fbpx
مختارات

بعد انقلاب تركيا: دروس لأمريكا في مصر

 

اريك تراجر، في أعقاب محاولة الانقلاب في تركيا، دروسٌ للولايات المتحدة من استلام الجيش للسلطة في مصر، منشورات معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، 22 يوليو 2016

في أعقاب المحاولة التي قام بها الجيش التركي للاستيلاء على السلطة في البلاد، عمد المسؤولون الأمريكيون إلى حث الرئيس رجب طيب أردوغان على عدم استخدام هذه الحادثة كذريعة لتنفيذ عملية قمع على نطاق واسع. وفي هذا السياق صرّح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في السابع عشر من تموز/يوليو قائلاً: “أعتقد أننا جميعنا قلقون… من أن تدفع هذه الحادثة إلى تخطّي نطاق الضالعين في الانقلاب“.

وحتى الآن، أعلنت حكومة أردوغان حالة الطوارئ، وحظرت السفر على جميع الأكاديميين الأتراك، وأقالت أكثر من 1,500 عميد من الجامعات الرسمية والخاصة، كما أوقفت عن العمل أو احتجزت نحو 50,000 شخص من جنود وضباط شرطة وقضاة وغيرهم من الموظفيين الحكوميين، هذا بالإضافة إلى اعتقال ما يزيد عن 10,000 شخص.

إلا أن المسؤولين الأمريكيين يتمتعون بقدرة محدودة على تلطيف السلوك السياسي الداخلي للسيد أردوغان. وكان هذا صحيحاً قبل الانقلاب، حيث اعتقل الرئيس التركي صحفيين، ومنع استعمال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وأعاد تعيين أكثر من 3700 قاضٍ ومدّعٍ، وهمّش معارضيه السياسيين. لكن بما أن محاولة الانقلاب أوجدت ذريعةً لجنون الارتياب الذي يعاني منه السيد أردوغان، سيكون من المستحيل تقريباً التأثير على سلوكه – علماً بأن أي محاولة للقيام بذلك قد تخاطر بتقويض العلاقات الأمريكية التركية الأوسع نطاقاً.

وثمة مثالٌ مناسب ومن عالم الواقع عن القيود التي تحد من سلطة الولايات المتحدة في هذا النوع من المواقف وعن النتائج التي يحتمل أن تترتب عن أي زلّات ترتكبها الولايات المتحدة. وفي صياغة نهجها تجاه تركيا، يمكن للإدارة الأمريكية أن تتعلم من أفعالها بعد الإطاحة بأول رئيس مصري منتخب، محمد مرسي، في تموز/يوليو 2013.

فبعد إسقاط السيد مرسي، دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما الجيش المصري إلى “التحرك سريعاً وبشكل مسؤول لإعادة السلطة كاملةً إلى حكومة مدنية منتخبة بالسبل الديمقراطية في أسرع وقت ممكن عبر عملية شاملة وشفافة“. ولكن في الوقت نفسه، وبفعل الاعتراضات الصادرة عن بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي، سعت الإدارة الأمريكية إلى الإبقاء على المساعدة العسكرية البالغة قيمتها 1.3  مليار دولار والتي ترسلها الولايات المتحدة إلى مصر كل عام، فضلاً عن الجوانب الأخرى من العلاقة الدفاعية والاستخباراتية بين البلدين.

وإذ حاولت الإدارة الأمريكية الحفاظ على قيم الولايات المتحدة ومصالحها في الوقت نفسه – حيث شجّعت حليفها على وضع حدٍّ لسلوكه القمعي فيما واصلت التنسيق الاستراتيجي الثنائي معه – أدركت في النهاية أنه يتعذر عليها القيام بأمرين معاً. فقد فسّرت الحكومة المصرية دعوة واشنطن إلى الشمولية بمثابة دعوة لإعادة نفوذ «الإخوان المسلمين»، الذين أقسموا بالانتقام من الإطاحة بالسيد مرسي. بيد أن المحاولة التي بذلتها واشنطن للمصالحة بين الحكومة المدعومة من الجيش من جهة و«الإخوان المسلمين» من جهة أخرى باءت بالفشل لنفس السبب. وحين قامت إدارة أوباما بتعليق جزء من مساعداتها العسكرية في تشرين الأول/أكتوبر 2013 ردّاً على عملية القمع التي مارسها الجيش المصري بحق مناصري مرسي، وذلك “إلى حين إحراز تقدم حقيقي نحو تشكيل حكومة مدنية شاملة ومنتخبة ديمقراطياً من خلال انتخابات حرة ونزيهة“، تسبب ذلك بإضعاف العلاقات الثنائية بأوجهٍ لا تزال واضحة حتى اليوم.

صحيحٌ أن المساعدات الأمريكية إلى مصر عادت إلى قيمتها الكاملة في آذار/مارس 2015، إلا أن انعدام ثقة المسؤولين المصريين بإدارة أوباما لا يزال سائداً. فهم يعتبرون أن انتقادات الولايات المتحدة للسجل الكئيب لحقوق الإنسان لدى النظام المصري هو بمثابة دعم لحرية «الإخوان المسلمين» الذين يرى فيهم النظام عدواً وجودياً.

وعندما يتعلق الأمر بتركيا، التي تنامى دورها على الساحة العالمية خلال السنوات الماضية بفضل قربها من الصراع الدائر في سوريا المجاورة، فإن قدرة واشنطن على التأثير على سلوك تلك الدولة هو حتى أقل من ذلك: فليس هناك أي مساعدات عسكرية أو اقتصادية لحجبها. وفي الواقع أن تجربة إدارة أوباما مع مصر تدل على أنه حتى الدعوات غير المجدية إلى احترام حقوق الإنسان قد تُفسر كأعمال تخريبية عندما تعتبر الحكومة أن القمع ضرورياً لبقائها. وحيث أن أردوغان يرتاب أصلاً من المؤامرات حتى قبل محاولة الاستيلاء على السلطة في منتصف الشهر الحالي، فقد يرى نفسه حالياً في موقف يستوجب منه القتل أو يتم قتله. بالإضافة إلى ذلك أنه مسؤول عن دولة لها دورٌ حيوي في التعاون ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، كما استقبلت بلاده نحو2.7  مليون لاجئ سوري، وهذا ما يجعل منها ذات أهمية أكبر بالنسبة للولايات المتحدة ويفرض على واشنطن عدم معاداة حكومة أنقرة وخصوصاً بتصريحات لن تغيّر من سلوكها بأي شكل من الأشكال (1).

—————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”، والكاتب: إريك تراجر هو زميل “استير ك. واغنر” في معهد واشنطن ومؤلف الكتاب الذي سيصدر قريباً “الخريف العربي: كيف ربح «الإخوان المسلمون» مصر وخسروها في 891 يوم”. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على مدونة “ثينك تانك” على موقع الـ “وول ستريت جورنال”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close