fbpx
تحليلاتقلم وميدان

الرئيس التركي: بين الصلاحيات والإشكاليات الدستورية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

(1) يواجه الشعب التركي في الأشهر القليلة القادمة تحدي وضع دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي، في إطار محاولات العمل على رفع التناقض القائم بين الصلاحيات في السلطة التنفيذية فيه، التي ثبت وجودها في الدستور التركي الذي وضعه الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال ـ المدان قضائياً ـ كنعان إيفرين عام 1982، وخاصة أن هذا التناقض في الدستور بين صلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحيات رئيس الوزراء التركي قد أفرز بعض الإشكاليات العملية في الممارسة السياسية بين مواقف رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ومواقف رئيس الوزراء البروفسور أحمد داود اغلو، سواء في إدارة شؤون البلاد الداخلية، أو في تنظيم العلاقات التركية الخارجية.

وفي الأنظمة البرلمانية من الممكن أن يجمع شخص واحد بين عضويته في البرلمان وعضويته في الحكومة، وبعض الأنظمة البرلمانية تفرض ذلك فرضاً بحيث لا يحق للوزارة إلا من كان نائباً، بينما الدستور التركي لا يشترط للوزير أن يكون نائبا، بل يكفي أن تكون فيه أهلية أن يكون نائبا، بحسب المادة (109) من الدستور التركي.

ونص الدستور التركي لعام 1982 في الجزء الثالث حول الهيئات الأساسية للجمهورية، في الفصل الأول عن السلطة التشريعية، وهي الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، وهو مجلس الأمة التركي، أو البرلمان، بينما يتحدث الفصل الثاني عن السلطة التنفيذية، وفي بنده الأول يتحدث عن رئيس الجمهورية في نقاط تتحدث عن  المؤهلات والحيادية، وضمن تفصيلات في مواد تبدأ بالمادة 101 وهي تتحدث عن طريقة اختيار رئيس الجمهورية، فتقول المادة 101:” يُنتخب رئيس الجمهورية انتخاباً عاماً مباشراً من بين أعضاء الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا الذين تجاوزوا الأربعين من العمر وأكملوا تعليمهم العالي، أو من بين المواطنين الأتراك المستوفين لتلك الشروط والمؤهلين لعضوية الجمعية الوطنية”، هذه المادة تم تعديلها عام 2007، وأصبح انتخاب الرئيس مباشرة من الاقتراع الشعبي.

وقد نصت المادة 104 على صلاحيات رئيس الجمهورية فقالت:” رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، وبتلك الصفة يُمثِّل الجمهورية التركية ووحدة الأُمَّة التركية، ويضطلع بضمان تنفيذ الدستور وانتظام العمل بهيئات الدولة وحسن سيره. وفي سبيل ذلك، تكون الواجبات التي تقع على عاتقه والسلطات التي يمارسها وفقاً للشروط المبيَّنة في المواد ذات الصلة في الدستور على النحو التالي:

أ. تلك المتعلقة بالتشريع: إلقاء الخطاب الافتتاحي أمام الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا في أول يوم من السنة التشريعية، إذا رأى ضرورة لذلك؛ ودعوة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا للانعقاد عند الاقتضاء؛ وإصدار القوانين؛ وإعادة مشروعات القوانين إلى الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا لإعادة النظر فيها؛ وطرح مشروعات القوانين المتعلقة بتعديل الدستور على الاستفتاء إذا رأى ضرورة في ذلك؛ الاستفتاءات، وتقديم الالتماسات إلى المحكمة الدستورية لطلب إبطال القوانين أو المراسيم التي لها قوة القانون أو النظام الداخلي للجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، أو أحكام معينة منها، بسبب عدم دستوريتها شكلاً أو مضموناً؛ وفض المجلس التشريعي، واتخاذ القرار بالدعوة لإجراء انتخابات جديدة للجمعية الوطنية الكبرى لتركيا.

ب. تلك المتعلقة بالسلطة التنفيذية: تعيين رئيس الوزراء وقبول استقالته؛ وإقالة مجلس الوزراء، وتعيين الوزراء وإقالتهم بناءً على اقتراح رئيس الوزراء؛ واختيار أعضاء مجلس الوزراء، وورئاسة مجلس الوزراء، أو دعوته للانعقاد برئاسته كلما رأى ضرورة في ذلك؛ واعتماد أوراق ممثلي دولة تركيا لدى الدول الأجنبية، واستقبال ممثلي الدول الأجنبية المعيَّنين لدى جمهورية تركيا؛ وممثل الدولة للشؤون الخارجية، ووالتصديق على المعاهدات الدولية وإصدارها؛ وتمثيل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة التركية نيابة عن الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا؛ واتخاذ قرار استخدام القوات المسلحة التركية؛ وتعيين رئيس الأركان العامة؛ ودعوة مجلس الأمن الوطني للاجتماع؛ ورئاسة مجلس الأمن الوطني؛ وإعلان الأحكام العرفية أو حالة الطوارئ، وإصدار المراسيم التي لها قوة القانون، وفقاً لقرارات مجلس الوزراء الصادرة برئاسته؛ وإعلان أحكام الطوارئ، وسلطة رئيس الدولة في إصدار المراسيم والتوقيع على المراسيم؛ ووإلغاء جميع أو بعض الأحكام المفروضة على بعض الأفراد أو تخفيفها، بسبب المرض المزمن أو العجز أو الشيخوخة؛ وصلاحيات العفو، وتعيين أعضاء المجلس الرقابي للدولة ورئيسه؛ وإصدار التعليمات إلى المجلس الرقابي للدولة بالتقصي وإجراء التحقيقات والتفتيشات؛ وتعيين أعضاء مجلس التعليم الأعلى ورؤساء الجامعات.

ج. تلك المتعلقة بالسلطة القضائية: تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، وربع أعضاء مجلس الدولة، والمدعي العام الرئيس لمحكمة الاستئناف العليا ونائبه، وأعضاء محكمة الاستئناف العسكرية العليا، وأعضاء المحكمة الإدارية العسكرية العليا، وأعضاء المجلس الأعلى للقضاة والمدعين؛ واختيار قضاة المحكمة الإدارية، واختيار قضاة المحكمة الدستورية.

ويمارس رئيس الجمهورية كذلك سلطات الانتخاب والتعيين، ويضطلع بالواجبات الأخرى التي يكلفه بها الدستور والقوانين”. ووفق نص المادة 104 فإن رئيس الجمهورية يضطلع بضمان تنفيذ الدستور وانتظام العمل بهيئات الدولة وحسن سيره في التشريع والتنفيذ والقضاء.

وفيما يتعلق بصلاحيات رئيس الوزراء، فقد نصت المادة 112 على:” يضمن رئيس الوزراء، بصفته رئيساً لمجلس الوزراء، التعاون بين الوزراء، ويشرف على تنفيذ السياسة العامة للحكومة. ويتحمل مجلس الوزراء المسؤولية الجماعية لتطبيق تلك السياسة. ويتحمل كل وزير المسؤولية أمام رئيس الوزراء عن تصريف الشؤون الواقعة ضمن اختصاصه، وعن أعمال مرؤوسيه وأنشطتهم. ويضمن رئيس الوزراء ممارسة الوزراء لمهامهم وفقاً للدستور والقوانين، ويتخذ التدابير التصحيحية لتحقيق ذلك”.

وبالنظر إلى التفصيل الكبير لصلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحيات رئيس الحكومة، اتجه البعض إلى القول بأنه كان من الأحرى وصف هذا النظام بأنه نظام رئاسي، فالدستور التركي لعام 1982 يجعل معظم الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، وهذا ما أراده الانقلابيون العسكر، بينما بقيت مهمات تنفيذ السياسة العامة من مسؤولية رئيس الوزراء، بوصفه تحت مسؤولية رئيس الجمهورية، بالرغم من انتخابه برلمانياً ويمثل رئيس الحزب الأكثر تمثيلاً في البرلمان.

والنقطة الأخيرة ذات الاهتمام بأن المحاسبة على تنفيذ السياسة العامة على رئيس الوزراء، ويجعل مجرد عرض الوزير أو رئيس الوزراء أمام المحكمة العليا بمثابة إسقاط للحكومة، بينما يتمتع رئيس الجمهورية بحصانة كبرى، ولا يمكن محاسبته أو محاكمته إلا بشروط صعبة جداً، وهو ما يمكن مع القول أن الدستور الحالي هو دستور رئيس الجمهورية.

وقد سعي الرئيس أردوغان إلى تعديل الدستور بهدف فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية أولاً، وبهدف فصل الصلاحيات في السلطة التنفيذية بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية.

وحيث أن تمثيل الشعب التركي يتم من خلال الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان والنواب المستقلين، فإن تعديل الدستور هو مسؤولية الأحزاب السياسية في السلطة والمعارضة على حد سواء، فأحزاب المعارضة مطالبة أن تقوم بواجبها في تعديل الدستور من أجل انتظام الحياة السياسية بين الرئاستين بشكل متكامل، وفي كل الأحوال فإن الحكومة التركية ترى أنه حتى لو تم تعديل الدستور من خلال لجنة برلمانية وتصويت ثلثي الأعضاء في مجلس النواب فإنها سوف تعرض ذلك الدستور الجديد على الاستفتاء الشعبي أيضاً، وبالتالي فإنه لن يُقَر تعديل الدستور الجديد دون عرضه على استفتاء شعبي حتى بعد إقراره من البرلمان التركي.

————————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close