fbpx
تحليلاتقلم وميدان

مضيق هرمز في العقيدة الأمنية العمانية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

“أيها المواطنون لا شك انكم سمعتم الكثير عما قيل بشأن اهمية مضيق هرمز الذي هو جزء من مياهنا الاقليمية …… لذلك فإن عمان تعهدت بالدفاع عن حق جميع السفن المسالمة بالمرور عبر هذا المضيق وهذا واجب علينا وفقا للقانون الدولي …. فاذا تعرض المضيق للخطر فإننا في عمان لن نتردد في الدفاع عن سيادتنا الوطنية وسلامة الملاحة الدولية”. من خطاب السلطان قابوس بمناسبة العيد الوطني التاسع بتاريخ 18 / 11 / 1979م.

يعد مضيق هرمز نقطة ارتكاز وعبور لمصالح الكثير من القوى الاقليمية والدولية، وتختلف أهمية المضيق بحسب النظرة الجيوسياسية والجيواستراتيجية إليه من قبل تلك الدول، ما بين اعتباره (الحد الشرقي للوطن العربي والمجال الحيوي للاستيراد والتصدير والمنفذ الوحيد للخليج العربي، وهو بالنسبة لإيران يمثل حدودها الجنوبية وخاصرتها الامنية والاقتصادية. كما يراه الاتحاد السوفيتي السابق، المجال الأمني لحدوده الجنوبية وحلقة وصل للدول المطلة على الخليج العربي، أما بالنسبة للدول الاخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا الغربية واليابان فللمضيق أهمية اقتصادية عظمى لكونه أكبر منطقة منتجة ومخزنة للطاقة (1 ).

ويقع المضيق بين إيران من الشمال الشرقي وسلطنة عمان من الجنوب. ويربط الخليج العربي بخليج عمان، وبالنسبة لسلطنة عمان فإن مضيق هرمز يعد جزء لا يتجزأ من أمنها القومي وامتداد لسيادتها الوطنية، حيث يعد من الناحية الاستراتيجية والأمنية (مضيقا عمانيا يستخدم للملاحة الدولية وينطبق عليه حق المرور العابر وحق المرور البريء الوارد في اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار في المادة 36 لعام 1982م، وباستثناء حق المرور العابر فان المضيق يخضع كليا لما تخضع له باقي المجالات البحرية العمانية نظرا لوقوع الممرات البحرية في المياه الاقليمية العمانية بحيث تمارس السلطنة عليه سيادتها على المجالات البحرية العائدة لها والقاع وما تحت القاع وعلى الحيز الجوي الواقع فوق هذه المجالات، غير ان ممارسة هذه السيادة يجب ان لا تمس بحقوق الدول الاجنبية في المرور العابر. وفي هذا السياق وقعت سلطنة عمان وإيران بلاغا مشتركا في مارس 1974 للتعاون المشترك من أجل الاستقرار وسلامة الملاحة عرف باسم الدوريات المشتركة، واتفاقيات تحديد الجرف القاري في يوليو من العام 1974م).

لذا كانت وجهة النظر السلطانية واضحة وصريحة منذ بداية قيام الدولة العمانية الحديثة في 23 يوليو من العام 1970م تجاه أمن وسلامة واستقرار منطقة الخليج العربي ككل ومضيق هرمز بوجه خاص، وذلك انطلاقا من نظرة شاملة للأمن القومي العربي الاستراتيجي من جهة ونظرة متوازنة بين الحقوق السيادية العمانية والمصالح الإقليمية والدولية من جهة اخرى، وهو ما أكده جلالته في العديد من الخطابات السلطانية واللقاءات الاعلامية والصحفية.

ويعد اللقاء الصحفي للسلطان قابوس بن سعيد مع مجلة المجالس الكويتية في العام 1973م اللقاء الابرز والأهم والأول من نوعه الذي تطرق فيه صراحة إلى هذه المسألة الغاية في الأهمية الاستراتيجية من الناحيتين السياسية والأمنية الوطنية والإقليمية والدولية، فقد أجاب حول سؤال وجه إليه بخصوص وجود اتفاق عماني – ايراني لتفتيش السفن التي تمر عبر مضيق هرمز في وقتها أو أنه أصبح لإيران وجود في المضيق، قائلاً: (نحن نعتبر أن مضيق هرمز ممر مائي دولي، ولا نقبل بأي وجود أجنبي فيه) ( 2)

وإذا كانت هذه النظرة السلطانية لأهمية هذه القضية، أي قضية الامن والاستقرار في منطقة “الخليج العربي / ومضيق هرمز” قد انطلقت مع بواكير عهد السلطان قابوس بن سعيد، وفي ذلك دلالة الأهمية الاستراتيجية والسيادية الوطنية لهذا الجزء من العالم الجيوسياسي.

وقد كان للصراع الايراني العراقي في العام 1980م الدور البالغ والمحفز الاكبر لرفع الوعي الوطني الحاضر أصلا من جهة، والوعي الاقليمي والدولي من جهة اخرى تجاه اهمية وحساسية هذا المضيق، نظرا للمخاطر المرتفعة التي يمكن ان تنتج عن اي اغلاق أو تضييق أو تحرك غير سلمي فيه، وهو ما لم يستبعد ابدا في الرؤية السلطانية رغم صعوبة ذلك، وهو ما أكده قابوس في عام 1982م بقوله (لا أعتقد أن المضيق يمكن أن يغلق بسهولة، ولكن في المقابل ليس من المستحيل على أي كان أن يجعل هذا المضيق عرضة للخطر، وأبسط شيء مثلا القيام بزرع ألغام في المضيق، أو حتى مجرد اشاعة من هذا القبيل ستؤدي الى تعطيل مرور السفن. لا أعتقد أن الأمر سيكون بهذه السهولة، ولكن لابد من حساب كل الاحتمالات).

على ضوء ذلك اعتبرت عمان نفسها بوابة لأمن واستقرار الجزيرة العربية، وتحملت نتيجة ذلك العديد من التحديات، وهو ما أكده قابوس بقوله (لذا فانه إذا ادت حالة عدم الاستقرار الراهنة في الشرق الاوسط -ارهاصات ومقدمات عدم الاستقرار التي سادت المنطقة قبل الحرب العراقية الايرانية بشهور – إلى عرقلة أو وقف امدادات النفط عبر هذا المضيق فان النتائج التي قد تنجم عن ذلك ستكون خطيرة …. ونحن نرى ان جميع الدول التي تستفيد من الملاحة في هذا المضيق سواء اكانت الدول المنتجة أو المستهلكة للنفط تقع عليها مسؤولية المساهمة في حماية هذا الممر المائي الحيوي ضد خطر الاعمال الارهابية أو اي شكل اخر من العدوان )، كما أشار لهذه المخاوف الاستراتيجية في لقاء مع مجلة المستقبل الصادرة في فرنسا في العام 1981م بقوله: (إننا بوابة الجزيرة العربية وطريق النفط وتستطيع أية طائرة في القرن الافريقي أو في كابول أو في طشقند ان تطير الى مسافة 450 ميلا بحمولة من الالغام البحرية في مضيق هرمز فيقفل المضيق ويختنق شريان الغرب الاقتصادي) (3 ).

لذا برز المشروع العماني في العام 1979، والذي يقترح الحصول على كاسحات ألغام وقوارب خفر ساحلية وطائرات استطلاع ومعدات اكتشاف الكترونية ( 4). واقترحت السلطنة هذا المشروع الذي لم تكن تستفيد منه بشكل مباشر، إضافة إلى تحملها عبء الحماية والصيانة، بأن يتم تمويله من قبل دول الخليج العربية والدول الغربية بوصفها أطرافا ذات مصلحة، إلا أن المشروع لم يكتب له النجاح بسبب معارضة بعض الدول الخليجية بحجة انه يمهد للتدخل الاجنبي في المنطقة، أو بأنه يهدف إلى (إقامة حلف اقليمي تسيطر عليه القوى الاجنبية، ومرة أخرى أوضحت السلطنة أن هذا تفسير خاطئ) ( 5).

وهو ما جاء على لسان السلطان قابوس، حيث أكد في خطاب العيد الوطني التاسع في العام 1979، في سياق حديثه عن مضيق هرمز، قائلا: (إن عمان لا تطالب بتدخل القوات الاجنبية، فباستطاعة السلطنة القيام بالإجراءات اللازمة شريطة أن تتوفر لها الوسائل الضرورية لذلك)، لذا أعلنت سلطنة عمان عن استعدادها للتخلي عن إشراك الدول الاجنبية في التمويل إذا ما تعهدت دول المنطقة بتغطية تكاليفه (6 ). و(بالرغم من ذلك فإنها لم تتلق ردا على طلبها، إذ كانت المنطقة قد شغلت باجتياح الاتحاد السوفيتي السابق لأفغانستان وبقيام الثورة في إيران) ( 7).

وفي عام 1985م عاد قابوس ليؤكد أنه بالرغم من كل الظروف والاختلافات في وجهة النظر الخليجية والعربية تجاه أمن مضيق هرمز، بأن أمن المضيق سيبقى مسؤولية جماعية، وأن عمان لن تكون طرفا متطرفة في رأيها أو رؤيتها تجاه ذلك أبدا، ولذلك، قال قابوس، ردا على سؤال ما هو تقدير جلالتكم لمدى الخطر الذي يُهدد مضيق هرمز الآن وخاصة بعد اشتعال حرب الناقلات بين إيران والعراق، وما هو موقف عمان في حالة اغلاق المضيق: (في هذه الحالة فإننا ينبغي من خلال مجلس التعاون الخليجي أن نجتمع ونبحث كيف يمكن مواجهة هذا الموقف، لذلك فإنه لن يكون لعمان موقف فردي إزاء هذه الحالة، وإنما لابد أن يكون هناك موقفاً جماعياً).

وقال قابوس: “بحكم موقع المضيق ومرور السفن من وإلى المنطقة والعالم في مياهنا الاقليمية، علينا مسؤولية كبرى تجاه سلامة هذا الممر، وبقدر امكانياتنا، نراقب مراقبة دقيقة دخول السفن وخروجها في المضيق، وبحريتنا متواجدة هناك بشكل دائم”.

هذا الطرح يؤكد أن سلطنة عمان لا تحتاج إلى اعادة كتابة التاريخ من جديد، أو تكرار وجهة النظر الرسمية تجاه ما يتعلق بمضيق هرمز، فقد أكدت عليها منذ العام 1973م، ولا زالت من الثوابت الوطنية حتى اليوم، وهي العقيدة الأمنية التي تسير عليها سياساتها الداخلية والخارجية تجاه أمن وسلامة المضيق (8 ).

————————-

الهامش

( 1 ) العيسائي. د. علي بن احمد، ازمة الملاحة والمرور في مضيق هرمز – خلال الفترة من 1979م – 1989م) سلطنة عمان، ط1 / 2014م.

( 2 ) مجلة المجالس الكويتية في العام 1973م.

( 3 ) مجلة المستقبل الصادرة في فرنسا في العام 1981

( 4 ) مراد. خليل الياس، حرب الخليج وانعكاساتها على الامن القومي العربي، بغداد / دار الحرية للطباعة والنشر، بدون ط/ 1987م

( 5 ) صحيفة الوطن الكويتية. بتاريخ 17 / نوفمبر/1979م

( 6 ) أحاديث السلطان قابوس في: يوميات ووثائق الوحدة العربية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية لعام 1979م

( 7 ) العريمي. د. محمد مبارك، الرؤية العمانية للتعاون الخليجي، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، رقم 121، ط 1 / 2007.

( 8 ) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close