوات، والاتفاق مع الصين على اقتراض 7ر1 مليار دولار، والاتفاق مع السعودية لتوريد مشتقات بترولية لمدة ثلاة أشهر قيمتها 1 مليار دولار كقرض.

واقتراض 150 مليون دولار من الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى، وذلك بخلاف قروض من جهات تمويل أوربية أبرزها البنك الأوربى لإعادة الإعمار والتنمية  ، كما دعا البنك المركزى المصرى البنوك المحلية للاقتراض الخارجى لتدبير العملات الأجنبية، وهو ما قام به بالفعل عدد من البنوك منها: البنك الأهلى المصرى ومصر وعوده مصر والكويت الوطنى وقطر الوطنى.

وهكذا اتجه النظام المصرى إلى زيادة القروض الخارجية، فى محاولة منه لتعويض نقص العملات الأجنبية، نتيجة نقص موارد: السياحة والاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر، والتصدير السلعى والبترولى والمعونات الأجنبية ودخل قناة السويس. كما جاء التوسع فى الاقتراض نتيجة انخفاض المعونات الخليجية التى استمر تدفقها بكثافة حتى نهاية 2014، ثم تراجعت قيمتها حتى بلغت المعونات من كل المصادر الخارجية نحو 6 مليون دولار فقط خلال الربع الأول من 2015، و58 مليون دولار خلال الربع الثانى من العام، و22 مليون دولار خلال الربع الثالث من عام 2015.

ثالثاً: مزاحمة الحكومة للشركات على أموال البنوك:

زاد اعتماد حكومات الانقلاب على التمويل المصرفى لتمويل عجز الموازنة، حتى بلغت نسبته 7ر95 % من اجمالى قيمة العجز، بموازنة العام المالى 2014 / 2015، مقابل نسبة 41 % لنصيب التمويل المصرفى من تمويل عجز الموازنة فى آخر موازنة بعهد مبارك، ومن هنا توجهت الحكومة للمزيد من الاقتراض من البنوك والبنك المركزى، إلى جانب قيام البنوك بشراء أدوات الدين الحكومى المتمثلة فى سندات وأذون الخزانة.

وكانت النتيجة استحواذ المطلوبات من الحكومة على النصيب الأكبر من الائتمان المحلى بالبنوك، حتى بلغت النسبة لنصيب الحكومة منه 2ر66% فى سبتمبر 2015، بخلاف نسبة 6ر3 % لقطاع الأعمال العام، مما أدى لتراجع نصيب القطاع الخاص من الائتمان المحلى.وهكذا زادت قيمة صافى المطلوبات من الحكومة بالبنوك بنحو 6ر582 مليار جنيه خلال 27 شهرا.

ونفس الأمر حين زاد النصيب النسبى لصافى المطلوبات من الحكومة، ضمن الأصول المقابلة لنقود الاحتياطى بالبنك المركزى، بنحو 297 مليار جنيه خلال 27 شهرا من الانقلاب العسكرى، لتصل إلى 597 مليار جنيه بنهاية سبتمبر 2015 مقابل 300 مليار جنيه بنهاية يونيو 2013 بنمو 99 %.

وزاد صافى أرصدة سندات الخزانة المصدرة إلى 4ر630 مليار جنيه بنهاية سبتمبر 2015، مقابل 8ر425 مليار جنيه بنهاية يونيو 2013، بزيادة 9ر314 مليار جنيه بنمو 100 % خلال 27 شهرا، وهو نمو لم يتوقف فى ضوء استمرار اصدار سندات الخزانة بآجالها المتنوعة.

كما ارتفع صافى أرصدة أذون الخزانة المصدرة إلى 5ر554 مليار جنيه فى سبتمبر 2015، مقابل 8ر425 مليار جنيه بنهاية يونيو 2013، بزيادة 6ر128 مليار جنيه، بنمو 30 % خلال 27 شهرا، وهو النمو الذى لم يتوقف فى ضوء استمرار اصدار أذون الخزانة بآجالها المختلفة، ما بين حوالى ثلاثة أشهر إلى حوالى العام، وعملات اصدارها  المتنوعة ما بين الجنيه المصرى والدولار الأمريكى واليورو الأوربى.

ولم تكتف حكومات الإنقلاب بالاقتراض المحلى والخارجى، حيث اتجهت أيضا إلى المزيد من الإصدار النقدى، لترتفع أرصدة النقد المصدر إلى 7ر331 مليار جنيه بنهاية سبتمبر 2015، مقابل 1ر364 مليار جنيه بنهاية يونيو 2013، بزيادة 6ر67 مليار جنيه خلال 27 شهرا، بنمو 26%.

رابعاً: زيادة العجز بالموازنة رغم المنح:

رغم حصول الموازنة العامة على 9ر95 مليار جنيه كمنح خلال العام المالى الأول للانقلاب، وزيادة النسبة التى تحصل عليها وزارة المالية من ايرادات الصناديق الخاصة إلى 35 % من الايرادات، مقابل نسبة 20 % قبل ذلك، فقد بلغ العجز الكلى بالموازنة 4ر255 مليار جنيه، مقابل 7ر239 مليار جنيه للعجز بالموازنة خلال العام المالى، الذى حكم خلاله الرئيس محمد مرسى، والذى لم يحصل خلاله  على منح سوى بنحو 2ر5 مليار جنيه فقط.

وفى العام المالى الثانى للانقلاب 2014/2015، ورغم الحصول على منح بلغت 4ر25 مليار جنيه، فقد زاد العجز الكلى بالموازنة إلى 4ر279 مليار جنيه، بنسبة 5ر11 % من الناتج المحلى الاجمالى، رغم الوعود المتكررة من وزارة المالية بخفض النسبة إلى 10 %، ورغم انخفاض أسعار البترول عالميا مما قلل من فاتورة دعم الطاقة.

وفى الربع الأول من العام المالى 2015/2016، والذى يمثل العام الثالث للانقلاب، فقد بلغ العجز الكلى 3ر78 مليار جنيه، أى انه اذا استمر نفس المعدل للعجز خلال باقى العام المالى، فيمكن أن يصل العجز الكلى إلى 313 مليار جنيه، رغم أن تقديرات الموازنة كانت تتحدث عن عجز يبلغ 251 مليار جنيه فقط.

ولا يتوقع أن يتحقق رقم العجز الذى قدرته وزارة المالية فى بداية العام المالى، رغم استمرار انخفاض أسعار النفط والغذاء عالميا، ورغم استمرار خفض دعم الكهرباء، بسبب تأخر تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتدهور القطاع السياحى بما يقلل من الايرادات الضريبية من شركاته، ونفس الأمر لقطاع التشييد المصاب بالركود.

والتعديلات التى ستتم على قانون الخدمة المدنية، بما يقلل من الخفض الذى كانت تنوى وزارة المالية اجراءه فى أجور العاملين بالحكومة، وانخفاض أرباح وضرائب قناة السويس فى ضوء تراجع ايراداتها، وتوجيه بعض الاستثمارات الحكومية للمشروعات المفروضة عليها من قبل قائد الانقلاب. مثل العاصمة الجديدة ومشروع استصلاح 5ر1 مليون فدان، والتى قال الخبراء أنها تتم بدون دراسات جدوى مثلما حدث مع تفريعة قناة السويس، وكذلك توقع انخفاض أرباح البنك المركزى فى ضوء اضطراره لتوجيه جانب من احتياطاته، لتمويل المشروعات الصغيرة بعائد منحفض.

خامساً: الاعتماد على القروض والمعونات:

حظى نظام الانقلاب بدفعات سخية من المعونات الخليجية منذ الربع الأول لمجيئه، والتى بلغت خلاله 3ر4 مليار دولار لتعويض نقص ايرادات السياحة والاستثمار الأجنبى، واستمرت المعونات بالربع الثانى بنحو 9ر1 مليار دولار، لتزيد بالربع الثالث إلى 8ر3 مليار دولار، وتستمر بنحو 9ر1 مليار دولار بالربع الرابع، ليسفر العام المالى 2013/2014. وهو العام المالى الأول للانقلاب، عن تلقى معونات بلغت 9ر11 مليار دولار، غالبيتها من الدول الخليجة الثلاثة الإمارات والسعودية والكويت، وتراوحت ما بين المعونات النقدية، والعينية على شكل شحنات من البترول والخام والمنتجات البترولية.

وفى الربع الأول من العام المالى الثانى وهو 2014/2015 بلغت المعونات 5ر1 مليار دولار، ثم انخفضت بالربع الثانى من العام المالى إلى 1ر1 مليار دولار، ثم جفت المعونات بعد عام ونصف من التدفق، لتصل بالربع الثالث من العام المالى الثانى 4ر6 مليون دولار فقط، وبالربع الرابع من العام  58 مليون دولار فقط، كما استمر نفس الأمر خلال بدايات العام المالى الثالث، ليسفر الربع الأول منه عن معونات من كل الدول بلغت 22 مليون دولار فقط.

ومن هنا فقد تغير حال ميزان المدفوعات الذى ظل يحق فائضا مع التدفق الغزيز للمعونات الخليجية، الأمر الذى انعكس على الاحتياطى من العملات الأجنبية، والذى بدأ فى التآكل بعد جفاف المعونات مباشرة، مما دفع سلطات الانقلاب للتحول إلى الاقتراض.

وكانت دفعة الست مليارات من الدولارات، التى أسفر عنها مؤتمر الاستثمار الذى عقد بشرم الشيخ فى مارس 2015، بواقع 2 مليار دولار من كل من الإمارات والسعودية والكويت،  والتى وصلت البنك المركزى المصرى فى أواخر ابريل من نفس العام، كما بدأ تحريك سعر صرف الجنيه المصرى بخفضه أمام الدولار، وتشديد اجراءات الاستيراد لتقليل الواردات.

ومع استمرار انخفاض موارد النقد الأجنبى، استمر الاحتياطى من العملات الأجنبية فى التراجع  فتم اصدار سندات دولارية بنحو 5ر1 مليار دولار، مع استمرار خفض قيمة الجنيه أمام  الدولار، لكن الاحتياطى من العملات الأجنبية استمر فى الانخفاض، مما اضطر البنك المركزى  إلى استمرار خفض قيمة الجنيه أمام الدولار.

وكذلك التوسع بالاقتراض، فكان التشاور مع العديد من الجهات الدولية كالبنك الدولى وبنك التنمية الأفريقى والصناديق العربية وغيرها للاقتراض الخارجى، مع زيادة تشديد اجراءات الواردات لخفض الطلب على النقد الأجنبى الموجه للاستيراد.

وهكذا توسعت حكومات الانقلاب فى استخدام القروض والودائع الأجنبية، حتى بلغت 5ر20 مليار دولار خلال العام المالى 2014/2015، وبما يمثل نسبة 21 % من اجمالى موارد النقد الأجنبى بالعام المالى، حتى أن القروض كانت أعلى من قيمة أى مورد آخر للعملات الأجنبية، أى أعلى من تحويلات المصريين بالخارج، ومن الصادرات السلعية  والصادرات البترولية، ومن الاستثمار الأجنبى بنوعيه المباشر وغير المباشر  وباقى الموارد.

وهكذا حصلت حكومات الانقلاب خلال 27 شهرا، وحتى سبتمبر 2015 على 1ر27 مليار دولار من القروض والودائع الأجنبية وتسهيلات المشترين، إلى جانب 6ر14مليار دولار معونات أجنبية معظمها خليجية، ورغم ذلك بلغـت أرصدة الاحتياطى من العملات الأجنبية فى نهاية سبتمبر 2015 نحو 3ر16 مليار دولار،  وهو الرقم الذى لم يتغير كثيرا حتى نهاية العام حيث بلغ 4ر16 مليار دولار.

وهو ما يشير إلى زيادة 399ر1 مليار دولار فقط، خلال 27 شهرا فى أرصدة احتياطيات النقد الأجنبى،  التى كانت قد بلغت 936ر14  مليار دولار عقب استيلاء الجيش على الحكم، رغم المعونات والقروض البالغ مجملها 7ر41 مليار دولار خلال 27 شهرا.

سادساً: عجز مستمر بميزان المعاملات الجارية:

يمثل ميزان المعاملات الجارية الفرق بين موارد الصادرات السلعية والخدمية والتحويلات، وبين مدفوعات الواردات السلعية والخدمية والتحويلات، ولقد حقق ذلك الميزان عجزا بلغ 9ر18 مليار دولار خلال الشهور السبع والعشرين، الممتدة من يوليو 2013 وحتى سبتمبر 2015، نتيجة بلوغ عجز الميزان التجارى خلال تلك الفترة 8ر82 مليار دولار، وهو ما استوعب الفائض بالميزان الخدمى البالغ 4ر7 مليار دولار، والفائض بميزان التحويلات بنوعيها الرسمية والخاصة البالغ 6ر56 مليار دولار، وبقى قدر كبير من العجز به.

ولم يفلح الفائض المتحقق فى ميزان المعاملات الرأسمالية،  فى انقاذ الميزان الكلى للمدفوعات، رغم التوسع فى الاقتراض، بسبب ضعف الاستثمارات بنوعيها المباشرة وغير المباشرة، ليسفر الميزان الكلى للمدفوعات عن فائض ضئيل خلال السبع والعشرين شهرا، بلغ 5ر1 مليار دولار فقط.

رغم الحصول على قروض وودائع وتسهيلات ومعونات رسمية بنحو 7ر41 مليار دولار، وهو ما يوضح من ناحية أخرى كم كان سيبلغ العجز بالميزان الكلى للمدفوعات المصرى، فى حالة عدم ورود تلك المعونات والقروض، أى أن العجز  كان سيبلغ أكثر من 40 مليار دولار خلال 27 شهرا .

وتعود أسباب المأزق الحقيقى لميزان المدفوعات إلى تراجع ايرادات ومتحصلات كثير من الموارد، ولعل المقارنة بين أداء العام المالى الأخير 2014/2015 بالسنوات السابقة يبين ذلك التراجع، ومنها الصادرات السلعية التى بلغت حصيلتها 22 مليار دولار بالعام المالى 2014/2015، رغم أنها كانت قد بلغت 4ر29 مليار دولار قبل سبع سنوات من ذلك العام المالى.

كما بلغت حصيلة السياحة 4ر7 مليار دولار، مقابل 8 مليار دولار قبل ثمانى سنوات، وبلغ صافى الاستثمار الأجنبى المباشر 4ر6 مليار دولار، مقابل 11 مليار دولار قبل 8 سنوات، وبلغت ايرادات دخل الاستثمار 213 مليون دولار، مقابل 3 مليار دولار قبل ثمانى سنوات، وتحولت استثمارات الحافظة للأجانب فى مصر  إلى صافى تدفق سالب متجه للخارج بنحو 639 مليون دولار خلال العام المالى 2014/2015.

وعلى الأجنب الآخر وفيما يخص المدفوعات فقد استمرت الواردات بنوعيها السلعى والبترولى فى الارتفاع خلال السنوات الأخيرة، كما زاد دخل الاستثمار المدفوع بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الأخيرة، أيضا زادت معدلات الاستثمار الأجنبى المباشر الخارج من البلاد، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير.

ولقد بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى خرجت من مصر خلال 27 شهرا من الانقلاب 9ر14مليار دولار أى بمتوسط شهرى حوالى 550 مليون دولار،  كما ارتفعت مدفوعات سياحة المصريين خارج البلاد، وكذلك ارتفعت قيمة المسدد من القروض حتى بلغت 3ر8 مليار دولار بالعام المالى الأخير 2014/2015.

سابعاً: انخفاض قيمة الجنيه المصرى:

أدى تراجع موارد النقد الأجنبى وانخفاض الفائض فى ميزان الخدمات، وزيادة العجز بالميزان التجارى السلعى إلى استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، فى فترة تولى المجلس العسكرى أمور البلاد، والتى استمرت نحو 17 شهرا من فبراير 2011 إلى يونيو 2012، لتنخفض أرصدتها من 35 مليار دولار فى يناير 2011، إلى 5ر15 مليار دولار عند تولى الرئيس محمد مرسى، بنقص 9ر19 مليار دولار خلال أقل من عام ونصف.

ومع استمرار نقص موارد العملات الأجنبية خلال الفترة التالية لحكم المجلس العسكرى، تم استنزاف الأصول الأجنبية داخل الجهاز المصرفى، والذى يضم كلا من البنوك والبنك المركزى، وهكذا انخفض صافى تلك الأصول من العملات الأجنبية من 6ر17 مليار دولار بنهاية فترة الرئيس محمد مرسى.

إلى 3ر1 مليار دولار فقط بنهاية سبتمبر 2015، بنقص 3ر16 مليار دولار، بنسبة تراجع 92 % خلال سبع وعشرين شهرا  من حكم الانقلاب، بل أن صافى الأصول الأجنبية لدى البنك المركزى، تحول إلى الجانب السلبى بداية من شهر سبتمبر 2015.

وكان من الطبيعى أن تنعكس تلك الأمور على سعر صرف الجنيه المصرى تجاه العملات الأجنبية حيث استولى الجيش على السلطة فى يوليو 2013، وسعر الصرف للدولار الرسمى 99ر6 جنيه، وفى نهاية عام 2015 بلغ سعر الصرف الرسمى 73ر7 جنيه للدولار، لكنه سعر يتم إضافة نسبة مئوية عليه من قبل البنوك كعلاوة تدبير عملة، كما أنه مخصص لتمويل بعض السلع فقط، مثل قطع الغيار والأدوية والمواد الخام وبعض المواد الغذائية.

ومن هنا نشطت السوق السوداء خاصة بعد تراجع المعونات الخليجية بنهاية عام 2014، وتحرك السعر بها أكثر من السعر الرسمى بفارق حوالى عشرة قروش، وبمرور الوقت واستمرار نقص العملات  زاد الهامش بين السعرين الرسمى وغير الرسمى، حتى بلغ الثمانين قرشا بنهاية عام 2015، حيث أصبح ما يشغل رجال الأعمال هو توافر الدولار أكثر من سعره.

ولم تفلح الإجراءات المختلفة التى قام بها البنك المركزى لتوفير الدولار، ومنها وضع سقف للايداع اليومى الدولارى بنحو عشرة آلاف دولار، وسقف شهرى للإيداع الدولارى خمسين ألف دولار، ورغم تغيير محافظ البنك المركزى وقيام المحافظ الجديد بعدة اجراءات.

منها رفع الفائدة على شهادات الإيداع بالجنيه المصرى، لدفع حملة الدولار لتحويله إلى جنيه، ورفع نسبة تدبير المستوردين لقيمة الصفقات الإستيرادية إلى مائة بالمائة، وعدم اعتراف الجمارك بالفواتير التى يحضرها المستورد والخاصة بقيمة البضائع المستوردة، واشتراط تقديم الشركة الموردة الفواتير إلى البنوك مباشرة، واعداد وزارة التجارة الخارجية سجل للشركات التى يمكن الاستيراد منها، وعمل ربط بين الجمارك ووزارة التجارة الخارجية والبنك المركزى لمراقبة عمليات الاستيراد.

إلا أن كل تلك الاجراءات لم تفلح فى خفض السعر بالسوق الموازية للدولار، فى ظل معاناة المستوردين فى الحصول عليه، ونقص العديد من موارده خاصة السياحة التى تأثرت كثيرا بعدة حوادث متلاحقة خلال عام 2015، أبرزها حادث معبد الكرنك بالأقصر، وقتل السياح المكسيكيين بالواحات، وسقوط الطائرة الروسية فوق سيناء ووفاة كل ركابها، مما أدى إلى تعليق روسيا وبريطانيا لرحلات سياحها إلى شرم الشيخ.

وكذلك اخفاق مؤتمر الاستثمار الذى عقد فى شرم الشيخ فى مارس 2015 فى جلب استثمارات أجنبية مباشرة، فى ظل حالة عدم الاستقرار الأمنى وتوالى حداث العنف ومقتل رجال الشرطة فى سيناء، حتى أن أرقام صافى الاستثمار الأجنبى المباشر التى دخل مصر خلال الشهور الستة التالية على انعقاد المؤتمر الاقتصادى، كانت حصيلتها أقل من الاستثمارات المباشرة التى دخلت مصر بنفس الشهور الستة خلال العام السابق.

كذلك استمرار انخفاض ايرادات قناة السويس للشهر الخامس على التوالى بعد افتتاح التفريعة الخاصة بها فى أغسطس 2015، رغم الوعود والآمال والمهرجانات الحكومية التى بشرت بطفرة بإيرادات القناة بعد افتتاح التفريعة، التى سموها قناة السويس الجديدة.

ثامناً: استمرار ارتفاع الأسعار:

رغم أن الفترة التى استولى فيها الجيش على السلطة فى يوليو 2013 وحتى نهاية 2015، قد واكب معظمها تراجع أسعار الغذاء بالعالم، حيث شهد عام 2014 انخفاضات ملموسة دوليا إلى جانب  تراجع أسعار النفط ، واستمر ذلك الانخفاض لأسعار الغذاء والوقود والمعادن فى عام 2015، إلا ذلك الانخفاض لم يصل أثره  إلى المستهلك المصرى، رغم استيراد مصر حوالى  60 % من الغذاء.

حيث أشارت بيانات الجهاز المركزى للإحصاء إلى ارتفاع نسبة التضخم، المعبرة عن معدل ارتفاع الأسعار لدى تجار التجزئة بالأسواق المصرية بأنحاء الجمهورية   بنسبة 8ر10 % خلال العام الأول للانقلاب، مقابل نسبة 2ر7 % بالعام الذى حكم به الرئيس محمد مرسى، وزادت نسبة التضخم بالعام الثانى لتولى الجيش السلطة لتصل إلى 9ر10 %، وفى النصف الأول من العام الثالث بلغت نسبة التضخم 9ر9 %.

ويتحفظ كثير من الخبراء على طريقة حساب التضخم التى يقوم بها جهاز الاحصاء الحكومى، ومنها استخدام الأسعار الحكومية للسلع مثل الخبز السجائر والمنتجات البترولية، وتقليل نسبة مكون الغذاء فى انفاق الأسر المصرية إلى نسبة 38 % فقط من دخلها، مما لا يجعل لمؤشر التضخم الرسمى قبولا لدى عامة المواطنين، فى ضوء معاناتهم من ارتفاع أسعار الغذاء والمواصلات والوقود والخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية.

وتأثر جانب عرض السلع والخدمات بمحدودية الاستثمارات المحلية، حيث تراجع معدل الاستثمارات المحلية إلى الناتج المحلى الاجمالى، إلى 8ر13 % بالعام الأول للانقلاب، وظل عند 4ر14 % بالعام الثانى له، فى حين كانت نسبة الإدخار المحلى إلى الناتج المحلى الاجمالى 3ر5 % بالعام الأول للانقلاب و9ر5 % فقط بالعام الثانى له.

وبما يشير إلى وجود فجوة تمويلية بلغت نسبتها 5ر8% بالعامين الأول والثانى للانقلاب، وهى فجوة لم تجد من يغطيها سواء من خلال الإقتراض الخارجى، أو من الاستثمارات الأجنبية، بل زادت حدتها أواخر عام 2015، حيث يتحدث وزير المالية عن فجوة تمويلية قدرها حوالى 5 مليار دولار .

خاتمة:

وهكذا لم تفلح حكومات الانقلاب العسكرى المتعاقبة فى حل أية مشكلة مجتمعية بالمجتمع المصرى، خلال عامين ونصف من وجودها،  سواء على مستوى تدهور الخدمات الصحية والتعليمية أوالفقر أو البطالة أو العشوائيات أو الإسكان أو المرور أوالنقل والمواصلات ، وكان دورها مجرد إعطاء مسكنات للمشاكل الجماهيرية، والقيام بالمزيد من الإقتراض الذى ستقوم الأجيال القادمة بتحمل تبعاته، ومزاحمة الشركات فى أموال البنوك.

كما أخفق نظام الانقلاب فى تحقيق كثير من وعوده للمصريين، سواء بعلاج الإيدز أو توفير مليون وحدة سكنية للإسكان الشعبى، أو عمل خرائط جديدة للمحافظات  أو المشروع اللوجستى العالمى لتخزين الحبوب والغلال، أو مدينة التجارة والتسوق، أو مشروع المثلث الذهبى، أو تشغيل المصانع المتعثرة، أو مزلقانات السكة الحديد، أو التأمين على الفلاحين، أو تخصيص عشرة ملايين جنيه لتنمية سيناء، أو مدينة رفح الجديدة، أو المزارع السمكية بتفريعة قناة السويس، أو الحد الأدنى للأجور العاملين بالقطاع الخاص.

لتزيد أوضاع الاقتصاد المصرى سوءا ومديونية، وأصبحت البنوك مشغولة بتمويل الحكومة على حساب دورها فى تمويل الشركات، وأصبح رجال الأعمال خائفين من التحفظ الفجائى على أموالهم ،والزج بهم فى قضايا جنائية مثلما حدث لبعضهم، وأصبح المواطن المصرى فى ظل القوانين الاستثنائية، وغياب الحريات والبرلمان المستأنس والاعلام المسيس غير آمن على نفسه وأسرته ومحبطا وأقل ثقة بما يسمعه من وعود حكومية لا تتوقف.

المصادر:

  • النشرة الشهرية للبنك المركزى المصرى – أعداد مختلفة
  • النشرة الشهرية لوزارة المالية المصرية – أعداد مختلفة
  • الجهاز المركزى للاحصاء والتعبئة العامة – الكتاب السنوى لعام 2015
  • جريدة البورصة – أعداد مختلفة
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close