fbpx
دراسات

البنية المؤسسية للإخوان المسلمين: اقتراب تحليلي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد

تعتبر جماعة الإخوان المسلمين من أقدم وأعرق التنظيمات في المجتمع المصري وبمرور الوقت تعاظمت مصادر قوة الجماعة وتشعبت بشكل ملحوظ. فتحولت الجماعة من جماعة دعوية صغيرة تهدف إلى إصلاح المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى أحد أهم التنظيمات الاجتماعية والسياسية في الداخل المصري، بل وبعد ثورة يناير 2011، استطاعت أن تصل إلى سدة الحكم قبل أن ينقلب عليها العسكر وتقع فريسة للتهديدات الخارجية من قبل النظام، والتهديدات الداخلية من هيكل الجماعة ذاته.

وخلال هذه الفترة التي تصل إلى 90 عاماً، منذ التأسيس في 1928، اكتسبت الجماعة الكثير من مصادر القوة أجادت استخدام بعضها، وأخفقت في البعض، بل وتجاهلت وجود البعض الآخر. وفى هذا الإطار تسعي هذه الورقة للبحث في مصادر القوة المؤسسية للإخوان المسلمين، مع تقييمها وفق نموذج صمويل هنتنجتون عن المؤسسية.

 

أولاً: النموذج النظري: معايير المؤسسية عند صمويل هنتنجتون:

تعتبر القوة المؤسسية من أهم مصادر القوة التي يمكن أن تمتلكها أي منظمة أو مؤسسة وتعطيها الكثير من الميزات وعوامل القوة وتحميها من الكثير مما قد يعترضها من تحديات وعقبات. ونظرًا لأهميتها في تحديد طبيعة ومستوي أداء المؤسسة، بل ربما أحيانًا مصير المؤسسة وقدرتها على الاستمرار في تأدية مهامها دون أن تتعرض للانكماش أو الاندثار.

وعلى المستوى النظري قدّم المفكر الأمريكي “صمويل هنتنجتون” في كتابه “Political Order in Changing Societies” معايير المؤسسية السياسية للمنظمة أو للدولة، عبر محورين أساسيين:

الأول: نطاق أو مجال الدعم (scope of support): يعني بمجال دعم المنظمة المدى الذي تحظي فيه المؤسسة السياسية بالقبول في المجتمع وبمزاولة نشاط تجاهها. فإذا كانت المؤسسة ينتمي إليها شريحة صغيرة من المجتمع فهي بذلك تعتبر ذات مجال أو نطاق محدود أما إذا كانت ينتمي إليها شريحة كبيرة من السكان ويتبعونها سياسيًا فهي ذات مجال دعم واسع.

 

الثاني: مستوي المؤسسية (The level of institutionalization): ويعرفها على أنها العملية التي تكتسب من خلالها المنظمة القيمة والاستقرار.

ويحدد هنتنتجتون لقياس مستوى المؤسسية أربعة معايير وهم التكيف، التعقيد، الاستقلال، التماسك: 1

1ـ التكيف (Adaptability):

التكيف مقابل الجمود هو أحد المعايير التي حددها هنتنجتون لقياس مستوي المؤسسية للمنظمة، فالمؤسسة الأكثر قدرة على التكيف تتسم بمستوى أعلى من المؤسسية. والتكيف خاصية مكتسبة يمكن دراستها وفقا لعاملين هما التحديات التي تواجهها المؤسسة وعمر المؤسسة.

فكلما كانت التحديات التي تقابل المنظمة أكثر، كلما كان تكيفها أعلى، وكلما كان عمر المؤسسة أطول، كلما تميزت بمستوى أعلى من التكيف وبالتالي من المؤسسية. فالبيئة الساكنة ذات التحديات الأقل لا يمكن أن تختبر مدي مؤسسية المنظمة ولا تعكس قدرتها على التعامل مع المتغيرات. فكل تحدي تواجهه المنظمة من البيئة المحيطة يمهد الطريق لاكتسابها مزيد من القدرة على التكيف عن ذي قبل وهو يمثل نجاحًا للمنظمة في تحقيق مستوى أعلى من التكيف وبالتالي من المؤسسية.

فعلى سبيل المثال تعتبر التغيرات في طاقم العاملين أو الموظفين أحد التحديات الحتمية التي يمكن أن تواجه المنظمة ومن التحديات الحرجة هو انقضاء أو ضياع الهدف الذي نشأت من أجله المنظمة. أما فيما يتعلق بعمر المنظمة فيقسمه هنتنجتون إلى العمر الزمني، العمر الجيلي، العمر الوظيفي.2

(أ) العمر الزمني: ويعني الزمن الذي استمر فيه عمل المنظمة، فكلما زاد هذا العمر كلما زادت قدرتها على التكيف ونسبة مؤسسيتها؛ بل وكان مؤشراً على احتمالية استمرار عملها أكثر من غيرها ذات الأعمار الأقصر نسبيًا.

(ب) العمر الجيلي: وهو ثان مؤشر لقياس التكيف، ويشير إلى عمر قيادة المنظمة، أو تعاقب الأجيال على المنظمة بشكل هادئ وسلمي، ونقل السلطة من مجموعة إلى أخرى، دون أي مشاكل أو اضطرابات في عمل المنظمة واستقرارها. فالمنظمة التي مازال يقودها المؤسسون الأوائل لها لا تعبر عن مؤسسية عالية لعدم اختبار قدرتها على التكيف.

فالفجوة بين العمر الزمني والعمر الجيلي للمنظمة قد تُشكل تحديًا لعمل المنظمة يتمثل في التوتر الذي ينشأ بين الجيل الأول للمنظمة والأجيال التالية لها. فالمنظمة قد تتمكن من تغيير القيادة ولكن من نفس الجيل الأول الذي انبثق منه المؤسسون، أما نقل القيادة إلى جيل تالي، فهو الذي يمثل القدرة على التكيف من منظور العمر الجيلي، بحيث تختلف الأجيال من ناحية الخبرات التكوينية لكل جيل. فالتحول في القيادة من جيل إلى آخر هو معيار العمر الجيلي للمنظمة.

(ج) العمر الوظيفي للمنظمة والذي يتمثل في وظائف المنظمة؛ فعادة ما يكون للمنظمة وظيفة أو مجموعة من الوظائف التي تسعى لإنجازها، وعندما تصبح هذه الوظيفة غير مطلوبة تواجه المنظمة أزمة فإما تتمكن من إيجاد وظيفة جديدة لها أو تكون بذلك فقدت صلاحيتها واتجهت إلى التلاشي.

فالتكيف الوظيفي وليس التحديد أو التخصيص الوظيفي هو معيار قياس التكيف الصحيح فالمؤسسة لا يمكن تحولها إلى أداة تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف وفقط وإنما بقدرتها على التحول من وظيفة لأخرى. فعلى سبيل المثال الأحزاب السياسية التي لها القدرة على التكيف في الانتقال من وظيفة إلى أخري، كالانتقال من المعارضة للسلطة أو استهداف دوائر انتخابية جديدة قدرتها على التكيف أكبر من غيرها.3

 

2ـ التعقيد (Complexity):

يعتبر صمويل هنتنجتون التعقيد مقابل البساطة أحد معايير قياس مستوي المؤسسية لدي أي منظمة. فكلما كانت المنظمة أكثر تعقيدا كلما كانت أكثر مؤسسية. ويقصد بالتعقيد تعدد الوحدات الجزئية التابعة للمنظمة تعددًا هيراركيًا ووظائفيًا والتميز بين الأنواع المختلفة للوحدات الجزئية. فكلما زاد عدد الوحدات وتنوعت كلما كانت المؤسسة أقدر على تأمين والحفاظ على ولاء قواعدها. وعلاوة على ذلك فإن المؤسسة التي تمتلك أكثر من وحدة وظيفية تتعدد وظائفها وبالتالي تكون قدرتها على التكيف حين فقد أحد هذه الوظائف أكبر فبذلك تساعد خاصية التعقيد على تعزيز خاصية التكيف الوظيفي، ليس هذا فقط بل تخدم احتياجات جيل من المؤسسة وبذلك يتحقق التكيف الجيلي الذي أشار إليه سابقًا.

خلاصة القول أن المؤسسات بسيطة التكوين تكون عرضة للاندثار بشكل أكبر من المؤسسات المعقدة نسبيًا. فعلى سبيل المثال الأحزاب المعقدة الوحدات والمتشابكة العلاقات أكثر قدرة على البقاء حتى في نطاق الهيئات والشركات الاقتصادية الأكثر توسعًا وتعقيدًا لا يمكن توقع تلاشيها سريعا على عكس نظيراتها الصغيرة والبسيطة نسبيًا.4

 

3ـ الاستقلالية (Autonomy):

يقصد بها أن المؤسسة تعمل بشكل مستقل عن الهياكل الاجتماعية الأخرى وعن محددات السلوك الخارجية. فهي تعني تكامل المؤسسة دون اعتمادها على عوامل أو مؤثرات خارجية. فتتضمن علاقة بين القوي الاجتماعية والمنظمة السياسية، فعندما تتحول المنظمة إلى التعبير عن مصالح ورغبات فئة اجتماعية معينة أو فئات محدودة سواء كانت عائلة أو قبيلة أو طبقة اجتماعية أو مجموعة اقتصادية معينة فهي تفقد الاستقلالية والمؤسسية.

فدرجة الاستقلال يمكن تحديدها وفقًا لمدى اختصاصهم بمصالحهم وشئونهم دون غيرهم من التكوينات الاجتماعية والتنظيمات بشكل عام. فالمنظمة أو الحزب السياسي الذي يعبر عن مصالح فئة ضيقة من المجتمع كالعمال أو الرأسماليين أو فئة اجتماعية، يصبح مهددًا بالتبعية بشكل أكبر مقارنة بنظرائه من الكيانات التي تمثل مصالح فئات متعددة. واختراق المنظمة قد يكون داخليًا من المجتمع أو من خارج المجتمع. ولكن لا يمكن تجاهل حقيقة أن هناك مجموعات اجتماعية تطرأ بصفة مستمرة على المجتمعات ولا يمكن تجنيبها عن المنظمة.

لكن يمكن ضمان الاستقلال عن طريق مجموعة من الإجراءات والوسائل التي تحد من تأثير الجماعات الجديدة أو حتى تبطئ من دخول مجموعات جديدة إلى المنظمة، عن طريق التنشئة والتأهيل السياسي وتأهيل العناصر البارزة في هذه الكيانات المستجدة. ومن الجدير بالذكر أن تعقيد المنظمة يقوي من استقلاليتها بحيث أن الوحدات الجزئية الخارجية التي تقع على أطراف المنظمة، يمكن أن تكون الممر الذي يعبر من خلاله الأفراد الجدد الراغبين في الانضمام للمؤسسة.5

 

4ـ التماسك (Coherence):

تأتي خاصية التماسك مقابل التشتت، فكلما زاد مستوى التماسك في المؤسسة كلما زادت المؤسسية، فالمنظمة بحاجة إلى حد أدنى من الإجماع حول الحدود الوظيفية التي تعمل من خلالها، وبناء آليات لحل النزاعات التي قد تنشب في إطار المؤسسة. وهنا يمكن القول أن هناك علاقة متبادلة بين التماسك والاستقلال، فكلما كانت المؤسسة مستقلة كلما استطاعت أن تحقق تماسكًا بين أطرافها عن طريق تحديد نموذج محدد يخدم مصالحها وأهدافها دون الحاجة إلى تأثيرات خارجية على سلوكها.6

 

ثانياً: الهيكل المؤسسي لجماعة الإخوان المسلمين:

1ـ النشأة والتأسيس:

كانت بواكير نشأة الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان في الثلاثينات من القرن العشرين وتم وضع هيكل مؤسسي تنظيمي للجماعة. كان على رأسه مكتب الارشاد والذي ينبثق من مجلس شوري الجماعة يرأسهم المرشد كسلطة تنفيذية عليا للجماعة. وينبثق عن هذا الهيكل القيادي الأمين العام للجماعة. يتبع هذا الكيان الأعلى قسمين المكاتب الادارية للمحافظات والأقسام، أي تقسيم جغرافي في الأول وتقسيم وظائفي في الأخير.

بحيث ينقسم المكتب الإداري للمحافظة إلى مكتب إداري للمحافظة ومجلس شوري المحافظة، وتبعًا لكل مكتب إداري للمحافظة فهناك مكتب إداري المنطقة ومجلس شورى المنطقة. وكذلك الحال بالنسبة للشعب حتى يصل إلى آخر السلم التنظيمي وهو الأسر التي تتكون من مجموعة من الأفراد (من خمس إلى ست أفراد).

ويتم تشكيل هذه المكاتب وفقًا للاقتراع الحر المباشر من قبل الأعضاء الذين ينتمون للجماعة بشكل رسمي وكل مستوي أدنى يختار منه المستوى الأعلى. أما فيما يتعلق بالأقسام فهناك 12 قسمًا للجماعة كل منها يسمى باسم وظيفته، فهو تقسيم وظيفي بالأساس وقد يطلق عليها لجان وظيفية، وهي: التربية، السياسي، نشر الدعوة، البر والخدمات الاجتماعية، المهنيين، أعضاء هيئة التدريس، الطلبة، إعدادي وثانوي، الأشبال، العمال، التنمية الإدارية، الأخوات.

وظل هذا الهيكل المؤسسي قائمًا وتشابكت أفراده وتعاظمت قواه تدريجيًا بحيث اكتسبت شكلًا أكثر تعقيدًا وهيراركية للجماعة. وكان من أهم التعديلات التي تم اتخاذها على هذا الهيكل تلك التي أدرجت عام 2010 ونصت على أن المرشد العام يستمر في منصبه لفترتين كل منها تمتد لست سنوات وكانت من قبل تمتد مدى الحياة.7

ولعل أهم التغيرات التي طرأت على الهيكل المؤسسي للجماعة، بالرغم من احتفاظه بالشكل السابق، إلا أنه تم إعلانه بشكل واضح للمجتمع وأصبح معروفًا لدي المجتمع.

 

2ـ التغيرات أو التطورات:

بعد ثورة 25 يناير تم تأسيس حزب سياسي كذراع سياسي للجماعة هو حزب الحرية والعدالة، بجانب بعض المؤسسات الاجتماعية كالجمعيات الخيرية المشهرة التي كانت تابعة للجماعة بشكل أو بآخر. واستمرت الجماعة في عملها بالهيكل المؤسسي السابق، ولكن بصورة أكثر حرية وحركة عن ذي قبل. فشاركت في الانتخابات البرلمانية من خلال حزبها الجديد، وكونت كتلة برلمانية ذات أكثرية بالبرلمان وتبعه مجلس الشورى كذلك حتى وصلت إلى الرئاسة بفوز مرشحها محمد مرسي، وكانت كل هذه تغيرات جذرية على عمل المؤسسة نتج عنها كم هائل من التحديات المؤسسية فيما يتعلق بتحدي التكيف على الأخص.

حيث واجهت العديد من الأزمات التي كانت نتاج تحولها من المعارضة إلى السلطة وتغير وظائفها بشكل كبير، ثم كان الانقلاب العسكري الذي جاء في عام 2013، وما تبعه من تطورات في وضع الجماعة والتهديدات التي تعرضت لها، والتي تمثلت في اعتصام رابعة، ثم تطورت لتشمل اعتقال معظم قيادات الجماعة التي كانت تدير المشهد، بل تدير المؤسسة بالأساس، وتوسعت دائرة الاعتقال تلك لتشمل عدداً كبيراً من القيادات على المستويات المختلفة، والتي أدت إلى أزمة كبيرة في الهيكل المؤسسي للجماعة.

حيث أفرز أزمة مؤسسية، لاسيما فيما يخص اختيار القيادة الجديدة لإدارة الجماعة. بجانب مجموعة من التحديات الأخرى، كحل حزبها السياسي ومصادرة ممتلكاته، وكذلك إغلاق عدد كبير من الجمعيات الخيرية التي ينسب انتمائها لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أثر على منفذ من منافذ الجماعة لممارسة أنشطتها المجتمعية والدينية، التي كانت تدعم وجودها وشعبيتها بل وشرعيتها.

وكان من أهم التغيرات المؤسسية التي طرأت على التنظيم بعد اعتقال قياداته، ولاسيما الصفوف العليا منها، كان لابد من بديل لإدارة المؤسسة، تمثل في الانتخابات الداخلية التي أجريت في فبراير 2014 لاختيار رؤساء القطاعات وتشكيل مكتب جديد. نتج عن هذه الانتخابات بقاء المرشد العام، الدكتور محمد بديع في منصبه، مع تعيين أمين عام للجماعة لتسيير أمورها هو د. محمد وهدان، واختيار رؤساء القطاعات والإعلان عن تشكيل مكتب لإدارة شئون الإخوان المسلمين المصريين بالخارج برئاسة د. أحمد عبد الرحمن.8 وكان الهدف من تشكيل هذا المكتب التابع مباشرة لمكتب الإرشاد في الداخل أن يقوم بالوظائف التي يتعثر على مكتب الإرشاد بالداخل القيام بها.9

وكان هذا التشكيل المؤسسي الجديد مصدراً لنزاع داخلي بين قيادات الجماعة من الجيل القديم التي غادرت مصر وانتقلت للخارج، وبين قيادات المكتب الجديد في الخارج وهو ما شكّل تحدياً مؤسسياً للجماعة، ظهرت ملامحه في عدة مؤشرات:

1ـ الاختلاف حول الدور: حيث يري البعض أن التشكيل الإداري الجديد يهدف إلى جعل المؤسسة أكثر ديموقراطية وتمكين الشباب من المشاركة في عملية الإدارة واتخاذ القرار وذلك للموازنة بين الشباب الذي يعمل على الأرض وبين المؤسسة وقيادتها10، وفي المقابل يرى البعض أن هذا التشكيل هو انشقاق عن الجماعة، وخروج عن تقاليدها وعلى قيادتها الشرعية.

 

2ـ الاختلاف حول الإدارة: حيث نشب عن هذا التشكيل، نزاع بين طرفين كل منهما يريد أن يتولى مقاليد الإدارة، وربما هذا ما صعد على السطح، ولكن الخلاف أعمق من هذا بكثير فهو ليس نزاع على من يدير ولكن على كيف يدير. فرؤية وفهم كل فريق منهما مختلفة عن الآخر بشكل كبير، وكل منهما يرى في تصوره أنه الأصلح، ولعله بالفعل كذلك، ولكن كل بما يخدم تلك الرؤى المتباينة.

 

3ـ الاختلاف على المنهج: حيث يرجع البعض هذا الاختلاف أنه اختلاف على طبيعة العمل الثوري. وآخرون ينظرون بشكل أعمق بمعنى أنه ليس اختلاف على طبيعة العمل الثوري من عدمها، ولكنه يمتد إلى أهداف كل منهما، فالجيل القديم يسعى بشكل أكبر للحفاظ على تقاليد وقواعد الجماعة ونظامها الأساسي التى اتبع على مدار عمل الجماعة واستمرار القيادة من أعلى. ويقوم هذا الاعتقاد على أن الطرفين يميلان لاتباع النهج السلمي ولكن كل منهما يختلف في أسباب اختياره له.

خلاصة القول أن الوضع المؤسسي الحالي لجماعة الاخوان يقابله عدد من التحديات المتمثلة في هذا التخبط في القيادة، وكيفية الإدارة، والعمل الثوري، الشباب ووضعهم في الجماعة، ولاسيما من القيادة وكيفية رؤيتهم للأزمة والتعامل معها.

 

ثالثاً: نموذج هنتنجتون والوضع المؤسسي للإخوان:

بتطبيق نموذج هنتنجتون للوقوف على تقييم القوة المؤسسية لجماعة الإخوان المسلمين، يمكن القول بأن جماعة الإخوان المسلمين تدرج على أنها مؤسسة توافر لها بالتدريج عناصر المؤسسية الأربع، فقد بدأت على هيئة مجموعة من الأفراد وتتابعت مسيرتها تدريجيًا، حتى تحولت إلى مؤسسة بالمفهوم الذي عرضه هنتنجتون. فقد استمرت الجماعة تعمل في الداخل المصري لنحو 90 عاماً، في تطور مستمر أظهر فيها الخصائص الأربع للمؤسسية (التكيف والتعقيد والاستقلالية والتماسك) بنسب مختلفة من فترة لأخرى تعاظم فيها الصفات حينًا وتضاءلت في أوقات أخرى.

1ـ مدى تكيف جماعة الاخوان المسلمين:

التكيف يعتمد على عنصرين أساسيين هما التحديات التي تواجه المؤسسة وعمر المؤسسة، وقد برزت القدرة على التكيف لدي الجماعة بشكل واضح منذ انشائها، فقد تكيفت مع طبيعة المجتمع المصري في ذلك الوقت، وكان ذلك واضحًا في تعاملها مع نظم الحكم القائمة، وظلت الجماعة تتطور حتى قابلها أول تحدي كاد أن يودي بكيانهيا، في فترة الستينيات من القرن العشرين، خلال حكم عبد الناصر لمصر. وذلك من خلال تزايد العمل السري وتحول الجماعة بشكل أساسي للقنوات غير المرئية لنظام الحكم، وبالطبع قل نشاطها، ولكن احتفظت بوجودها ولو بشكل رمزي.

ولكن قدرتها على مواجهة مثل هذا التحدي كان بمثابة علامة قوة ميزتها وانتقلت إلى المراحل التالية بشكل أكثر قوة وبروزًا في المجتمع المصري. ثم كانت فترة السادات والتي تعتبر انفراجة نسبية استعادت فيها الجماعة بعضًا من قوتها وتعاظم نفوذها في النظام المصري وأصبحت لها القدرة على التأثير عليه. وتكيفت بشكل أكبر في عهد مبارك واكتسبت القدرة على العمل تحت الضغط والتعسف من قبل النظام، بل واستطاعت أن تكسب شعبية داخل المجتمع حتى تمكنت في أواخر عهده من الوصول للسلطة التشريعية. وعقب الثورة المصرية في أوائل 2011 كان تحدي جديد للجماعة استطاعت أن تتعامل معه بما ادخرته في سابق عهدها ورصيدها الجماهيري في ذلك الوقت حتى تمكنت من الوصول لأكثرية بالبرلمان المصري ثم السيطرة على الرئاسة عن طريق رئيس حزبها في ذلك الوقت محمد مرسي. ومنذ ذلك الوقت تحولت الجماعة من جماعة معارضة إلى دائرة الحكم وكان هذا بالطبع تحدي وظيفي جديد لها.

وتعددت التقييمات لهذه المرحلة بمميزاتها ومساوئها أيا كانت والتي لا مجال للاستفاضة فيها ولكن يمكن التعرض للتحولات الجذرية بها. وكان التحدي الأكبر لها بعد ذلك الانقلاب العسكري في يوليو 2013 على الرئيس الذي ينتمي إليها وتبعه عدد من التحديات الأخرى تمثلت في مذبحة فض ميدان رابعة والنهضة في أغسطس 2013، والتي لحق بها مجموعة من التطورات كانتخاب قائد الانقلاب رئيسًا والملاحقات الأمنية والضغوط التعسفية ضد الجماعة قيادات وأفراد. ثم كان التحدي الذي نبع من داخلها وهو بداية الانقسامات الداخلية في القيادة، وانقسامات الصف في توجهاتهم نحو القيادة تارة، ونحو الرؤية تجاه التعامل مع الوضع الحالي، تارة أخرى.

إن الثورة في حد ذاتها كان تحديًا لمؤسسة الإخوان ولكنها استطاعت أن تتعامل معه بالرغم من الأخطاء التي قد تكون قد وقعت فيها أما التحدي الأكبر الحالي هو الانقلاب الذي أطاح بالإخوان من الحكم وتبعاته من تنكيل بهم وتدمير لكل مصادر قوتهم. وفي هذا الصدد يمكن القول أن الجماعة في بادئ الأمر حاولت مواجهة الأمر بتنظيمها للاعتصام والمظاهرات والمسيرات السلمية. ولكنها لم تمتلك الرؤية الاستراتيجية للمواجهة فهي كانت في محل رد الفعل لا الفعل، لكنها تجاوزت التحدي دون أن تنهار وهذا مؤشر قوة مؤسسية، فأزمة كهذه كان من الممكن أن تطيح بالجماعة تمامًا.

ثم جاء التحدي الأكبر في وسط تتابعات الانقلاب ألا وهو اعتقال الصف القيادي وبالتالي غياب القيادة المسئولة عن إدارة الجماعة والحاجة لإيجاد البديل. فكانت مواجهة التحدي الطبيعية هي انتخاب مجموعة جديدة وبالفعل نجحت الجماعة في ايجاد البديل من الناحية العملية، بالرغم من التضييق الأمني الشديد الذي يصعب معه القيام بهذا الأمر لكنها نجحت في تجاوزه، ولكن ما لم تمر به كان هو الأصعب أن ينتج عن هذه الانتخابات حالة من عدم الرضا سواء كان من قبل الصف، أو من قبل القيادات السابقة للجماعة.

وقامت الجماعة بمجموعة من المحاولات لاحتواء الأزمة، ولكنها كانت بمثابة مسكنات وليست حل نهائي لها. وبهذا سيستمر هذا الأكبر في وقتنا الحالي، والذي على الجماعة أن تعمل لتجاوزه قبل أن تتعثر في تحديات جديدة وسيصبح الأمر حينها أسوأ.

أما فيما يتعلق بعمر المؤسسة، العمر الزمني للإخوان هو الفترة الزمنية التي استمرت فيها المؤسسة في العمل، ويقاس بالقدرة على الاستمرار لثلاثة أجيال (75 عامًا تقريباً) بالنسبة لهذا فالإخوان تمتلكها، لأنها تقترب من 90 عاماً، الآن، وهذا يضمن لها مزيدًا من القدرة على البقاء والتكيف ولا يسهل الحديث عن انهيار الجماعة أو اندثارها وفقًا لما عرضه هنتنجتون. أي أن العمر الزمني ضمان لبقاء المؤسسة. لذا فهذا يعطي ميزة نسبية للجماعة.

أما العمر الجيلي فيتعلق بتداول السلطة بين أجيال مختلفة من المؤسسة وليس مجرد تداولها وفقط. وقد تكون هذه هي أحد جوانب التوصيف لأزمة القيادة التي تمر بها الإخوان حاليًا. فمنذ نشأتها حتى الآن لم يحدث اختبار حقيقي لعمرها الجيلي ولم تنتقل السلطة من جيل لآخر بالمعنى الذي قصده هنتنجتون. والأزمة الحالية ووضع الشباب في إطار المنظمة سيقتضي حتمًا أن تسعى المنظمة إلى نقل السلطة لأجيال جديدة منها، لأن الوضع الحالي سيؤدي إلى تآكل القدرة التكيفية لدي الجماعة. لذا يمكن القول أن العمر الجيلي نقطة ضعف لدى الجماعة حتى الآن تضغط عليها وتقوض من مؤسسيتها.

أما بالنسبة للعمر الوظيفي فهو الآخر يواجه تحديًا من حين لآخر منذ توسع الجماعة في بدايتها كوظيفة أساسية وهي الانتشار ثم مرحلة عبد الناصر، التي كان على المنظمة أن تكيف نفسها على أن تحافظ فقط على وجودها أي القدرة على البقاء والاستمرار، ثم العودة مرة أخري للانتشار، ولكن بوظيفة جديدة وهي أن تمارس دور المعارضة في الداخل المصري. وبالفعل استطاعت الجماعة أن تتكيف مع هذه المتغيرات بشكل جيد نسبيًا واستطاعت أن تتعامل مع التحولات الوظيفية المتتابعة.

ولكن منذ ثورة يناير، يمكن القول أن التحولات الوظيفية أصبحت مختلفة إلى حد كبير، كمًا وكيفًا من حيث الكثرة، فمن حين لآخر يحدث تحول وظيفي جديد بشكل متسارع، ومن ناحية أخرى التحولات الوظيفية أصبحت مختلفة من حيث كونها ذات طبيعة بعيدة عن المنهج الذي اعتادت الجماعة على انتهاجه. وبالتالي خلقت صعوبة في ملاحقة هذه التطورات السريعة، وصعوبة في التعامل مع منهج جديد من الوظائف لم تعرفه في أدبياتها ولا تاريخها.

ولعل أهم التحولات الوظيفية منذ الثورة واشتعالها هو التحول من المسار الإصلاحي إلى المسار الثوري، ثم التحول سريعًا من المعارضة للحكم، ثم التكيف سريعًا للتعامل مع الوظائف المختلفة للحكم من سلطة تشريعية وتنفيذية، التكيف مع الطبيعة الجديدة لتقييمها لدي المجتمع، والتي تختلف تمامًا عن التقييم وهي في خانة المعارضة.

ثم الانتقال من السلطة إلى الحظر ليس حتى المعارضة والتعامل مع الانقلاب العسكري والتحول من استقرار المتواجد في السلطة لمن هو في ثورة ثم ينجح الانقلاب ويوطد ركائزه وتتحول من كونها تواجه انقلابًا عسكريًا لمواجهة نظام سياسي قائم بالفعل. ثم التحول الوظيفي الراهن المتمثل في أنها تسعى لتجميع ما تبقى منها وإعادة إحياء الجماعة من جديد ومحاولة النهوض بالجماعة في ظل محدودية المصادر والوقت وضبابية الرؤية. لذا يمكن القول بأن الجماعة أمام اختبار حقيقي من حيث معيار العمر الوظيفي نجحت في اختبارات وظيفة سابقة ولكن الاختبار الحالي مختلف بشكل كبير.

ومن هنا يمكن القول أن معيار التكيف عند الجماعة وفقًا للتحديات محل اختبار قد يضعف أو يقوي من قدرتها المؤسسية. أما وفقًا للعمر فالعمر الزمني يعطيها ميزة واضحة بينما يكون العمر الجيلي عبء ونقطة ضعف شديدة لم تختبر من قبل للجماعة والعمر الوظيفي أيضا سيمثل خطوة لمزيد من التكيف أو العكس، فملخص قياس قوتها هنا يجمع بين نقطة قوة ونقطة ضعف مازالت محل اختبار ونقطة ما بينهما.

 

2ـ مدي تعقيد جماعة الإخوان المسلمين:

الجماعة منذ نشأتها وهي يتزايد معدل تعقيدها تدريجيًا بمرور الوقت ويضاف إليها الوحدات الجزئية والمجالس التابعة للمؤسسة، كما تتعقد الهيراركية بداخلها. وبالطبع أكسبها هذا مزيدًا من المؤسسية التي مكنتها على التكيف والبقاء مع التغيرات الوظيفية التي تمر بها، فنلاحظ مثلاً أن القسم السياسي كان يهدأ قليلًا ريثما تمر فترات التضييقات الأمنية والسياسية، وتستمر باقي الوحدات بأعمالها مما حفظ بقاء المؤسسة. هذا فيما يتعلق بالأقسام الوظيفية، أما الأقسام الإدارية فكانت هي التي تحافظ على وحدة الجماعة وذلك بتعددها وتشعبها وانتشارها على مستوي واسع من المجتمع. وبذلك كانت تتمكن من الإشراف بشكل أكثر مهنية. وظهرت ميزتها الكبري في حالات غياب أحد هذه الوحدات وإحلال الوحدات التابعة محلها في حالة الاعتقالات السياسية وما إلى ذلك.

وبعد الثورة تعددت هذه الوحدات، وظهر الحزب السياسي بوحداته التي كانت توجد بالتوازي مع وحدات الجماعة بالإضافة للجمعيات والوحدات التي برزت في هذه الفترة، وكل هذا دعم من القوة المؤسسية للجماعة بشكل كبير وظهر في تحركاتها داخل المجتمع، وفي الجانب السياسي بالأخص وحملاتها الانتخابية والسياسية بغض النظر عن أي معيار أخر للتقييم بخلاف معيار المؤسسية.

ثم جاء الانقلاب بعد ذلك وتعرضت الجماعة لضغوطات شديدة في هذه المرحلة، وبدأت خاصية التعقيد تخدم الجماعة بوضوح في الفترة التى تلت الانقلاب بصورة مباشرة، وفي تنظيم الاعتصامين وأثبتت الوحدات الجزئية كفاءتها المؤسسية في العمل، وتوزيع المهام فيما بينها، وأيًا كانت المساوئ أو المحاسن التي يمكن ذكرها في هذه الفترة، لكن عنصر المؤسسية كان بارزًا بشدة في هذه الفترة.

ثم جاءت مذبحة رابعة والنهضة والقبض على الكثير من أعضاء الهياكل الإدارية بل العديد من أعضاء الهياكل الوظيفية للجماعة وتعرضت الجماعة هنا لاختبار حقيقي لمدى تعقيد هيكلها المؤسسي. فالوحدات السابقة أصبحت مخترقة بشكل كبير وكان لابد من إيجاد بديل لهذا الخلل التنظيمي وكان لابد من إعادة تشكيل الصف الداخلي من جديد.

وبعد عدة أشهر بدأ التنظيم الداخلي في تدارك الصدمة ولعلها كانت عنيفة لأي مؤسسة وبدأت التشكيلات الداخلية في محاولة جديدة للإحياء من جديد بما فيها الوحدات الوظيفية والوحدات الإدارية. وأجريت الانتخابات الداخلية لاختيار هيكل إداري جديد يدير أمور المؤسسة وتم تعيين مكتب في الخارج من قبل مكتب الإرشاد في الداخل وانتخاب بعض الأعضاء بجانبهم للعمل على تفادي أزمة التواصل التي خلقها الوضع الأمني والسياسي في مصر.

ويمكن اعتبار هذا في محل تدعيم المؤسسية وتجنب الخلل المؤسسي، الناتج عن تحديات الظروف الراهنة، ولكن تبقى قدرة الهياكل الجديدة على العمل هي نقطة الاختبار الحالية لمؤسسية الجماعة. فحتى بعد مرور أكثر من عامين على هذه الأزمة لا يمكن القول بأنه تم التغلب عليها، ولا يمكن من الجانب الآخر القول بأن الأزمة قد انتهت، بل مازالت توابعها مستمرة وإن كانت أخف. فالجماعة الآن بحاجة إلى إعادة تشكيل روافدها الداخلية من جديد سواء كان في المستويات التنظيمية العليا أو الدنيا. بل وحل النزاعات القائمة في المستويات العليا.

 

3ـ مدى استقلالية جماعة الإخوان المسلمين:

تتمثل استقلالية المؤسسة في قدرتها على العمل بعيدًا عن تأثير الهياكل الاجتماعية المحيطة ومحددات السلوك الخارجية بشكل عام من ناحية، وكون المؤسسة تعبر عن فئات مختلفة وليس فئة معينة، فهي كلما عبرت عن شرائح مجتمعية متعددة، ولم تقتصر على دوائر ضيقة كلما كانت أكثر مؤسسية. أى أن استقلالية المؤسسة تعني عدم تأثير أي طرف خارجي عليها، سواء كان بالتمويل أو السلوك أو المطالب أو غيره.

وقد تمتعت الجماعة باستقلالية بالفعل في التمويل بالرغم من كونه عنصر مختلف، ولكن يمكن القول تقديريًا أن الجماعة استطاعت أن توفر لنفسها مصادرًا للتمويل بشكل أو آخر، والتي قد تعطي لها حرية الحركة والسلوك، ولم يثبت بشكل مؤكد منه تبعيتها حتى الآن لأي هياكل اجتماعية هذا من ناحية.

وعلى الجانب الآخر فإن التشكيل العضوي لجماعة الإخوان المسلمين لم ينطو على شريحة معينة من المجتمع، فهي ضمت تحت لوائها جميع المستويات الاجتماعية والثقافية والفكرية، كما أن أعضاء الجماعة ليسوا من شريحة معينة من المجتمع، ولا يمكن تصنيفهم بأي حال من الأحوال في قالب معياري واحد فهم تجمعهم أيديولوجية ومنهج أو تصور واحد لا أكثر. ولعل هذا ما ضمن للجماعة على مر تاريخها قدر كبير من الاستقلالية والمؤسسية.

كما أن تعقيد الجماعة وتعقيد اجراءات الانضمام للتنظيم كان من الأسباب التي حفظت للجماعة استقلاليتها، وهنا يمكن القول أن آليات تنفيذ اجراءات الانضمام في الفترات السابقة من الجماعة كانت أكثر حذرًا بكثير وظلت كذلك لفترة طويلة فلم يكن يتم الانضمام للجماعة بشكل حقيقي، إلا بعد المرور بالعديد من الحلقات الأولى، والتي كانت تضمن للجماعة استقلاليتها بشكل كبير وتحفظها من الانضمامات العشوائية للجماعة.

وبالتدريج قل الالتزام بهذه الاجراءات، فأصبحت الجماعة عرضة لانضمام فئات كثيرة تختلف كثيرًا عما سبق؛ وبالتالي وسع من إطار المسئولية الواقعة على الجماعة، وأصبح الحفاظ على المؤسسية أصعب من ذي قبل، فالكيان يتسع دون إحكام عملية الاتساع وضبطها. ولكن بعد الثورة تزايدت الأعداد التي أدرجت تحت مسمى جماعة الاخوان المسلمين، ولاسيما مع تأسيس الحزب الخاص بها والجمعيات وأصبحت السيطرة عليها أصعب من ذي قبل.

 

أما فيما يتعلق بالوضع الحالي فهو يمكن النظر إليه فيما يتعلق بالجماعات الخارجية وتأثيرها:

الأول: هو الانضمام في تحالفات مع قوي سياسية وهياكل اجتماعية جديدة، ولكن على مستوى القيادة والتنسيق بينهم والذي يراه البعض أنه قد يكون بداية لامتزاج الجماعة مع هذه الكيانات؛ ولكن من منظور آخر أن هذا فقط على مستوى القيادات ليس فيه أي اختراق للجماعة، حتى ولو كان مع كيانات بعيدة عن توجه الجماعة بشكل جوهري فهو يمكن تصنيفه على أنه مجرد تعاون لتحقيق غايات مشتركة.

الثاني: يتعلق بالتحاق الأفراد الجدد بالجماعة ولعل الظرف الحالي الذي تمر به الجماعة قنن هذه العملية بشدة من ناحيتين، من ناحية الجماعة التي تحاذر بشدة في انضمام الأفراد الجدد إليها، ومن ناحية أن الجماعة بما تتعرض له ليست عنصر جاذبية للأفراد يفتح بابًا جديدًا للانضمام والتجنيد.

وهنا يمكن القول أنه بالنسبة لعنصر التنوع العضوي في الجماعة فهو قائم، ويعتبر ميزة نسبية للجماعة لا يصح إهمالها وعدم الانتفاع بها في تدعيم قواها المؤسسية بشكل خاص وقوتها الشاملة بشكل عام.

 

4ـ مدى تماسك جماعة الإخوان المسلمين:

مرت جماعة الإخوان المسلمين بتاريخ طويل كانت فيه فترات التماسك أكبر(11)، لكن شابته فترات من التشتت وشهدت الجماعة عدة انقسامات على مر تاريخها، وبعد الثورة مرت الجماعة بعدة اختلافات حول الموقف المشاركة في الانتخابات الرئاسية من عدمه، وكان تعامل الجماعة معه مؤسسياً بشكل كبير، فالجماعة انقسمت إلى نصفين فيما يخص هذا الأمر، وتم ترجيح الرأى النهائي بفارق بسيط. وكان هذا أحد اختبارات التماسك التي استطاعت الجماعة أن تمر بها، وبالرغم من أنها قد تكون عادت عليها بسلبيات إلا أنها استطاعت تجاوزها بشكل عملي.

وبعد الانقلاب ظهر تحدي غياب القيادة المتمثلة في مكتب الإرشاد وراء السجون، وكيفية تشكيل قيادة جديدة، وهنا تعرض معيار التماسك لاختبار شديد، فاختلفت قيادات الجماعة فيما بينها، فيما يخص إدارة الجماعة، وغاب الحد الأدنى من الإجماع أو حتى الاتفاق على وظائف الجماعة في المرحلة الحالية، وعلى آليات تنفيذها، بل وعلى المسئول عن تنفيذها. ولعل هذا قد يتشابك بشكل كبير مع التكيف الوظيفي للجماعة(12).

————————————–

الهامش

(1)Samuel Huntington, “Political order in changing societies”, Yale University Press, New Haven and London, 1968, p. 12.

(2)Ibid, p. 13.

(3)Ibid, p. 13-17.

(4) ibid, p.17-19.

(5) ibid, p.19-22.

(6) ibid, p.22.

(7) 9 Bedford Row Report, “The History of the Muslim Brotherhood”, London, 2 April 2015, www.9bri.com, Available on: http://9bri.com/wp-content/uploads/2015/04/Report-on-the-History-of-the-Muslim-Brotherhood1.pdf, accessed date: 20 October 2015.

(8) رصد، “الاخوان: الانتخابات الداخلية أجريت بعلم جميع أعضاء (الإرشاد والشورى)”، 28 مايو 2015، متاح على:، تاريخ الدخول: 21 أكتوبر 2015.الرابط

(9) عربي21 , “الاخوان: نحن لسنا ملائكة .. ونعد بتغييرات جذرية”، 25 إيريل 2015، متاح على الرابط, تاريخ الدخول: 21 أكتوبر 2015.

(10) Georges Fahmi, “The Struggle for the leadership of Egypt’s Muslim Brotherhood”, Carnegie Center, 14 July 2015.

(11) يعد معيار التماسك هو وجود حد أدنى من الإجماع بين أفراد الجماعة عى الوظائف والآليات الخاصة بالجماعة وكيفية تقسيمها بين الأفراد. ولكن كطبيعة أي كيان اجتماعي لابد من اختلافات بين رؤى أفراده، وبالرغم من توافر هذا الحد الأدنى في أغلب الوقت، إلا أنه أحيانًا يختفي ولاسيما في مراحل الأزمات والتحديات الكبيرة التي قد تواجه المؤسسة.

(12) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close