fbpx
دراساتاوروبا وامريكاحقوقي

البرلمان الأوربي وحقوق الإنسان في مصر

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد

في الثامن من مارس 2016، كما نشر على موقع البرلمان الأوروبي، تقدم 7 من أعضاء البرلمان (هم: جوديث سارجينتيني، كلاوس بوشنر، باربارا لوشبيهلر، برونيس روبي، إرنيت أورتاسون، إيجول شولتز، هايدي هوتالا، نيابة عن مجموعة فيرتز/ إيه إل إي)، بمشروع قرار يتضمن طلباً بضم قضية الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني” إلى مناقشات حقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون الملحقة بالقانون رقم (135) الخاص بقوانين الإجراءات، وتمت مناقشة المشروع وتعديله وإعادة تقديمه في التاسع من مارس 2016، من جانب عدد كبير من الأعضاء، وتمت الموافقة على المشروع المعدل في العاشر من مارس  2016(1)، بأغلبية كاسحة، وكان الدافع الرئيس للمشروع والقرار هو قضية “خطف” و”تعذيب” و”قتل” الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني” في العاصمة المصرية القاهرة، وتعدد التقارير التي تشير إلى تورط الأجهزة الأمنية في مصر في هذه العمليات، التي جمعت في حالة واحدة عددا من جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان في مصر التي يتعرض لها آلاف الشباب المصري يوميا بعد انقلاب 3 يوليو 2013، وهي “الخطف”، ثم “الاختفاء القسري”، ثم “التعذيب الجسدي” ثم “القتل”.

وفي هذه القراءة في مضامين المشروع الأول ثم المشروع الثاني والقرار، نسعى للإجابة على عدد من التساؤلات الأساسية: لماذا كانت حالة ريجيني مفصلية سواء في تعامل النظام المصري القائم حالياً معها، أو في رد فعل البرلمان الأوربي، ما جوهر الاختلافات في المضامين بين المشروع الأول والثاني والقرار الذي تم اعتماده فعلياً؟ وما هي دلالات هذه الاختلافات؟ وأخيراً ما هي الأبعاد الجوهرية التي يثيرها القرار، وتداعياتها المختلفة، وكيف يمكن التعاطي معها بفاعلية من جانب القوي السياسية الثورية والحقوقية المصرية؟

وحتى يمكن الإجابة على هذه التساؤلات تم تقسيم هذه الورقة إلى عدة محاور أساسية، وذلك على النحو التالي:

المحور الأول: خصوصية قضية ريجيني:

في 7 مارس الحالي، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالاً مهما بعنوان “لماذا ينظر الأمن المصري لريجيني كتهديد”(2)، أشار المقال إلى أن أنباء وفاة ريجيني جاءت بمثابة صدمة عميقة بالنسبة لأي شخص يمارس البحث في مصر، مثلما كان يفعل ريجيني، وذكر كاتب المقال (الذي يمارس أيضا البحث الأكاديمي في موضوعات مشابهة) ما نصه “كنت أعتقد أن جنسيتي الأجنبية تقدم لي بعض الحماية من الأشكال المفرطة للانتهاكات الجسدية”. وأضاف: “منذ عام 2011، درستُ كيف تتصور القوات الأمنية المصرية التهديدات، وتختار أهدافها، وقمت بفهرسة ممارسات الإكراه الأمني، ومراجعة وثائق إدارية، وتحدثت مع نشطاء سياسيين، بينهم قيادات عمالية وأعضاء سابقين بالقوات الأمنية. ومن خلال بحثي، علمت شيئين، الأول: “أن القوات الأمنية تولي اهتماما وثيقا لعلامات التسييس داخل أوساط الحركة العمالية”، والثاني: “أن القوات الأمنية تمتلك أفكارا مختلفة بشأن أسباب الحشد الشعبي”، منها “متآمرين أجانب، لا سيما حركة حماس”.

وخلص الكاتب إلى القول إن: “موت ريجيني يلقي الضوء على الصعوبات المتعلقة بالسلامة في ظل المناخ الحالي”. “إن العمل الميداني يتطلب التبحر في بيئة نادرا ما تعتقد الشرطة فيها أن الباحثين يجرون أبحاثهم من أجل البحث. ويتطلب ذلك أيضا ممارسة أنشطة تغذي مخاوف الأمن، مثلما حدث في هذه المأساة”.

وفي إطار هذه المضامين يمكن القول أن حالة الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني” كانت كاشفة للشعوب الأوربية بشكل صادم، عن جانب بسيط مما يتعرض له النشطاء السياسيون في مصر من انتهاكات، حيث تجسدت فيها بالصدفة معظم الانتهاكات الممنهجة التي تقوم بها مؤسسات الحكم في مصر، سواء أمنية كانت أو عسكرية داعمة أو حقوقية أو قضائية، أو إعلامية تقوم باستكمال المشهد، في التضليل والتزييف وتشويه الحقائق.

لقد تجدست في حالة ريجيني الصورة المتكاملة لما يعيشه عشرات الآلاف في مصر، ابتداءً من الخطف من جانب الأجهزة الأمنية، خارج نطاق القانون، ثم الإخفاء القسري، ثم التعذيب والانتهاكات، ثم القتل، وما كان ريجيني إلا حالة واحدة من بين عشرات الآلاف من الحالات المشابهة والمتطابقة معها حرفياً في كافة التفاصيل بين كل النشطاء من مختلف التيارات السياسية المناهضة للانقلاب العسكري منذ 3 يوليو 2013، وحتى اليوم.

ومع هذه الخصوصية، تأتي أهمية الوقوف على مضامين مشروع القرار الأوربي ثم النص الرسمي للقرار الذي صدر فعلياً، لبيان تأثير حالة ريجيني في إعادة توجيه رؤي صانعي القرار في المجتمعات الأوربية، حتى ولو بشكل جزئي.

 

المحور الثاني: قراءة في حيثيات المشروع والقرار الأوربيين:

تعامل البرلمان الأوربي بلهجة أكثر قوة وحدة في حالة ريجيني مقارنة بالقرار السابق الصادر في 17 ديسمبر 2015 حول “إبراهيم حلاوة”، المعتقل المصري الأصل الأيرلندي الجنسية، منذ أغسطس 2016، أشار مشروع القرار الأولي (8 مارس) إلى ما حدث في 3 يوليو أنه “انقلاب عسكري”(since the military coup of July 2013)، بينما تغير النص في تعديل (9 مارس) إلى “أخذ العسكر للسلطة” (military take over)، وهو التعبير الأقل حدة لوصف الانقلاب. ولمتابعة ذلك يمكن الإشارة للأتي:

أولاً: في مشروع 8 مارس كانت التعبيرات شديدة اللهجة، وتتبني ضرورة اتخاذ موقف حاسم من النظام المصري، بينما جاء تعديل مصر أقل حدة ويتحدث مثلا عن “التعبير عن القلق”، إلا أنه في الحالتين يعكس حالة من تنامي الغضب الأوربي تجاه النظام في مصر، على خلفية قضية ريجيني، خاصة وأن مشروع 8 مارس، تناول أسباب هذا الغضب، حيث نص رسمياً في الحيثيات على:

“د-وحيث أن ريجيني كان يجري بحثا في القاهرة يتعلق بتطورات النقابات المهنية المستقلة؛ وحيث يوجد ما يقرب من ألف باحث أجنبي يقيمون في مصر، منتسبون إلى جامعات خاصة وحكومية.

هـ-ولأن قضية جوليو ريجيني أعقبت قائمة طويلة من الاختفاءات القسرية التي حدثت في مصر منذ انقلاب يوليو 2013؛ وحيث إنه في 2015 أعلنت اللجنة المصرية للحقوق والحريات عن اختفاء 1700 شخص على أيدي قوات الأمن الحكومية؛ وحيث إن تلك الممارسات تحدث في مناخ لا توجد فيه مساءلة على الإطلاق وإفلات تام من العقاب تقريبًا؛ وحيث إنه في صيف 2015 أوردت مجموعة عاملة تابعة للأمم المتحدة عن الاختفاء القسري أنها رفعت تقريرا للسلطات المصرية عن حالات 66 شخصًا لاتخاذ إجراءات عاجلة”…. الخ.

ثانياً: في حيثيات مشروع القرار أيضا، نجد أنه في الوقت الذي تطرق فيه مقترح 8 مارس إلى ” الخطاب المفتوح الموقع من أكثر من 4600 أكاديمي حول العالم، يطلبون تحقيقًا في الموت البشع لجوليو ريجيني وعن الأعداد المتزايدة من الاختفاء القسري في مصر”، تطرق قرار البرلمان إلى “البيان الصادر عن اللجنة المصرية للحقوق والحريات التي ذكرت اختفاء 1700 شخصاً على يد قوات أمن الدولة في عام 2015″، وهنا كان القرار أقوي، لأنه بهذه الإشارة يوثق فعلياً وجود حالات اختفاء 1700 شخصاً.

ثالثاً: في حيثيات القرار تمت الإشارة في النسختين إلى تصريحات وزير الداخلية الإيطالي حول ما تعرض له ريجيني نصياً، ورفض التعامل مع ما قالت به أجهزة الأمن المصرية في هذا السياق، فجاء النص: “إن فحص الجثة أظهر تعرضه لـ “شيء ما لا إنساني، ومعاملة حيوانية، وعنف غير مقبول”.

ولكن كان نص مشروع 8 مارس أقوي، حيث تطرق فعلياً للتشكيك في الروايات المصرية للحادث والإيحاء في تورط الأجهزة المصري، وهنا نص المشروع على: “ج- وحيث أن مساعد وزير العدل المصري لشئون الطب الشرعي رفض التقارير الإعلامية التي تزعم أن أحد كبار المحققين قد شهد أن جوليو ريجيني قد تعرض لتعذيب ممنهج لأكثر من سبعة أيام، وحيث أن المنطقة التي عثر فيها على جثة السيد ريجيني بها وجود أمني مكثف وكذلك نقاط تفتيش، وحيث أورد العديد من المراقبين عن النشاطات المكثفة للشرطة قبل الذكرى الخامسة للثورة؛ وحيث أن الشرطة الإيطالية أخطرت بأن هناك شاهدا موثوقا به قد شهد أن السيد ريجيني قد تم توقيفه على يد ضباط أمن بالملابس المدنية عشية اختفائه، وحيث أن العديد من وسائل الإعلام الإيطالية والمراقبون الآخرين يشككون في تورط الاستخبارات المصرية أو الأجهزة الأمنية في ذلك؛ وحيث أن وزير الخارجية المصري ذكر مزاعم بأن مثل ذلك التورط هو مجرد “تكهنات واتهامات وتلميحات غير مبررة وبدون أي دليل”.

رابعاً: في الوقت الذي نص المشروع بقوة على حالات الاختفاء وانتهاكات حقوق الإنسان في مصر (الفقرات، د، ه)، اكتفي القرار بالنص على: “أن حالة ريجيني تتبع قائمة طويلة من حالات الاختفاء القسري التي حدثت في مصر منذ يوليو 2013، وهذه الحالات لم تعاقب (فقرة ه)”، وتجاهل نص القرار ما تضمنه المشروع الأصلي عن تورط الأجهزة الأمنية في هذه العمليات، وتقرير المجموعة التابعة للأمم المتحدة حول حالات 66 شخصاً من الاختفاء القسري لاتخاذ إجراءات عاجلة.

خامساً: تضمن المشروع انتهاكات الحكومة المصرية وأنها نفذت حملة واسعة النطاق من الاعتقالات التعسفية لمنتقديها، بينهم صحفيين، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وأعضاء بجماعة الإخوان المسلمين” (فقرة و)، تجاهل القرار مثل هذا النص بالمطلق ولم يتطرق للحديث عما تعرضت له جماعة الإخوان، مكتفياً بالنص على ما أسماه “أعضاء من الحركات السياسية والاجتماعية” (فقرة و).

سادساً: تضمن المشروع الأصلي للقرار توسعاً في توصيف انتهاكات الحكومة المصرية، فنص على: “وحيث أن طبيعة القمع المحلي المستمرة حاليًا وعدد معتقلي الرأي والسجناء السياسيين والصحفيين المعتقلين في مصر غير مسبوقة منذ سبعينيات القرن الماضي؛ وحيث إن إبراهيم حلاوة البالغ من العمر 19 عامًا ويحمل الجنسية الأيرلندية وصنفته منظمة العفو الدولية كسجين رأي، ومن المحتمل أن يواجه عقوبة الإعدام ضمن المحاكمات الجماعية ل494 متهم بسبب اشتراكة في مظاهرة في وسط القاهرة في أغسطس 2013؛ وحيث إن محاكمته قد تم تأجيلها 12 مرة حتى الآن، وحيث لا يوجد أي تقدم ملموس منذ تبني البرلمان الأوروبي قرارا عاجلا بشأن قضيته” (فقرة و). “وحيث أنه طبقًا لتقارير غير منشورة لمنظمات غير حكومية أن هناك 600 شخص حكم عليهم بالإعدام في 2014، بما فيهم 72% من تلك الحالات بسبب اشتراكهم في تظاهرات مؤيدة للديموقراطية؛ وحيث عقدت على الأقل 15 محاكمة جماعية منذ مارس 2014، والتي شهدت مئات من الأحكام بالإعدام أصدرت في وقت واحد” (فقرة ز). وهو ما تجاهله القرار النهائي بالكامل، مكتفياً بالإشارة في الفقرة (ز) إلى ما يقوم به مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي وما يتعرض له من تهديد بالإغلاق، رغم أن دور المركز كان “هاماً جداً في علاج ضحايا العنف والتعذيب، وكان حاسماً في توفير المعلومات عن التعذيب والقتل وأسوأ الانتهاكات في الاحتجاز” (وفق النص الرسمي للقرار).

سابعاً: تضمن النص الرسمي للقرار، في الفقرة (ك) إشارة لافتة لها دلالاتها في تفسير لماذا خرج القرار بهذا الشكل الأقل حدة مقارنة بالمشروع الأصلي، حيث ذكر: “أن مصر تواجه الإرهاب من مختلف المنظمات الجهادية الناشطة في مصر خصوصاً في سيناء، والتي لها علاقات مع الدولة الإسلامية والمنظمات الإرهابية الأخرى العاملة في الأزمة الليبية، وأن الصراع الذي يجري في ليبيا له تأثير مباشر على أمن مصر، وأن هذه الأزمة المستمرة تشكل قلقاً بالغاً لدول الاتحاد الأوربي وإيطاليا على وجه الخصوص”.

وهذا النص يعكس بما لا يدع مجالاً للشك تأثير الاعتبارات السياسية على القرار الصادر عن البرلمان الأوربي، على الرغم من أن هذا القرار صادر بالأساس عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، ولكن جاءت الاعتبارات السياسية، وكأنها تقدم المبرر للنظام العسكري الحاكم في مصر لما يقوم به. علماً أن ما نص عليه القرار من اعتبارات سياسية، غير دقيق، وأن النظام المصري هو الذي يشكل تهديداً للأمن في ليبيا وليس العكس، كما أنه ليس هناك ارتباط بين “الجماعات العاملة في سيناء” وتلك العاملة في ليبيا، لاعتبارات جغرافية وعسكرية كبيرة تحول دون ذلك، وأن الممارسات القمعية للمؤسسات الأمنية المصرية هي التي تسبب تزايد معدلات التطرف والإرهاب كما قال المشروع الأصلي نفسه.

 

المحور الثالث: نصوص القرارات:

في ظل هذه الاعتبارات التي تضمنتها الحيثيات جاءت الفجوة الكبيرة بين نص المشروع الأول (8 مارس)، والنص الرسمي للقرار (10 مارس)، وهو ما يبرز من خلال المقارنات التالية:

أولاً: الموقف من ريجيني:

فيما يتعلق بالموقف من ريجيني، نص المشروع على أنه “نعبر عن غضبنا عن حالة الاختطاف والتعذيب الوحشي وقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، ويعبر البرلمان عن تعاطفه العميق وتعازيه لعائلته” (مادة 1)، بينا كان القرار أشد حيث استخدم عبارة “يدين بشدة تعذيب واغتيال المواطن الأوربي ريجيني في ظروف مريبة”.

ثانياً: الموقف من الانتهاكات في مصر:

في المواد (من 2 إلى 22) تضمن المشروع وصفاً دقيقاً وموثقاً بالأسماء لجانب من الانتهاكات التي تشهدها مصر منذ انقلاب 3 يوليو وحتى الآن، وذلك على النحو التالي:

“2-يدعو البرلمان الأوروبي السلطات المصرية أن تجري تحقيقًا سريعا ومستقلا ومحايدا وفاعلا في قضية السيد ريجيني، ويصر على أن السلطات المصرية يجب أن تتعرف وتحاكم أولئك المسئولين عن تلك الجريمة الشنيعة؛ وتؤكد في هذا الصدد على بيان السلطات المصرية بأن القاهرة سوف تجري تحقيقا شاملا وتتعاون بصورة كاملة مع الحكومة الإيطالية في تلك القضية.

3-التأكيد على القلق البالغ من أن قضية جوليو ريجيني ليست حادث منفصل، لكنه حدث في سياق تقارير تفيد بوقوع الكثير من حالات التعذيب في أماكن احتجاز الشرطة وحالات أخرى من الموت في السجون والاختفاءات القسرية في ظل القيادة السياسية الحالية. (وفي هذا تحميل مباشر للمسئولية للسيسي)

4-نعتبر أن قتل السيد ريجيني، والذي يأتي في ظل خلفية من تصاعد الشكوك حول زيارات الأجانب لمصر، يرسل رسائل مخيفة لكل أولئك الذين في أوروبا وغيرها والذين يرغبون في بناء علاقات مع المجتمع المصري وللترويج لفهم أفضل للبلاد.

5-نظل نعبر عن قلقنا العميق من الوضع الإجمالي لحقوق الإنسان في مصر، وبخاصة تعميم حالات القمع ضد منظمات المجتمع المدني، والوحشية المستمرة من الشرطة والجيش، والمضايقات الأمنية وحالات الاعتقال الجماعي والتعذيب الممنهج والانتهاكات داخل أماكن الاعتقال والإجراءات الجنائية الصورية ضد مئات الأفراد من كافة الخلفيات السياسية، فقط كرد على ممارساتهم السلمية لحقوقهم الأساسية للتعبير عن معارضتهم، ويدعو البرلمان السلطات المصرية أن تحترم بشدة الضمانات الدستورية في العلاقة بين تلك الحريات.

6-يدعو البرلمان، مرة ثانية، للإطلاق العاجل وغير المشروط لسراح كافة السجناء المعتقلين والمحكومين فقط بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي، بما في ذلك المدافعين عن حقوق الإنسان مثل ماهينور المصري وآية حجازي ومحمود حسين وأحمد عبد الرحمن وأحمد سعيد؛ ويدعو السلطات لوقف كافة إجراءات الحظر التي لا أساس لها لحركة 6 أبريل والعقوبات ضد أعضائها، بما في ذلك أحمد ماهر ومحمد عادل.

7-نشجب حالات حظر السفر لترويع ومضايقة ووضع قيود على أعمال المدافعين عن حقوق الإنسان بالإضافة إلى الصحفيين والمحامين في مصر؛ ويدعو البرلمان السلطات المصرية لسحب كافة إجراءات حظر السفر المفروضة على عدد من كبار المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، بما في ذلك حسام بهجت وإسراء عبد الفتاح، ناصر أمين، عمر الحاذق، محمد لطفي، جمال عيد، حسام الدين علي، أحمد غنيم وباسم سمير.

8-ندعو مجلس النواب الجديد إلى الإلغاء العاجل لقانون التظاهر القمعي الذي صدر في نوفمبر 2013، والذي جرى استغلاله لقمع كافة أشكال الاحتجاج السلمي، وكذلك قانون عام 1914 الخاص بالتجمع؛ وندعو كذلك لمراجعة كافة التشريعات القمعية الأخرى التي تتعارض مع الدستور المصري، بينها قانون الإرهاب، وقانون الكيانات الإرهابية، والذي يستخدمهه النظام للقمع الداخلي بدلا من تحسين الأمن العام، بالإضافة إلى قانون الجمعيات.

9-يعبر البرلمان عن قلقه العميق بشأن تدهور حالة البيئة الإعلامية ويدعو إلى إطلاق السراح الفوري وسحب كافة الإدانات الخاطئة ضد كل ممتهني الإعلام والمدونين الذين تم اعتقالهم أو إدانتهم فقط لأنهم يمارسون نشاطاتهم المشروعة، بما في ذلك محمود عبد النبي، محمود أبو زيد (شوكان)، سامح مصطفى، أحمد فؤاد، عبد الرحمن شاهين، يوسف شعبان، هشام جعفر، إسراء الطويل وإسماعيل الإسكندراني، بالإضافة إلى مؤلف الروايات أحمد ناجي.

10-يؤكد مرة ثانية على قلقه العميق بأن استمرار الاعتقال التعسفي للمواطن الأيرلندي إبراهيم حلاوة في مصر ويدعو مرة ثانية إلى إطلاق سراحه الفوري؛ ويدعو قسم الشئون الخارجية الأوروبي إلى أن تراقب عن كثب محاكمته وأن تقدم تقريرها للبرلمان، وأن تحث السلطات المصرية كذلك على تحويل محاكمته إلى محكمة الأحداث، توافقًا مع القانون المصري المحلي والقانون الدولي الملزم لها.

11-يكرر البرلمان امتعاضه الشديد من إصدار أحكام إعدام جماعية ضد المؤيدين المزعومين للإخوان المسلمين، بعد محاكمات غير عادلة بصورة صادمة.

12-يعبر البرلمان عن قلقه بشأن انتشار التعذيب في مراكز الاعتقال في مصر؛ ويدعو السلطات المصرية إلى محاكمة كافة الضباط المتورطين في ممارسات إجرامية متعلقة بالتعذيب والاختفاء القسري، والسماح للمنظمات المصرية والدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر أن يسمح لها بالوصول الكامل لكافة أماكن الاعتقال وإلى كافة المسجونين المعتقلين فيها؛ وكذلك يعبر البرلمان عن قلقه الكبير من حالات الإضراب عن الطعام التي تجري في السجون المصرية، مثل سجن العقرب.

13-يستهجن بشدة التهديد بإغلاق مركز النديم لعلاج ضحايا العنف والتعذيب؛ ويدعو بالإلغاء العاجل وغير المشروط للأمر الإداري بإغلاقه، بما يبدو أنه يهدف فقط إلى معاقبة عمله الشرعي في مجال حقوق الإنسان.

14- يؤكد على أن حالات القمع الواسعة الانتشار والمستمرة في مصر ستمنع أي توجه يتعلق بعودة العلاقات الأوروبية الطبيعية مع مصر، بل إنه يتطلب مراجعة شاملة وعميقة لعلاقة الاتحاد الأوروبي مع القاهرة؛ ويدعو البرلمان إلى تبني عاجل وسريع لتوصيات قسم الشئون الخارجية الأوروبي، والتي يجب أن تحتوي على إجراءات فاعلة ومركزة كاستجابة إلى الوضع في البلاد؛ وتعارض أية مبادرات جديدة فيما يتعلق بعلاقات الاتحاد الأوروبي مع السلطات المصرية قبل عملية مراجعة هذه السياسات ، وإلى وجود أي تقدم ملموس فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان.

15-يعتبر البرلمان أن قتل جوليو ريجيني يجب أن يكون بمثابة دعوة استيقاظ قسم الشئون الخارجية الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للتوقف عن قصر نظرها وتوجهها المخادع في الحديث عن القوات الأمنية المصرية كضمان للاستقرار وأنها شريكة لقتال التطرف العنيف والإرهاب في المنطقة.

16-يدعو إلى وقف أي نوع من أنواع التعاون الأمني والمساعدات مع السلطات المصرية، طالما أن جهازها الأمني مستمر في إذكاء التطرف والأصولية العنيفة عبر انتهاكاته الممنهجة المرتكبة بأمان كامل من العقاب.

17-يستنكر البرلمان التعاون الأمني المستمر وصفقات السلاح التي تجريها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة مع مصر، والتي تعارض الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بصادرات السلاح؛ والذي يدعو إلى حظر أوروبي موسع على صادرات أي نوع من المعدات الأمنية والعسكرية إلى مصر.

18-يدعو البرلمان المفوضية العليا لعمل تقارير عن الحالة الراهنة للتعاون العسكري والأمني مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع النظام المصري، وعن نتائج مراجعة الدول الأعضاء لمساعداتها الأمنية لمصر، كما هو مقرر من مجلس الشئون الخارجية في أغسطس 2013.

19- لا يزال البرلمان مستاءً من رد الفعل العام للمفوضية الأوروبية العليا للشئون الخارجية والدول الأعضاء بأن عمليات القمع الممنهجة على كافة حركات حقوق الإنسان المصرية، والتي جاءت أقل كثيرًا من التزامات الاتحاد الأوروبي، وبخاصة فيما يتعلق بإرشادات الاتحاد الأوروبي بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان؛ وتتوقع من الاتحاد الأوروبي، وبخاصة المفوضية العليا ونائب الرئيس لحقوق الإنسان والوفد الأوروبي لدى القاهرة، لتصعيد ردود فعله المعلنة بشأن أية انتهاكات من النظام المصري ضد المدافعين عن حقوق والإنسان والأصوات المعارضة الأخرى، لضمان التواصل المستمر معهم، ولدعم أولئك الذين يتعرضون للخطر أو معتقلين ومراقبة محاكماتهم بصورة شاملة، ويؤكد على أن زيارات السجون تعد أداة حاسمة في أيدي الاتحاد الأوروبي لتطبيق سياساتها لحقوق الإنسان، كما هو موضح في مختلف إرشادات الاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان.

20-يعبر البرلمان عن قلقه البالغ بشأن التقارير عن استمرار التحقيقات مع 37 منظمة مصرية وطنية لعلاقاتها بالتمويل الأجنبي، بالإضافة إلى التحقيقات بشأن المؤسسات الأجنبية؛ وتتوقع من قسم الشئون الخارجية أن تطور استراتيجية عاجلة فيما يتعلق بتلك القضية، والتي تهدد معظم ناشطي المجتمع المدني البارزين في البلاد.

21-تدعو قسم الشئون الخارجية والدول الأعضاء إلى إثارة قضيتي الاختفاء القسري والتعذيب اللذان يمارسان بصورة روتينية الآن، وبخاصة على يد عملاء وكالة الأمن الوطني، والضغط من أجل إجراء تحقيقات نزيهة ومستقلة في كافة قضايا التعذيب والموت في السجون، بالإضافة إلى إصلاح فاعل لجهاز الأمن والقضاء.

22-يدعو البرلمان الاتحاد الأوروبي لتبني قائمة بسجناء الرأي المصريين، والذين سوف يشكل مصيرهم مستقبل العلاقات المصرية الأوروبية”.

وفي مواجهة هذه النصوص الواضحة والحاسمة والتفصيلية التي تضمنها المشروع، جاءت نصوص القرار الرسمي المناظرة لهذه النصوص على النحو التالي:

“3-التأكيد على القلق البالغ من أن قضية جوليو ريجيني ليست بالحادث (المنعزل)، لكنه حدث في سياق من حالات التعذيب والموت في السجون والاختفاءات القسرية عبر أنحاء مصر في السنوات الأخيرة، في انتهاك واضح للمادة 2 من اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي التي تنص على ان العلاقات بين الجانبين تعتمد على احترام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يمثل عنصرا أساسيا للاتفاقية. ولذلك ندعو “قسم الشئون الخارجية” الأوروبي، والدول الأعضاء أن تثير مع السلطات المصرية مسألة الممارسة الروتينية للاختفاء القسري والتعذيب، والضغط من أجل إصلاحات مؤثرة للجهاز الأمني والقضاء.

4-نعبر عن قلقنا العميق بشأن التهديد الوشيك بإغلاق مركز النديم، وندعو إلى التراجع السريع عن الأمر الإداري بإغلاقه.

5-نعبر عن قلقنا إزاء التحرش المستمر بـ “اللجنة المصرية للحقوق والحريات” بسبب دورها الواضح في حملة “أوقفوا التعذيب القسري في مصر”.

6-تذكير السلطات المصرية بالتزاماتها القانونية المحلية والدولية، ودعوتها إلى وضع أولوية لحماية والترويج لحقوق الإنسان، والتيقن من المساءلة بشأن الانتهاكات المتعلقة بتلك الحقوق.

وندعو مجددا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن كافة المواطنين المحتجزين وكذلك الصادر ضدهم أحكام لمجرد ممارستهم حقهم في التعبير والتجمع السلمي، بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان، وإعلاميين، ومدونين. كما ندعو السلطات المصرية إلى التيقن من حق المحاكمات العادلة، بما يتوافق مع المعايير الدولية.

7-ندعو حكومة مصر إلى ضمان العمل الحر للمنظمات المدنية المحلية والدولية والنقابات المستقلة، دون تدخل أو تخويف، كما نطالب السلطات المصرية بإلغاء قرارات حظر السفر المفروضة على عدد من مدافعي حقوق الإنسان البارزين.

 

ثالثاً: تحديد المسؤوليات عن الانتهاكات وإجراءات المواجهة:

في الوقت الذي حرص فيه مشروع 8 مارس على بيان الانتهاكات التي تشهدها مصر، وعلى الإشارة بأصبع الاتهام لبعض الجهات بشكل مباشر أو غير مباشر (19 مادة من إجمالي 23)، فإنه اكتفي فيما يتعلق بالمسؤوليات والإجراءات بالنص عليها في 3 مواد فقط (21، 22، 23)، وذلك على النحو التالي:

21-تدعو قسم الشئون الخارجية والدول الأعضاء إلى إثارة قضيتي الاختفاء القسري والتعذيب اللذان يمارسان بصورة روتينية الآن، وبخاصة على يد عملاء وكالة الأمن الوطني، والضغط من أجل إجراء تحقيقات نزيهة ومستقلة في كافة قضايا التعذيب والموت في السجون، بالإضافة إلى إصلاح فاعل للجهاز الأمني والقضاء.

22-يدعو البرلمان الاتحاد الأوروبي لتبني قائمة بسجناء الرأي المصريين، والذين سوف يشكل مصيرهم مستقبل العلاقات المصرية الأوروبية.

23-يدعو البرلمان رئيسه لتقديم هذا القرار إلى مجلس الاتحاد الأوروبي وإلى المفوضية وإلى نائب الرئيس للمفوضية والممثل السامي للاتحاد لسياسات الأمن والسياسة الخارجية، وإلى البرلمانات وحكومات الدول الأعضاء وإلى رئيس وحكومة جمهورية مصر العربية وإلى اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب”.

هذا في الوقت الذي توسع فيه القرار الرسمي في الحديث عن الإجراءات، التي اتسمت بالعمومية، والسطحية، وعدم الحزم والحسم في مواجهة الانتهاكات الفعلية التي تشهدها مصر (7 مواد، من إجمالي 14 مادة)، وذلك على النحو التالي:

8-نأمل أن يشكل الدستور الجديد الذي تم إقراره يومي 14 و15 يناير 2014، ولا سيما المواد 52 و73 و93 خطوة هامة نحو الانتقال إلى الديمقراطية.

9-ندعو مجلس النواب الجديد إلى إجراء مراجعة عاجلة لقانون التظاهر القمعي الذي صدر في نوفمبر 2013، والذي جرى استغلاله لقمع كافة أشكال الاحتجاج السلمي، وكذلك قانون التجمع. وندعو كذلك لمراجعة كافة التشريعات القمعية الأخرى التي تنتهك الدستور المصري، بينها قانون الإرهاب، وقانون الكيانات الإرهابية، والذي قد يساء استخدامه في حدوث قمع داخلي بدلا من تحسين الأمن الجماعي. ويؤكد البرلمان الأوروبي على استعداده، بالمشاركة مع السلطات المصرية، لدراسة إمكانية تطوير برنامج “بناء قدرات” للبرلمان المصري.

10-التشديد على أنه فقط من خلال بناء مجتمع يتسم بالتعددية واحترام تنوع وجهات النظر وأنماط الحياة يمكن تحقيق استقرار طويل المدى في مصر وإرساء الأمن. وندعو السلطات المصرية إلى الالتزام بإجراء حوار مصالحة، وجمع كافة القوى غير العنيفة معا، بما فيهم الإسلاميين السلميين من أجل إعادة بناء الثقة في السياسة والاقتصاد في عملية سياسية شاملة.

11-التأكيد على أهمية تعاون الاتحاد الأوروبي مع مصر كجارة وشريكة هامة، وللدور الذي تلعبه في تأكيد الاستقرار بالمنطقة. ونشارك الشعب المصري قلقه إزاء التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تواجه البلد والمنطقة. وندين الهجمات الإرهابية على المدنيين والجيش.

12-ندعو الاتحاد الأوروبي، لا سيما الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، وبعثة الاتحاد الأوروبي في القاهرة إلى التأكد من إجراء محادثات متبادلة منتظمة مع المدافعين عن حقوق الإنسان وباقي الأصوات المعارضة، من أجل دعم هؤلاء الذين يواجهون المخاطر، أو يقبعون في الاحتجاز، ورصد محاكماتهم بطريقة شاملة.

13-حث الدول الأعضاء على التمسك الكامل بنتائج مجلس الشؤون الخارجية في أغسطس 2013 المتعلق بتصدير تكنولوجيا ومعدات عسكرية والتعاون الأمني. وندعو إلى وقف صادرات أجهزة المراقبة عندما يكون هنالك دليل على استخدامها في انتهاكات حقوق الإنسان. وندعو الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية إلى إعداد تقرير عن الحالة الحالية لتعاون الدول الأعضاء العسكري والأمني مع مصر، وتطوير خارطة طريق بالتشاور الوثيق مع البرلمان الأوروبي لتحديد خطوات ملموسة تتخذها السلطات المصرية من أجل تحسين ملحوظ لوضع حقوق الإنسان، وتحقيق إصلاحات قضائية شاملة، قبل دراسة إعادة تقييم نتائج مجلس الشؤون الخارجية التي صدرت في أغسطس 2013.

14-تكليف رئيس البرلمان الأوروبي بإرسال هذا القرار إل كل من مجلس الشؤون الخارجية والممثل الأعلى للاتحاد الأوربي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية، وبرلمانات وحكومات الدول الأعضاء، والرئيس المصري والحكومة المصرية واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب”.

وهي النصوص التي فرغت مشروع القرار الذي تم تقديمه في 8 مارس من أغلب مضمونه.

المستوي الثالث: بين مشروع قوي وقرار متخاذل:

من واقع المقارنة بين النصين، يتضح جلياً، وجود فجوات كبيرة يمكن معها القول إننا كنا إزاء “مشروع قوي” و”قرار متخاذل”، تؤكد ذلك الشواهد التالية:

1ـ الإشارة الصريحة للانقلاب في المشروع وإغفالها في القرار النهائي،

2ـ إشارة المشروع لجماعة الإخوان وما تتعرض لها، وتجاهل هذا في القرار.

3ـ تعدد الأسماء والحالات الفردية التي تعرضت للانتهاكات، وتناولها المشروع بتوسع، بينما تجاهلها القرار بشكل كامل.

4ـ أشار المشروع بوضوح إلى مسؤولية القيادة الحالية (قاصداً السيسي) عن هذه الانتهاكات، بينما أغفل القرار هذا التحديد، وتحدث عن الجهات الأمنية والمؤسسات القضائية.

5ـ استخدم المشروع ألفاظاً قوية سواء في وصف الانتهاكات أو في تحديد المسؤوليات عنها، بينما اكتفي القرار بألفاظ مبهمة غير واضحة، تراوحت بين “نأمل، ندعو، نحث،”.

5ـ تطرق المشروع لأحكام الإعدام الجماعية، الصادرة بحق مؤيدي وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وفق محاكمات ظالمة وصادمة، بينما تجاهل القرار أي نص أو إشارة لهذه الأحكام.

6ـ نص المشروع وبحسم على “مراجعة شاملة وعميقة لعلاقة الاتحاد الأوروبي مع القاهرة؛ ويدعو البرلمان إلى تبني عاجل وسريع لتوصيات مجلس الشئون الخارجية الأوروبية، والتي يجب أن تحتوي على إجراءات فاعلة ومركزة كاستجابة إلى الوضع في البلاد”، وهو ما اختفت الإشارة إليه بالكامل في نص القرار.

7ـ نص المشروع على دعوة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للتوقف عن الحديث عن القوات الأمنية المصرية كضمان للاستقرار وأنها شريكة في قتال التطرف المسلح والإرهاب في المنطقة، وهو ما غاب عن نص القرار (هذه النقطة تنزع الحجة ممن يعطون الشرعية للسيسي من قبل المجتمع الدولي بحجة مكافحته للإرهاب).

وهذه النقطة تحديداً، يجب التوقف عندها بوضوح، للتأكيد على أن هذه الزاوية كانت محوراً للعديد من المناقشات التي شاركت فيها بشكل شخصي، وقدمت هذه الوجهة من النظر للعديد من المسؤولين الأوربيين في العديد من المناسبات، وجاء النص عليها في مشروع القرار، ليؤكد مصداقية وموضوعية ما ذهبنا إليه، ولكن للأسف غابت عن نص القرار، وبطبيعة الحال الاعتبارات بل الضغوط السياسية، غير بعيدة عن تفسير هذا الغياب.

8ـ دعا المشروع إلى “وقف أي نوع من التعاون الأمني والمساعدات مع السلطات المصرية، طالما أن جهازها الأمني مستمر في إذكاء التطرف والأصولية العنيفة عبر انتهاكاته الممنهجة المرتكبة بأمان كامل من العقاب” (مادة 16) – وهو أيضا ما يدعم ما نقوله دوما، أن نظام السيسي لا يحارب الإرهاب وإنما يصنعه)، وكذلك إلى “حظر أوروبي موسع على صادرات أي نوع من مساعدات المعدات الأمنية والعسكرية إلى مصر” (مادة 17)، مشيراً تحديداً في هذا السياق إلى صادرات فرنسا والمملكة المتحدة، وألمانيا، وهو ما اختفي من القرار.

9ـ أن النص في المادة العاشرة من القرار على “ندعو السلطات المصرية إلى الالتزام بإجراء حوار مصالحة، وجمع كافة القوى غير العنيفة معا، بينهم الإسلاميين السلميين من أجل إعادة بناء الثقة في السياسة والاقتصاد في عملية سياسية شاملة”، ليس له علاقة من قريب أو من بعيد بالقضية محل الاهتمام، في مشروع القرار، بل إنها جاءت “كاشفة ودالة”؛ “كاشفة” على تأثير الاعتبارات السياسية على تعاطي البرلمان الأوربي مع هذا الملف الحقوقي. و”دالة”، على قناعة أوربا بعجز هذا النظام وفشله في إدارة الأوضاع في مصر بعد الانقلاب، وأن مصر يمكن أن تشكل خطراً كبيراً إذا لم تستقر الأوضاع فيها، وهو ما أكده نص الفقرة الأخيرة من مادة (10) في القرار: “مصر كجارة وشريكة هامة، وللدور الذي تلعبه في تأكيد الاستقرار بالمنطقة، ونشارك الشعب المصري قلقه إزاء التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تواجه البلد والمنطقة”.

10. كلا النصين (المشروع الأصلي والقرار) أغفل في الإشارة للانتهاكات أن من المختطفين والمحكوم عليهم بالإعدام رئيس دولة منتخب، ورئيس برلمان قبض عليه مساء يوم الانقلاب، وعدد كبير من زملائهم النواب المنتخبين.

 

خاتمة:

من واقع هذه المقارنات والنصوص الرسمية للمشروع والقرار الرسمي، ورغم التراجع الكبير في لغة ومضمون القرار، إلا أنه يبقي خطوة على الطريق نحو كشف حقائق هذا النظام وممارساته، خطوة نحو تغيير مواقف الأطراف الدولية، دول ومنظمات، من هذا النظام، وإدراك ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية ليس فقط في مصر ولكن في المنطقة برمتها، حال استمرار هذا النظام.

ولكن هذا لن يتحقق إلا من خلال تبني عدد من الإجراءات والضوابط الأساسية، وفق خطة تحرك واضحة من جانب القوى السياسية الثورية عامة، والمنظمات الحقوقية خاصة، ومن ذلك:

1ـ التواصل مع النواب الذين قدموا المشروع الأول، بصيغته الأولي، ومدهم بالوثائق التي تؤكد ما ذهبوا إليه، حتى يستمروا صوتاً قوياً في التعبير عن التوجهات التي ذهبوا إليها.

2ـ تحديد خريطة الاتجاهات التي ظهرت في البرلمان الأوربي، ووضع خريطة للحركة في التعاطي معها، بموضوعية وعقلانية وشفافية لتوسيع دائرة الدعم داخله.

3ـ بذل مزيد من الجهود في التوثيق للانتهاكات الحقوقية التي يقوم بها النظام، انطلاقًاً من كون هذا الملف، يمكن أن يكون الأكثر تأثيراً في تغيير التوجهات السياسية لدي المنظمات البرلمانية والنيابية ومؤسسات الرأي العام الدولي، فضلا على أنه ليس محل خلاف من أي نوع بين القوى السياسية المختلفة.

4ـ التأكيد على الترابط بين كل مسارات الفعل والحركة الخارجية، السياسية والدبلوماسية والحقوقية، والشعبية، في مواجهة الانقلاب العسكري، وجرائم النظام الحاكم في مصر.

5ـ التأكيد على أن مثل هذا الحراك ليس بديلاً للحراك الشعبي الثوري في الداخل، ولكنه أداة داعمة له، في كفاحنا نحو استعادة الشرعية والديمقراطية، واستكمال أهداف ثورة يناير 2011.

————————————–

الهامش

(1) لمراجعة نص القرار الصادر في 10 مارس، الموقع الرسمي للبرلمان الأوربي، الرابط، تاريخ الزيارة 14 مارس 2016.

(2) Jean Lachapelle, Why did Egyptian security see Giulio Regeni as a threat? Washington Post, 7 March 2016, link, visit 14-3-2016.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close