fbpx
دراساتاقتصاد

الاقتصاد المصري بعد الانقلاب العسكري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة

الوضع الاقتصادي في مصر يمثل أحد أهم نقاط الضعف التي يعاني منها الانقلاب العسكري، حيث لا زالت معدلات النمو متدنية، و تقل عن 2 %، وهي نسبة لا تتواكب ومتطلبات الزيادة السكانية الحالية، التي وصل معدلها لـ 2.6%، والمفترض أن تكون نسبة النمو بالناتج المحلي الإجمالي ثلاث أضعاف معدلات الزيادة السكانية.

انعكس ذلك في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، كما فاقم من أزمة التمويل التي يعاني منها الاقتصاد المصري، سواء فيما يتعلق بالدين العام بشقيه (المحلي + الخارجي)، أو الفجوة التمويلية على المستوى القومي، حيث بلغ معدل الادخار القومي 6 % مع نهاية عام 2013/2014، ونحو 14 % للاستثمار كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. ويزيد من مشكلة مصر مع تدني معدل نمو الناتج بها، أن الاستهلاك يمثل قوام الناتج بنسبة تتجاوز الـ 90 %.

وعلى الرغم من المساعدات الخليجية (الإمارات، والسعودية، والكويت)، فإن الاقتصاد المصري لم يستطع أن يعيش حتى حالة من التعافي، فقد وصل الدين العام المحلي بنهاية يونيو 2014 إلى 1.9 تريليون جنيه، وبما يمثل 95.5 % من الناتج المحلي، مع توسع ملحوظ في الاستدانة من الخارج، وبخاصة من خلال اتفاقيات مع البنك الدولي، وبعض دول الخليج. وثمة نقطة ضعف لابد من الإشارة إليها، نظرًا لأهميتها، وهي أن النظام يصر على اتباع نفس السياسات الاقتصادية المتبعة أيام مبارك، بل ويستدعي رجال النظام من الاقتصاديين على الصعيدين التنفيذي ورجال الأعمال.

وقد دفع النظام إلى هذا ضغوط رجال الأعمال من السعودية والإمارات، لارتباط الكثير منهم بقضايا محل نزاع مع الحكومة المصرية، بخصوص الشركات والمشروعات والأراضي التي حصلوا عليها، إبان عصر مبارك، وصدرت بشأنها أحكام قضائية ببطلان العقود الخاصة بها. فضلًا عن رغبتهم في الحصول على مزايا أخرى في مجالات العقارات والسياحة والمشروعات الإنتاجية في مجال الغذاء، ومجال الخدمات المالية وخدمات الموانئ.

وكان النظام يروج لإمكانيات نجاحه من خلال الدعم المفتوح من قبل الدول الخليجية، ولكن الواقع أثبت عكس ذلك، حيث تخلت الدول الخليجية عن دعمها بمعدلات كبيرة في العام الثاني من الانقلاب، حيث دفعت في العام الأول ما يزيد عن 20 مليار دولار، ولكنها في العام الثاني قدمت بعض المساعدات البسيطة مقارنة بما قدمته في العام الأول، وأعلنت عن مؤتمر المانحين، المنتظر انعقاده في مارس القادم، بدعم من المؤسسات الدولية ودول الخليج.

وأياً كانت نتائج المؤتمر المنتظر، فإن الأزمة الاقتصادية في مصر تتطلب سنوات عجاف، وترشيد الانفاق العام، والبحث في امكانية تخفف مصر من أعباء مديونياتها، والبحث عن مصادر ذاتية لاحتياطياتها من النقد الأجنبي.

وإن كان توجه الاعتماد على الخارج من خلال الاستثمار يحمل بين طياته عوامل فشله، فإذا كانت الحكومة المصرية في ظل الانقلاب تخاطب الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد فقدت أهم ما يجذب هذا الاستثمار من الطاقة الرخيصة وكذلك الأيد العاملة الرخيصة، فضلًا عن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني.

وبعد عام ونصف من عمر الانقلاب نجد أنه من المناسب تقويم الوضع الاقتصادي، من خلال تناول السياسات الاقتصادية المتبعة، ونتائجها على أرض الواقع، من خلال رصد أداء المؤشرات الاقتصادية المختلفة.

أولاً: السياسة النقدية

  • سعر الصرف:

بلغ سعر صرف الدولار في يوليو 2013 نحو 7 جنيهات، وفي نفس الشهر من عام 2014 بلغ 7.14 جنيه للدولار، بما يعني وجود انخفاض في قيمة الجنيه المصري بالسوق الرسمية نحو 2 %. ولكن في السوق السوداء كانت هناك فوارق كبيرة ساعدت على ازدهار هذه السوق، وصل هذا الفارق بين السوق الرسمية والسوق الموازنة بحدود 25 قرش – 35 قرش (وصلت الى أكثر من 60 قرشا في منتصف ديسمبر 2014). وهو ما يعني أن نسبة الانخفاض في قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار في تزايد بالسوق السوداء، وبما يعادل نسبة 5 %. وفي منتصف نوفمبر 2014 زادت هذت النسبة لتصل إلى 8.5 %.

ويرجع السبب في انخفاض قيمة الجنيه المصري تجاه الدولار لمجموعة من الأسباب، أهمها انخفاض احتياطي النقد الأجنبي المصري، لمعدلات غير مسبوقة، واعتماده على الودائع الخليجية والتركية والليبية، ووجود مكون ذاتي ضئيل لا يتجاوز 3.2 مليار دولار، عبارة عن الرصيد الذهبي بالبنك المركزي.

و يرجع كذلك الى استمرار تزايد الواردات المصرية، مما مثل وجود ضغط مستمر على الطلب من الدولار بالجهاز المصرفي، الذي لم يستطع توفير متطلبات الاستيراد بشكل دائم وفوري، مما جعل المستوردين يلجأون لتدبير احتياجاتهم من النقد الأجنبي من السوق السوداء.

أيضًا تراجع تدفقات النقد الأجنبي لمصر من أهم المصادر مثل السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر و تحويلات المصريين العاملين بالخارج، ووجود تحول جديد في الميزان التجاري للنفط، حيث أسفرت النتائج النهائية لهذا الميزان على مدار السنوات الماضية بعد ثورة 25 يناير عن وجود عجز، بعد أن كان يحقق فوائض فيما قبل.

ومن الظواهر الملفتة خلال السنوات الماضية كذلك اتجه البعض للدولرة مرة أخرة، في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة الجنيه المصري، وتذبذب أداء أسعار الفائدة في غير صالح المدخرات بالجنيه المصري، مما أفقد تحويلات العاملين بالخارج واحدة من أهم مميزاتها.

ومن المتوقع أن تستمر موجة انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار وباقي العملات الأجنبية خلال المرحلة القادمة، وبنحو 10 % سنويًا في المتوسط، ما لم تتحسن إيرادات السياحة، بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، التي تشهدها مصر، ولا يتوقع لها أن تنتهي في القريب العاجل. أو يحدث تحول ملموس في طبيعة وقيمة الواردات المصرية، بما يؤدي إلى انخفاض الطلب على الدولار، ويحسن من النشاط الإنتاجي في الاقتصاد المصري، وأن يتم تأجيل سداد ودائع الدول الخليجية وتركيا وليبيا لفترات طويلة، تسمح لصانع السياسة النقدية، أن يطمئن على استقرار احتياطي النقد الأجنبي، ويمارس آلية السوق المفتوحة لتحقيق استقرار في سعر صرف الجنيه المصري.

  • سعر الفائدة:

يؤدي سعر الفائدة أدوار مختلفة في طبيعة النشاط الاقتصادي، في ظل اقتصاد يتجه نحو اقتصاديات السوق، فهو أحد الأدوات المهمة في تحديد قرار الاستثمار والادخار، كما أنه يلعب دورًا مهمًا في أداء الموازنة العامة إيجابًا وسلبًا، ولكن ينبغي أن نذكر أنه ليس المحدد الوحيد، ولكنه ضمن مجموعة الآليات المهمة التي تساهم في اتجاهات المتغيرات الاقتصادية المختلفة، مثل الاستثمار والادخار والاستهلاك.

ومع بداية حدوث الانقلاب في مصر، لوحظ ما يمكن أن نسميه تدخل من قبل الحكومة في تحديد سعر الفائدة، من أجل تخفيض تكلفة الدين العام، فتم تخفيض سعر الإقراض في أغسطس 2013 بواقع 0.5 % على الإيداع والاقتراض، وكذلك في سبتمبر وديسمبر من نفس العام ليصل سعر الفائدة على الودائع 8.25 %، وعلى الإقراض 9.25 %. واستمر هذا التخفيض حتى يوليو 2014، حيث تم العودة لرفع سعر الفائدة، ليصل على الودائع 9.25 % وعلى الإقراض 10.25 % 2. وبذلك تحقق للحكومة ميزة الاقتراض الرخيص في ظل استمرار اقتراضها الاسبوعي من الجهاز المصرفي، وهو ما أظهر نتائج الحساب الختامي، بتوفير 9 مليارات جنيه في تكلفة الاقراض الحكومي.

ترتب على تخفيض سعر الفائدة بالنسبة للأفراد، أن انخفضت ثرواتهم المدخرة بالجهاز المصرفي، نظرًا للفارق بين سعر الفائدة السائد بالجهاز المصرفي ومعدل التضخم الذي تجاوز 12 % خلال الفترة، ووصل في بعض الأشهر إلى 14 %. ومما زاد من الآثار السلبية لقرار تخفيض سعر الفائدة، عدم مرونة جهاز الإنتاج والاستثمار للاستفادة من الإقراض الرخيص، وذلك بسبب حالة الركود التي عمت الاقتصاد المصري خلال الفترة.

إلا أن عودة ارتفاع سعر الفائدة مرة أخرى في يوليو 2014، ثم في أكتوبر 2014، لتصل لنحو 12 % على بعض الأوعية الادخارية لتتعادل مع العائد على سندات اكتتاب تمويل توسعة قناة السويس، قد عاد مرة أخرى بالآثار السلبية على الموازنة العامة للدولة، لتزداد تكلفة الاقتراض من الجهاز المصرفي. ومما يدلل على حالة الاضطراب التي أحدثتها قرارات سعر الفائدة، ما تظهره بيانات وزارة المالية من انخفاض المدخرات المحلية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2013/2014 لتصل إلى 5.2 %، بينما الاستثمارات المحلية وصلت إلى نسبة 14 % من الناتج المحلي الإجمالي. وكلا المؤشرين سلبي ويعبر عن فجوة تمويلية كبيرة في مصر، وكذلك لا ينبئ بتحقيق معدلات ملموسة في نمو الناتج المحلي الإجمالي.

  • معدل التضخم:

التضخم نتيجة طبيعية لقوة أو ضعف الاقتصاد القومي، ويعكس واقع الاقتصاد المصري وجود التضخم من جانبي العرض والطلب، ففي الوقت الذي ترتفع فيه تكلفة الإنتاج نتيجة لرفع الدعم عن الطاقة وارتفاع سعر الفائدة، نجد الحكومة تستمر في طباعة النقود دون وجود غطاء ذهبي أو احتياطي كاف من النقد الأجنبي، أو تحقيق أداء مرضي في معدلات النمو الاقتصادي.

بيانات المتوسطات الشهرية لفترة ما بعد الانقلاب العسكري تشير إلى بلوغ معدل التضخم لـ 10.1 % في سبتمبر 2013، وانخفض في يونيو 2014 إلى 8.2 %، ثم عاود الارتفاع في الشهور التالية الى 11 % في يوليو 2014، و11.5 أغسطس 2014، و11.1 % سبتمبر 2014 3.

وكما ذكرنا فإن أسباب ارتفاع معدلات التضخم يرجع أحد أسبابه لقيام البنك المركزي بطباعة نقود دون غطاء، وحسب بيانات البنك المركز المصري، فإن إجمالي النقد المصدر في يونيو 2013 بلغ 264 مليار جنيه، وارتفع إلى 299 مليار جنيه في أغسطس 2014، وهو ما يعني طباعة 35 مليار جنيه خلال عام وشهرين4 .

ومما يؤدي إلى مساهمة التضخم المستورد في ارتفاع معدلات التضخم في مصر، أنه منذ فترة طويلة تمثل الواردات المصرية ضعف الصادرات، وحسب بيانات البنك المركزي المصري فإن إجمالي التبادل التجاري السلعي لمصر بلغ بنهاية العام المالي 2013/2014، ما قيمته 85.9 مليار دولار، منها واردات بقيمة 59.8 مليار دولار، وصادرات بقيمة 26.1 مليار دولار، وهو ما يعني وجود عجز في الميزان التجاري يصل إلى 33.7 مليار دولار، أي أن الصادرات المصرية أقل من نصف الواردات في نفس العام، بل تمثل فقط 43.6% من إجمالي الواردات.

ومن جانب أخر فإن الناتج المحلي الإجمالي لا يزال يعتمد على الاستهلاك أكثر من الإنتاج، وخلال الفترة الماضية وصل مكون الاستهلاك في الناتج المحلي الإجمالي لمصر لنحو 90 %. وهي نسبة بلا شك تعكس مدى قابلية معدلات التضخم في مصر للارتفاع.

ويقف صانع السياسة الاقتصادية عاجزًا أمام مواجهة التضخم، نظرًا لتعارض متطلبات السياسة النقدية التي تذهب إلى رفع سعر الفائدة لامتصاص فائض السيولة الفائض بالسوق أو الحد من الاستهلاك بالمجتمع، بسبب تعارض ذلك مع متطلبات الاستثمار وارتفاع تكلفة الإنتاج، أو زيادة تكلفة الاقتراض الحكومي الذي يتزايد بشكل فاق الحدود المسموح بها، وذلك بوصول الدين العام المحلي إلى نسبة 95.5 % من الناتج المحلي الإجمالي.

  • احتياطي النقد الأجنبي:

تناقص احتياطي النقد الأجنبي بمصر منذ نهاية عام 2010، من 36 مليار دولار، إلى 15.8 مليار دولار في نهاية نوفمبر 2014. ولكن الفارق بين الفترتين، أن الاحتياطي مع نهاية ديسمبر 2010، كان يمثل تدفقات من النقد الأجنبي، بغض النظر عن مصدرها الريعي، بينما في سبتمبر 2014، فإن معظم مكونات احتياطي النقد الأجنبي المصري، تتكون من ودائع لحكومات خليجية وليبيا وتركيا، وأن المكون الذاتي المصري من احتياطي النقد الأجنبي، يكاد يقتصر على الرصيد الذهبي الذي لا تزيد قيمته عن حدود 3.2 مليار دولار.

ويعاني احتياطي النقد الأجنبي منذ وقوع الانقلاب العسكري في مصر من ضغوط بسبب التزامات مصر الخارجية، المتمثلة في سداد فاتورة الواردات الحكومية، والتزامات مصر نصف السنوية تجاه ديون نادي باريس بواقع 650 مليون دولار كل 6 أشهر، وكذلك الضغط الذي تمثله فاتورة الطاقة، وكذلك رد الودائع المستحقة لقطر بالدولار.

فعلى الرغم من المعونات العينية من النفط على مدار عام 2013/2014 والبالغة 53 مليار جنيه مصري، مثلت سداد التزامات مصر تجاه شركات النفط الأجنبية ضغوطًا،أُضطرت الحكومة المصرية للاقتراض من البنوك المحلية بنحو 1.4 مليار دولار في أكتوبر 2014، ويتم الترتيب لاقتراض 1.5 مليار دولار أخرى لسدادها لنفس الشركات. وحسب تصريحات وزير الكهرباء المصري، فإن اللجوء إلى الاقتراض لسداد هذه الديون، يأتي بسبب عدم التأثير السلبي على احتياطي النقد الأجنبي، وهو ما يعني أن الضغوط على احتياطي النقد الأجنبي ستظل مستمرة، ما بقيت مشكلة الطاقة في مصر، وكذلك تراجع تدفقات النقد الأجنبي من المصادر المعتادة، وعلى رأسها السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة و تحويلات المصريين في الخارج.

ثانياً: السياسة المالية

  • الدين العام:
  • الدين العام المحلي: بلغ الدين العام المحلي نهاية يونيو 2014، ما قيمته 1908 مليار جنيه مصري5 ، مقارنة بـ 1527 مليار جنيه نهاية يونيو 2013، وبذلك يكون الدين العام المحلي قد زاد بقيمة 381 مليار جنيه خلال عام، وبنسبة قدرها 19.9 % من قيمة الدين العام المحلي في نهاية يونيو 2013.

مع ملاحظة أن الفترة من يوليو 2014 وحتى الآن، ستشهد زيادة كبيرة في قيمة الدين العام المحلي، بسبب الاكتتاب الخاص بتوسعة قناة السويس، والذي بلغ 60 مليار جنيه، وكذلك قرض الهيئة العامة للبترول من البنوك المحلية بقيمة 10 مليار جنيه، لسداد مستحقات شركات النفط الأجنبية، بقيمة (1.4 مليار دولار)، ومن المتوقع أن يتجاوز الدين العام المحلي قيمة الـ 2 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2014، بسبب استمرار الحكومة في إصدار سندات وأذون خزانة بغرض سداد متطلبات الموازنة، وما يقوم به البنك المركزي من طباعة للنقود، نظير سندات دين على الحكومة.

خطورة مسلك الحكومة بالتوسع في زيادة الدين العام المحلي، هو بلوغه مراحل متقدمة من الخطر، فنسبته للناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2014، 95.5 %. وسوف تتجاوز هذه النسبة 100 % من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية ديسمبر القادم.

  • الدين العام الخارجي: بلغت قيمة الدين الخارجي نهاية يونيو 2014 ما قيمته 46.06 مليار دولار، مقارنة بـ 43.23 مليار دولار في نهاية يونيو 2013. وهو ما يعني زيادة الدين الخارجي بقيمة 2.8 مليار دولار خلال الفترة، وبما يمثل نسبة 8.1 % من قيمة الدين الخارجي في نهاية يونيو 2013. وفي ظل إبرام الحكومة لعدة اتفاقيات مع البنك الدولي بعد يوليو 2014، وكذلك سعيها لإصدار سندات دولية بقيمة 1.5 مليار دولار، فمن المنتظر أن يقفز حجم الدين الخارجي إلى حاجز الـ 50 مليار دولار.

وفي ضوء البيانات الفعلية بنهاية يونيو 2014، نجد أن الدين العام بمكونيه (المحلي + الخارجي) قد بلغت قيمته 2.2 تريليون جنيه مصري، وهو ما يعادل نسبة 112 % من الناتج المحلي الإجمالي في ذلك التاريخ، ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة بمعدلات أكبر مما هي عليه بنهاية ديسمبر 2014.

ومن خلال أداء النمو الاقتصادي المتواضع، وحتى في ضوء النسب المستهدفة من قبل الحكومة بنحو 3.5%، سوف تستمر أزمة المديونية ضاغطة على أداء الاقتصاد الحكومي المتعلق بالموازنة العامة للدولة، وبالتالي ستظل الخدمات العامة في إطار أدائها الرديء، ومن الصعوبة بمكان تحسين أدائها، ووجود مرودود على مستوى معيشة المواطن المصري.

  • عجز الموازنة:

انخفض عجز الموازنة العامة بنهاية العام المالي 2013/2014، ليصل إلى 12.8% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بانخفاض نسبته 13.7% بنهاية يونيو 2013. ولكن هذا الانخفاض البالغ نسبه 0.9 %، كان نتيجة مساعدات غير مسبوقة في مجال المنح الخارجية لمصر، حيث حصلت مصر على 96 مليار جنيه مصر خلال العام المالي الأول للانقلاب العسكري 2014/2014، منها 76 مليار منح عينية ونقدية من دول الخليج (السعودية، الإمارات، الكويت) بالإضافة إلى الحصول على 20 مليار جنيه من تسييل وديعة حكومية، تم ربطها من معونات زلزال 92 بقيمة 8.6 مليار دولار.

ولا يتوقع أن تستمر المعونات الخليجية في التدفق لإنقاذ الموازنة العامة من العجز المحقق، فبيانات الحساب الختامي للربع الأول من العام المالي 2014/2015 تشير إلى العجز بلغ نسبة 2.7 % من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن لابد أن نأخذ في الاعتبار أن البيانات الخاص بفترة ربع السنة، عادة ما تكون مبدئية، وتشهد زيادات فيما بعد، نظرًا للتشابكات المالية، وتأخر بعض المدفوعات الحكومية.

ومن الصعوبة بمكان الوصول لمعدلات منخفضة خلال العام المالي 2014/2015 عما تحقق خلال العام المالي 2013/2014، وذلك بسبب انخفاض المعونات الخارجية، ومن جهة أخرى فإن التوسع في الدين العام سيكون له تبعاته على عجز الموازنة، وأن ما قامت به الحكومة من خلال تخفيض مخصصات الدعم بالموازنة بنحو 51 مليار جنيه، لن يؤثر إيجابيًا على خفض عجز الموازنة، فأول تكلفة إضافية على الموازنة لم تكن ضمن مشروعها، هي نحو 13.5 مليار جنيه، عبارة عن تجنيب 12 مليار جنيه لسداد أصل دين الاكتتاب بتوسعة قناة السويس، ونحو 1.5 مليار جنيه تكلفة العائد على هذه الأموال، فضلًا عن ارتفاع سعر الفائدة بنحو 1 %، مما يعني زيادة تكلفة الاقتراض الحكومي من الجهاز المصرفي بنحو 10 مليار جنيه مصري.

وخلاصة الأمر بالنسبة لعجز الموازنة، أنه سيستمر خلال المرحلة القادمة، وبمعدلات كبيرة تتجاوز معدل الـ 10 %، طالما بقيت الموازنة العامة بأعبائها الحتمية، وكذلك معدلات النمو الاقتصادي المتواضعة.

  • الضرائب:

اتجهت الحكومة المصرية لسن حزمة من التشريعات الضريبية مع اعتماد مشروع موازنة العامة المالي 2014/2015، منها الضريبة العقارية، والضريبة على الدخل، والضريبة على تعاملات البورصة، وفي أحسن الأحوال يتوقع أن تحقق هذه الحزمة مجتمعة نحو 10 مليار جنيه زيادة في الإيرادات الضريبية. مع الأخذ في الاعتبار أن الضريبة الخاصة بالدخل، هي ضريبة مؤقتة لمدة 3 سنوات، وقد تستبدلها الحكومة بضريبة دائمة خلال الفترة القادمة، أو تلجأ إلى فرض ضرائب جديدة. مما يعني فقدان مناخ الاستثمار بمصر لأهم مميزاته، وهي الطاقة الرخيصة، والإعفاءات الضريبة، ومن خلال أزمة الطاقة اتجهت الحكومة لرفع الدعم عن الصناعات ذات الاستهلاك كثيف استخدام الطاقة، وكذلك خلال السنوات الثلاث القادمة سترفع دعم الطاقة بالكامل، والتوجه نحو فرض المزيد من الضرائب من شأنه أن يكون عبء على الاستثمار.

وتشير بيانات الحساب الختامي للعام المالي 2013/2014 إلى أن إجمالي ما تحصل من ضرائب بلغ 260 مليار جنيه، بزيادة نسبتها 3.7 % عن العام السابق، وأن الضرائب العامة بلغت 120.9 مليار جنيه، والضرائب على المبيعات (السلع والخدمات) بلغت 92 مليار جنيه، وأن حصيلة الجمارك كانت بحدود 17.7 مليار جنيه.

ويلاحظ أن النسبة الأكبر في البنود المختلفة للضرائب المصرية، من حيث الزيادة كانت في ضرائب المرتبات، حيث بلغت هذه الزيادة 14 %، وذلك نظرًا لما حدث من ضم العلاوات الخاصة للسنوات الخمس الماضية للمرتبات، وإدراج الزيادات الخاصة بعلاوة الحد الأدنى للمرتبات للعاملين بالحكومة.

ولكن لا يزال هيكل الضرائب في مصر يعاني من خلل واضح، حيث إن الضرائب غير المباشرة تكاد تتجاوز الضرائب المباشرة، وحتى الضرائب المباشرة تعاني من خلل مساهمة الهيئات الاقتصادية وقطاع الأعمال العام بالنسبة الأكبر من الضرائب، فوفق بيانات عام 2013/2014، فإن الهيئة العامة للبترول وحدها تدفع 51 % من الضرائب الخاصة بالشركات، وإذا أضيفت إليها ضرائب قناة السويس فسوف تصل هذه النسبة إلى 60 % من الضرائب المستحقة على الشركات. فإجمالي المتحصل من الضرائب على الشركات المساهمة التابعة لقطاع الأعمال العام والخاص لا يزيد عن 25 مليار جنيه 6.

وينعكس هذا الخلل على أداء الموازنة العامة للدولة، حيث تمثل الضرائب 66 % من إجمالي الإيرادات العامة. ويتطلب الأمر القضاء على الفساد في الجهاز الضريبي، وتحقيق عدالة ضريبية بين الشرائح المختلفة للمجتمع، وأن يكون هناك تطبيق حقيقي للضريبة التصاعدية بما لا يؤدي إلى تأثيرات سلبية في الأجل القصير على الاستثمارات، أو التهرب الضريبي.

  • الدعم:

اتجهت الحكومة المصرية مع قضية الدعم عبر تقليص مخصصاته، بداًء من تخفيض مخصصات دعم المواد البترولية وبنود أخرى، بنحو 51 مليار جنيه، وأيضا مما قد يساعد على تراجع دعم المواد البترولية بشكل ملموس خلال العام المالي 2014/2015، تراجع أسعار النفط في السوق الدولية، حيث اعتمدت موازنة عام 2014/2015 على سعر 105 دولار برميل النفط، بينما الأسعار الحالية ومنذ بداية العام المالي أخذة في التراجع، حتى وصلت إلى 60 دولار للبرميل.

ولكن لابد أن ينظر للأمر من اتجاهين، الأول أن الصادرات النفطية المصرية سوف تتأثر هي الأخرى بهذا الانخفاض، وهو ما يعني أن يستمر العجز في الميزان النفطي على ما هو عليه، مما يجعل انخفاض أسعار النفط يفقد ميزته على واقع الموازنة العامة. والامر الثاني أن حالة مصر المالية لا تمكنها من الدفع نقدًا وبالتالي سوف تشترى النفط وفق آلية الائتمان، مما يعني زيادة أسعار واردات النفط المصرية بأعلى مما هو عليه الوضع في السوق العالمية.

أيضًا سيظل دعم السلع التموينية ودعم المزارعين في تزايد بسبب الاعتماد على الاستيراد لتوفير السلع المدعومة في هذا المجال، وكذلك تقديم دعم القمح المحلي، والذي يصل لنحو 3.3 مليار جنيه مصري. وقد تتجه الحكومة لتقليص هذا الدعم بشكل أكبر خلال العام المالي المقبل، ولكن يخشى التداعيات الاجتماعية التي ستصاحب هذه الخطوة، وإن لم تكن مترجمة في شكل احتجاجات من قبل الفقراء، إلا أنها بلا شك ستزيد من شريحة الفقراء في مصر.

ووفق بيانات الحساب الختامي للعام المالي 2013/2014، فإن مخصصات الدعم بلغت 187.7 مليار جنيه، بزيادة قدرها 10 % عن عام 2012/2013، وكذلك بلغت مخصصات دعم البترول 126 مليار جنيه بزيادة قدرها 5.1 % عن العام السابق، وبلغ دعم السلع التموينية 35.5 مليار جنيه، بزيادة قدرها 9 % عن العام السابق، بينما بلغ دعم المزارعين 625.8 مليون جنيه فقط.

وبالاطلاع على بيانات موازنة العام المالي 2014/2015 نجد أن مخصصات الدعم تبلغ 178.6 مليار جنيه، بانخفاض قدره 10 مليار جنيه عما هو متحقق فعليًا بنهاية 2013/2014. وفي حالة قيام الحكومة بتنفيذ برنامجها تجاه تخفيض مخصصات دعم الطاقة خلال العام المالي 2015/2016، بنحو 25 %، فإننا أمام تخفيض في فاتورة الدعم، ولكن سيواجه ذلك بموجات تضخمية عالية، بسبب مساهمة تكلفة النقل بنحو 30 % من تكلفة السلع في مصر، فضلًا عن التضخم الذي سيشمل باقي السلع والخدمات، وفي نفس الوقت لا يصاحب ارتفاع معدلات التضخم تحسن في الأجور والمرتبات.

ثالثاً: السياسة التجارية

  • عجز الميزان التجاري

لا يعد العجز بالميزان التجاري مجرد رقم حسابي، ولكنه يعكس جزءا كبيرا من الأداء الاقتصادي للدولة، واستمرار العجز بالميزان التجاري والتكريس له، يعد نوعًا من التبعية للخارج، وبخاصة إذا ما كان هذا العجز ناتجًا عن استيراد السلع الأساسية والاستراتيجية، كما هو الحال في مصر لاستيراد القمح، ومستلزمات الإنتاج والعدد والآلات.

وقد ساعد على استمرار العجز التجاري لمصر، مجموعة من العوامل، منها السياسة الاقتصادية التي بُنيت على أساس التخلي عن سياسة “إحلال محل الواردات”، وإطلاق العنان للاستيراد، بغض النظر عما يعكسه ذلك من محاربة للصناعات المحلية والتغاضي عن عمليات الإغراق التي شملت العديد من الصناعات المحلية، بحجة حرية التجارة.

كما أن بعض الصناعات التي قامت في مصر باستثمارات أجنبية، لم يُشترط عليها استخدام نسب معينة من مكونات محلية، كما لم تستهدف هذه الصناعات تنمية الصناعات المحلية المغذية. ولا تزال صادرات مصر تعتمد بشكل كبير على المواد الأولية، والصناعات التقليدية، لذلك لا يوجد أثر للقيمة المضافة العالية في مكون الصادرات المصرية.

ويمكن استقراء ضعف الصادرات المصرية مقارنة بالواردات، والتأكيد على حقيقة أن الصادرات المصرية قد تبلغ 50 % من قيمة الواردات المصرية أو دون ذلك، من خلال الاطلاع على بيانات التبادل التجاري عن الفترة 2008/2009 – 2013/2014.

القيمة بالمليار دولار

المصدر: الجدول من إعداد الباحث من خلال البيانات المنشورة في: وزارة المالية المصرية، التقرير المالي الشهرية، أكتوبر 2014، ص 65.

ويلاحظ من الجدول ما يلي:

  • أن الصادرات المصرية ظلت على ما هي عليه ببلوغ نسبة 50 % أو أقل من الواردات خلال الفترة.
  • أن عام 2009/2010، شهد تراجعًا في قيمة الصادرات والواردات مقارنة بالعام السابق عليه لاعتبارات الأزمة المالية العالمية فتراجعت الصادرات بنحو 1.3 مليار دولار، وتراجعت الواردات بنحو 1.4 مليار دولار.
  • أن عام 2012/2013، أي فترة رئاسة د. مرسي، هو العام الوحيد خلال الفترة الذي زادات فيه الصادرات وانخفضت فيه الواردات، ولذلك تراجع العجز في الميزان التجاري بنفس العام، فازدادت الصادرات بنحو 1.9 مليار دولار، وانخفضت الواردات بنحو 1.6 مليار دولار. وبذلك انخفض العجز التجاري في هذا العام بنحو 3.5 مليار دولار، و هو ما كان من الممكن أن يستمر لولا الانقلاب الذي أعاد الوضع لما كان عليه..
  • أن العجز بالميزان التجاري خلال الفترة أخذ في التزايد، باستثناء عام 2009/2010 لاعتبارات الأزمة المالية العالمية، وفي عام 2012/2013، لاعتبارات تشجيع المنتجات المحلية كسياسة لحكومة د. هشام قنديل، وأبرز دليل تراجع واردات مصر من القمح في هذا العام.
  • تحليل الصادرات والواردات:

تبين الاحصاءات الخاصة بشركاء مصر التجاريين بنهاية العام المالية 2012/2013، أن الاتحاد الأوروبي يمثل الشريك التجاري الأول لمصر، فعلى صعيد الواردات، يمثل الاتحاد الأوروبي نسبة 30.7 % من إجمالي واردات مصر، يليه الدول الأسيوية غير العربية بنسبة 21 %، ثم الدول العربية بنسبة 19.6 %.

أما على صعيد الدول، فتحتل الصين المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة لمصر، يليها أمريكا، ثم المانيا، ثم الإمارات، ثم الكويت، ثم سويسرا. وتمثل هذه الدول مجتمعة نسبة 35.8 % من إجمالي الواردات المصرية في نفس العام.

أما على صعيد الصادرات المصرية، فيحتل الاتحاد الأوروبي كذلك المرتبة الأولى من بين الشركاء التجاريين لمصر، حيث يستوعب نسبة 37.2 % من إجمالي الصادرات المصرية، يليه الدول العربية بنسبة 20 %، ثم الدول الأسيوية غير العربية بنسبة 17.6 %.

أما على صعيد الدول التي تستقبل الصادرات المصرية، فتحتل ايطاليا المرتبة الأولى، ثم أمريكا، ثم الهند، ثم الإمارات، ثم انجلترا، وتستوعب هذه الدول ما نسبته 47.3 % من الصادرات المصرية7 .

ومن خلال هذه البيانات يتبين أن الصادرات المصرية تتسم بالتركيز الشديد من حيث التوزيع الإقليمي، في الاتحاد الأوروبي، ثم الدول الأسيوية غير العربية، ثم الدول العربية. مع ملاحظة أن الدول الخليجية تستأثر بالنصيب الأكبر دون غيرها من الدول العربية في التبادل التجاري مع مصر. وكذلك الحال على مستوى الدول فنجد أن الصين وأمريكا والمانيا وإيطاليا تستحوذ على النصيب الأكبر من التبادل التجاري المصري.

واللافت للنظر، أن الحديث عن التعاون الأفريقي، واتفاقية الكوميسا، لا أثر لها في التبادل التجاري المصري مع العالم الخارجي، وهو ما يمثل نقطة ضعف كبيرة في علاقات مصر التجارية والاقتصادية الخارجية، لما يمثله هذا الأمر من غياب المصلحة مع دول افريقيا بشكل عام، ومع دول حوض النيل بشكل خاص. فإفريقيا تمثل أهمية استراتيجية كبرى لمصر، ولاسيما ما يتعلق بقضية مياه نهر النيل.

وعند تناول التجارة الخارجية لمصر من حيث هيكلها، نجد أن هيكلة التجارة الخارجية لمصر يعاني من ضعف القيمة المضافة، لذلك فرقم الصادرات المصرية في غاية الضعف مقارنة بدول مثل ماليزيا أو تركيا، فبنظر إلى هيكل الصادرات المصرية، نجد أن الصادرات البترولية تمثل نسبة كبيرة من حجم الصادرات، حيث تصل هذه النسبة إلى 46.8 % من إجمالي الصادرات. من بين هذه الصادرات البترولية ما يمثل 25 % من إجمالي الصادرات المصرية يصدر في شكل مواد خام.

وباقي الصادرات السلعية، تمثل السلع المصنعة منها 40.3 %، والسلع والمواد الخام 5.2 %، والسلع نصف المصنعة تمثل 7.7 %8 . ويجب الإشارة إلى أن الملابس الجاهزة تمثل الجانب الأكبر من الصادرات المصرية المصنعة. وهو ما يساهم بشكل كبير في إضعاف القيمة المضافة للصادرات المصرية، حيث تغيب المساهمة الفعالة للصادرات عالية التكنولوجيا.

كما يبين هيكل الواردات مدى تبعية الاقتصاد المصري للخارج، فالمواد الخام في عام 2012/2013 بلغت نسبة 15.1 % من إجمالي الواردات لمصر، والسلع الاستهلاكية بلغت نسبة 22.5 %، والسلع الوسيطة 27.8 %، والسلع الاستثمارية 17.1 %، وكان أغلبها عبارة عن معدات ووسائل انتقال. أما المنتجات البترولية فبلغت نسبتها 16.5 %9 .

فالسلع الاستهلاكية، تستأهل أن يعاد النظر في أمر سياسية مصر التجارية، بحيث يتم رفع معدلات الضرائب والجمارك عليها، بما يشجع على انتاجها، ويقلص الطلب على النقد الأجنبي، ومن جانب أخر، فإن إنتاج هذه السلع محليًا يعني إتاحة فرص عمل، بشكل مستمر في ظل الزيادة السكانية لمصر.

رابعاً: سياسات العمالة والتشغيل

  • البطالة

منذ سبعينيات القرن العشرين، ومصر تعيش مشكلة البطالة بشكل كبير، وإن اختلفت صورتها من البطالة المقنعة في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، إلى البطالة السافرة من التسعينيات وحتى الآن، وإن كانت نسبة البطالة – حسب الاحصاءات الرسمية – قد زادت بعد ثورة 25 يناير لتصل إلى 13.3 % من قوة العمل، بينما كانت قبل الثورة دون حاجز الـ 10 %.

ومؤخرًا نشر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بيانات تفيد تراجع معدل البطالة خلال الربع الثالث من عام 2014 إلى 13.1 % بدلًا من 13.3 % فيما قبل. وإن كانت الشواهد الاقتصادية تدل على غير ذلك.

ظل معدل البطالة مرتفعًا منذ عام 2011 حيث بلغ في نهاية يونيو من نفس العام 11.8 %، ثم وصل إلى 12.6 % في يونيو 2012، ثم إلى 13.3 % على مدار عامي 2013 و2014. وحسب اعتبارات هذه النسب للعاطلين في مصر، نجد أن عددهم يتراوح ما بين 3 مليون عاطل و3.5 مليون عاطل.

وقد انعكست الأوضاع السياسية التي تعيشها مصر بشكل كبير على واقع البطالة، حيث تزداد نسب العاطلين ممن سبق لهم العمل، بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، واضطرار بعض المنشآت إلى الإغلاق، أو العمل بصورة غير منتظمة، فبيانات عام 2013/2014 تظهر أن نسبة العاطلين ممن سبق لهم العمل تصل إلى 33.4 % من إجمالي العاطلين في نهاية يونيو 2014، والبالغ عددهم 3.5 مليون عاطل.

أما من لم يسبق لم العمل من العاطلين فبلغت نسبتهم 66.6 %، وقد يكون هذا الأمر متوافقًا مع الداخلين الجدد لسوق العمل، ولكن الأوضاع التي تعيشها مصر، في ظل تراجع العديد من الأنشطة الاقتصادية، وأبرزها قطاع السياحة قد يطول الوقت بهؤلاء العاطلين، دون التحاقهم بسوق العمل. وقد أدى ارتفاع معدل البطالة بعد الانقلاب إلى اتساع ظاهرة الهجرة غير الشرعية، أو حتى الهجرة للدول غير الآمنة، مثل ليبيا والعراق، وخاصة ليبيا، حيث يلاحظ أنه بعد أن عادت أعداد كبيرة لمصر خلال ارتفاع حدة القتال بين القوى المتناحرة في ليبيا، هاجروا مرة أخرى لليبيا في ظل ظروفها الصعبة بسبب عدم توفر فرص العمل في مصر.

وتعد قضية البطالة واحدة من المشكلات التي تثبت فشل السياسات الاقتصادية في مصر، فعلى الرغم من رصد أسباب الظاهرة ووصف علاجها من قبل المتخصصين على مدار سنوات طويلة، إلا أن الواقع لا ينم عن تفاعل لإنزال أدوات علاج قضية البطالة على أرض الواقع، فلا زالت الجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة تدفع بخريجيها بأعداد هائلة دون أية ترتيبات أو روابط مع احتياجات سوق العمل.

وكذلك عدم وجود خطة واضحة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر كعلاج في الأجل القصير لاستيعاب عدد كبير من العاطلين، حيث تعمل الجهات المعنية بهذا الأمر في جزر منعزلة، وبشكل عشوائي، مما جعل من مشروعات الشباب متناهية الصغر مشكلة في حد ذاتها، لافتقادها لدراسات جدوى حقيقية، فضلًا عن عدم إعداد الشباب لممارسة هذا النشاط.

وحدث ولا حرج عن تراجع دور البنوك، وغياب سياسات التدريب في سوق العمل المصري، واكتفاء الجميع بما يعرف بـ “التدريب لمرة واحدة”، من أجل الحصول على فرصة عمل. أو انصراف البنوك إلى تمويل الدين الحكومي، وعدم الانشغال بالشكل المطلوب لتمويل مشروعات تعني بالتنمية، وبخاصة المشروعات المتوسطة والصغيرة.

  • التشغيل:

التشغيل له دلالات اقتصادية واضحة، حيث تعكس طبيعة القوى العاملة مؤشرات الإنتاجية، والقيمة المضافة للقطاعات المستوعبة للقوى العاملة، وتبلغ قوة العمل في مصر 27.6 مليون فرد، يصل عدد المشتغلين منهم 24.02 مليون فرد10 .

وبالنظر إلى هيكل قوة العمل من المشتغلين نجد أنها تعاني من خلل بين يعكس جوانب سلبية متعددة منها ما يتعلق بالمردود الضعيف للنشاط الاقتصادي لمصر، ومنها ما يتعلق بعدم وجود رابط بين أجهزة التعليم واحتياجات سوق العمل، ومنها ما يتعلق بتدني كفاءة القوى البشرية بمصر.

فعندما ننظر إلى نصيب قطاع الزراعة نجد أنه صاحب أكبر نصيب بين القطاعات الاقتصادية المختلفة من حيث معدلات التشغيل، حيث يستحوذ على نسبة 26.5 % من أعداد المشتغلين11 . وبطبيعة الحال فإن قطاع الزراعة في مصر لا يزال يعمل وفق آلات انتاجية تقليدية، فضلًا عن مشكلات الأراضي الزراعية القديمة، من تفتيت الملكية، وقلة المياه، وغياب توفر البذور والأسمدة وارتفاع تكلفتها، فضلًا عن أن قطاع الزراعة يركز على الإنتاج الأولي، مما أدى إلى وصفه بأنه إنتاج اجتماعي وليس انتاج اقتصادي، بمعنى أنه لا يوجد ترابط بين العمل بقطاع الزراعة ووجود صناعات غذائية تحول مخرجات قطاع الزراعة من سلع إلى منتجات مصنعة، مما يؤدي إلى ارتفاع قيمتها المضاف. ومن جانب أخر فإن العمل بقطاع الزراعة يعد من العمالة الموسمية وليس العمالة الدائمة.

ويأتي بعد قطاع الزراعة من حيث كبر حجم استيعاب العمالة بمصر قطاع خدمات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية بنسبة تصل إلى 12.2 %، ويرفع من قدرة هذا القطاع على استيعاب العمالة وجود عدد كبير من المدارس والمستشفيات والخدمات الاجتماعية الأخرى تحت المظلة الحكومية، حيث لا تزال مساهمة القطاع الخاص في هذه المجالات ضعيفة، ولا ترقى لأن تكون أحد المصادر القادرة على استيعاب أعداد كبيرة من العمالة.

وفي المرتبة الثالثة قطاع الصناعة بنسبة 11.9 %، ثم قطاع التجارة بنسبة 11.5 %، ثم قطاع التشييد والبناء بنسبة 11.4 %. وجميع هذه القطاعات تعتمد بشكل كبير على المجهود العضلي، فضلًا عن ضعف المردود الاقتصادي، والقيمة المضافة الضئيلة. بينما القطاعات التي تعكس درجة عالية من التعليم، مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نجد أنها استحوذت على أقل نسبة من المشتغلين في سوق العمل المصري، وهي 0.8 %12 .

ومما يؤخذ على التصنيف الخاصة بنسبة توزيع المشتغلين بالسوق المصر على القطاعات المختلفة، أنه وضع نسبة كبيرة لا يستهان بها من المشتغلين تحت مسمى “أخرى” بنسبة 14.7 % من المشتغلين، وتعد النسبة الثانية من حيث القيمة بعد قطاع الزراعة، فهل هذه النسبة تخص القطاع غير المنظم؟ المقبول أن تكون “أخرى” بحدود 1 % مثلًا، أم أن تصل النسبة لهذا الحد ثم تصنف هذا التصنيف الضعيف، فمن شأن ذلك أن يتم تضليل الباحث ومتخذ القرار، بشأن تقويم الوضع الحالي، ووضع سياسات التشغيل في المستقبل.

ثمة مدخل آخر يوضح سوء السياسات المتبعة في سوق العمل المصري، فبالاطلاع على تصنيف المشتغلين من حيث المؤهل التعليمي، وجد أن الأميين يمثلون نسبة كبيرة من المشتغلين!! حيث يستحوذون على نسبة 25.3 % من إجمالي المشتغلين ، وقد يرشدنا هذا إلى وجود نوع من الربط بين هذه النسبة وقربها الشديد من نسبة المشتغلين بقطاع الزراعة. بما يجعلنا نصل لنتيجة تحتاج إلى تأكيد وهي أن غالبية العاملين في قطاع الزراعة من الأميين. وفي ظل ارتفاع نسبة الأميين لتصل لنحو ربع المشتغلين، نجد أنه من السهل أن تنخفض كفاءة العمالة المصرية، ويكون أدائها الانتاجي متدني مقارنة بالعمالة في دول أخرى.

ويوضح هيكل المشتغلين في سوق العمل المصري، أن الحاصلين على مؤهل متوسط يحتلون المرتبة الأولى من بين المشتغلين، بنسبة 30.3 %، كما يشكل من هم دون المؤهل المتوسط نسبة كبيرة أيضًا تصل إلى 21.4 %. وتحتاج مصر لرفع كفاءة هذه النوعية من شرائح المشتغلين، باستمرار التدريب، وربط تعليمها في مراحل التأهيل المتوسط وما دونه بالتدريب، وربطها بسوق العمل.

وثمة مشكلة كبيرة ارتبطت بسوق العمل المصري، وهي وجود شريحة كبيرة ممن يطلق عليهم “سوق العمل غير المنظم” حيث يستوعب أعداد كبيرة من المشتغلين بمصر، وبخاصة أولئك الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة، وهم الخريجون الجدد، فبعض التقديرات تذهب إلى أن هذا السوق يستوعب نحو 72 % من الداخلين الجدد لسوق العمل، بينما القطاع الحكومي يستوعب 15 % منهم، والقطاع الخاص يستوعب نسبة 12 % من هذه الشريحة.

وسوق العمل غير المنظم في مصر يعاني من مشكلات ضخمة، منها العمل غير اللائق، وغياب ضمانات الأمن الصناعي، والأجور المتدنية، وعدم وجود الـتأمين الصحي أو الاجتماعي، وعدد ساعات العمل الممتد، والتي قد تصل لـ 12ساعة يوميًا، كوضع طبيعي، وقد تصل لـ 15 ساعة من أجل ساعات العمل الإضافية.

خامساً: سياسات الاستثمار

  • واقع الاستثمار

توضح البيانات الخاصة بختامي العام المالي 2013/2014، أن إجمالي الاستثمارات الحكومية المنفذة بلغ 52.9 مليار جنيه، بمعدل نمو 33.8 % مقابلة بالعام السابق له، ولكن هذه الزيادة يوضحها بيانات وزارة المالية، التي أشارت إلى أن 39.9 مليار جنيه من هذه الاستثمارات أتت من الاعتمادات المدرجة بالموازنة لنفس العام، وأن 13 مليار جنيه أتت من الخطط التحفيزية التي دفعت بها الحكومة خلال العام.

مما يعني أن هذه الزيادة استثنائية وليست دائمة، وفي حالة تراجع الدعم الخارجي خلال العام المالي 2014/2014، من المتوقع أن تتراجع الاستثمارات الحكومية المنفذة.

ولكن عند مراجعة البيان المالي للعام 2013/2014 تبين أن الاستثمارات الحكومية المستهدفة، كانت تقدر بـ 63.6 مليار جنيه، 14

وهو ما يعني أن نسبة التنفيذ تبلغ 83.1 % من المستهدف، وتأتي هذه النسبة في ظل تمويل إضافي للموازنة، والذي أشار إليه بيان الحساب الختامي بتقديم 13 مليار جنيه من خلال حزم التحفيز.

وبالنظر إلى قياس هذه الاستثمارات الحكومية المنفذة من خلال مؤشر آخر، وهو نسبة الإنفاق على الاستثمارات الحكومية إلى إجمالي الإنفاق العام، يتبين أن هذه النسبة لا تزيد عن 7.5 %. وهو ما يدلل على أداء الموازنة العامة لمصر لا يزال أداءًا استهلاكيًا. وأن المردود الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق بالموازنة والبالغ 701.5 مليار جنيه، لا يزال ضعيفًا، ولا يصلح لمواجهة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بالمجتمع المصري، فضلًا عن تردي الخدمات العامة في التعليم والصحة، والمرافق الأساسيةلمياه الشرب والصرف الصحي ووسائل الانتقال.

وبالرجوع لتقرير متابعة الخطة العامة للدولة للعام المالي 2013/2014، نجد أن نسبة الاستثمارات العامة (الحكومية + القطاع الخاص) بحدود 14 % من الناتج المحلي الإجمالي، متراجعة بنسبة 0.2 % عما تحقق في عام 2012/2013.

ومن هذه البيانات يأتي الشك في معدلات النمو الاقتصادي للناتج المعلنة بحدود 2.2 %، فإذا كانت نسبة الاستثمارات العامة كنسبة للناتج قد تراجعت فكيف يؤدي ذلك إلى وجود زيادة في معدلات نمو الناتج المحلي بـ 0.1 %؟

بلغ اجمالي الاستثمارات المنفذة 265.9 مليار جنيه، خلال العام المالي 2013/2014، منها 52.9 مليار جنيه استثمارات حكومية، بنسبة 19.3 % والقطاع الخاص 62.2 %، والهيئات الاقتصادية 9 %، والشركات العامة 9.5 %.

ومن حيث توزيع الاستثمارات المنفذة على القطاعات الاقتصادية خلال العام المالي 2013/2014 وجد أن قطاع الصناعات التحويلية وقطاع النقل والتخزين قد استحوذا على النصيب الأكبر من الاستثمارات المنفذة، بنسبة 13.9 % لكل منهما 15.

وطبيعي أن تكون نسبة النقل والتخزين مرتفعة، لكن ما يحتاج إلى تفسير هو ارتفاع نسبة الصناعات التحويلية، فنصيب الصناعات التحويلية من الاستثمارات المنفذة في عام 2012/2013 كان 10.4 %، وزيادته في هذا العام إلى 13.9 %، غير مبررة في ظل الظروف التي يمر بها الاقتصاد المصري، وبخاصة حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني.

  • الاستثمارات غير المباشرة:

تشير بيانات البورصة المصرية إلى قفز رأس المال السوقي من 322 مليار جنيه في يونيو 2013 إلى 526 مليار جنيه في سبتمبر 2014، وهو ما يعني وجود زيادة قدرها 204 مليار جنيه، وتبلغ هذه الزيادة نسبة 63 % من رأس المال السوقي للبورصة في يونيو 2013.

ولكن يلاحظ أن هذه الزيادة بالكامل تأتي في إطار المضاربة وليس الاستثمار، فتقارير البورصة المصرية عن الفترة من يناير إلى سبتمبر 2014 لم تتضمن أية بيانات عن قيد شركات جديدة أو وجود زيادات في رؤوس أموال الشركات المقيدة بالبورصة، وهو ما يعني انتفاء الاستثمار بالبورصة خلال هذه الفترة.

ولكن تقرير البورصة عن عام 2013، يشير إلى قيد 9 شركات بالبورصة بحجم رؤوس أموال يبلغ 197.2 مليون جنيه مصري، مقابل 11 شركة في عام 2012 برأس مال يبلغ 2.5 مليار جنيه، وينبغي ذكر أن قيد شركات جديدة بالبورصة لا يعني تكوين رؤوس أموال جديدة، ولكن بعضها يكون موجود بالفعل ويمارس نشاطه لسنوات، ولم يدرج في البورصة عند بدء نشاطه.

أما الجديد فيما يتعلق بالاستثمار في عام 2013 فهو زيادة رؤوس الأموال خلال عام 2013 من خلال 24 شركة، والتي بلغت 4.9 مليار جنيه مصري، مقابل زيادة في رؤوس الأموال لـ 22 شركة في عام 2012، بما قيمته 1.2 مليار جنيه16 .

ونظرًا لأن تقارير البورصة الربع سنوية أو النصف سنوية لا تتضمن الإشارة إلى زيادة رؤوس الأموال أو الاكتتابات خلال الفترة، فمن الصعوبة بمكان تحديد عدد الشركات التي قامت بزيادة رأس مالها ومقدار هذه الزيادة خلال النصف الثاني من عام 2013، والتي تخص أداء الحكومة المصرية في ظل الانقلاب.

ولكن بفرض أن هذه الزيادة في رؤوس أموال الشركات قد حصلت بالكامل في ظل الانقلاب فإن هذه الزيادة تمثل نسبة 2.4 % من قيمة الزيادة في رأس المال السوقي بعد الانقلاب والبالغة 204 مليار جنيه، أما إذا تم حساب هذه الزيادة كنسبة من إجمالي رأس المال السوقي للبورصة في نهاية سبتمبر 2014، فتصل إلى 0.93 %.

وبالنظر إلى هيكل رأس المال السوقي بالبورصة نجد أن هناك سيطرة كبيرة لشركات الخدمات والأنشطة غير الإنتاجية أو ذات القيمة المضافة المتواضعة، فإذا نظرنا إلى أكبر 5 قطاعات مساهمة في رأس المال السوقي بالبورصة لوجدنا الآتي: التشييد والبناء 18.1 %، البنوك 16.1 %، الاتصالات 13.9 %، العقارات 10.2 %، الخدمات المالية غير البنوك 9.5 %. 17

  • الاستثمار الأجنبي المباشر:

تبين احصاءات البنك المركزي المصري، أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر في نهاية 2013/2014 وصلت إلى 4.1 مليار دولار، مقارنة بـ 3.7 مليار دولار في عام 2012/2013، محققًا زيادة قدرها 400 مليون دولار18 .

لم تختلف خريطة تدفقات الاستثمار الأجنبي لمصر عما كان عليه الوضع خلال السنوات الماضية، سواء كثرت هذه الاستثمارات لتصل إلى 13 مليار دولار في عام 2007، أو تقلصت لتصل إلى 4 مليار دولار في 2013/2014، فبيانات البنك المركزي المصري عن الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2013، أي النصف الأول من العام المالي 2013/2014، تبين أن قطاع النفط استحوذ على 74.3 % من جملة تدفقات الاستثمار الأجنبي خلال هذه الفترة، وأن الاتحاد الأوروبي وأمريكا هما أصحاب النصيب الأكبر من تدفقات الاستثمار الأجنبي في قطاع البترول بنسب 67.2 % و26.4 % على التوالي، بينما كانت مساهمة الدول العربية في استثمارات قطاع النفط، هي 3.7 % من جملة الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط19 .

وبعد قطاع النفط أتت نسبة 24 % من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لتأسيس شركات، ونسبة 1.1 % من نصيب شراء العقارات.

لذلك لا يلمس أثر للاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاقتصاد المصري، فخارج قطاع النفط، أتت تدفقات الاستثمارات الأجنبية لتنافس الصناعات المحلية، ولم تسعى هذه الاستثمارات للتصدير، كما أن مساهمتها في التشغيل غير ملموسة بشكل كبير، فهي في الغالب استثمارات كثيفة رأس المال، ولذلك لا يتطلب العمل بها استخدام عنصر العمل بشكل كبير.

  • مستقبل الاستثمار

نظرًا لتدني الاستثمارات المحلية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث وصلت إلى 14 % بنهاية عام 2013/2014، وهي في أحسن الأحوال قبل الثورة لم تتجاوز نسبة الـ 20 % إلا قليلًا، فإن صانع السياسة الاقتصادية يعول كثيرًا على الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ولكن هذا الأمر بعد ثورة 25 يناير، وتحديدًا بعد الانقلاب العسكري، يواجه تحديات كبيرة من شأنها أن تحد من تدفق الاستثمارات الأجنبية لمصر، نشير إلى بعضها فيما يلي:

  • حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، حيث لم تستقر مصر على مدار العام والنصف الفائت، ما بين مظاهرات وتفجيرات هنا وهناك، فضلًا عن الوضع الملتهب في سيناء والذي يؤثر على السياحة بشكل كبير.
  • كذلك ما تعيشه مصر من وجود أزمة في الطاقة، حيث انتهي عصر الطاقة الرخيصة لمصر، إما بسبب تراجع انتاج مصر من النفط والغاز، أو اتجاه الحكومة لإلغاء الدعم على الطاقة، أو بسبب الفجوة المالية التي تحد من استمرار دعم الطاقة بمصر، وهو ما سجله وزير التجارة والصناعة – منير فخري عبدالنور- غير مرة في تصريحاته بأنه “على المستثمر أن يولد كهربته بنفسه”.
  • لم تعد مصر تعرف الاستقرار في سعر الصرف، وهو أمر مهم بالنسبة للمستثمر، أيًا كان، محلي أم أجنبي، لاعتبارات الحسابات الدقيقة لإعداد دراسات الجدوى، أو القرارات الاقتصادية المتعلقة باستيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج.
  • في ظل ارتفاع معدلات التضخم، لم تعد الأجور في مصر تتناسب على الإطلاق مع الأسعار، ولذلك فهناك حاجة لتعديل رواتب العاملين بالشركات، وبخاصة لدى القطاع الخاص، وهو ما يؤثر سلبيًا على ميزة أخرى كانت تتمتع بها مصر وهي انخفاض أجور العمالة.
  • عدم استقرار التشريعات المصرية، وتضارب العديد منها، فضلًا عن عقبات فرضتها عملية الخصخصة، وما تبعها من أحكام بإلغاء هذه العقود، وينتظر المستثمرون صدور تشريعات فاصلة لا تحتمل التأول، وكذلك الانتهاء من تعديلات قانون العمل الموحد، وقانون الاستثمار، وقانون الشركات، حتى أن بعض رجال الأعمال السعوديين والإماراتيين – على الرغم من حالة الدعم الكامل من قبل السعودية والإمارات للانقلاب العسكري في مصر – صرحوا بأن مصر ليست جنة الاستثمار وأنها بحاجة لثورة تشريعية 20.
  • سيطرة الجيش على مقدرات الاقتصاد المصري، وترك مساحة صغيرة للقطاع الخاص، على الرغم من أن امكانيات الجيش لا تصلح للسيطرة على المساحة الأكبر من الاقتصاد المصري، ولكن يستخدم القطاع الخاص من الباطن.

سادساً: التشريعات الاقتصادية

في مقدمة الحديث عن التشريعات الاقتصادية، لابد من ذكر أن السلطة التشريعية تم تكريسها في يد رئيس الدولة منذ وقوع الانقلاب في 3 يوليو 2013، وحتى بعد صدور دستور الانقلاب في بداية عام 2014، ولم يُشكل بعد برلمان تسند إليه مهامه الأصيلة كسلطة تشريعية، على الرغم من أن خارطة الطريق التي وضعها الانقلاب في 3 يوليو 2014، كانت تنص على تشكيل برلمان أولًا، ثم إجراء الانتخابات الرئاسية.

ويتوقع أن يقوم الانقلاب بإجراء الانتخابات البرلمانية في مارس 2015، والمفترض أن تكون من سلطة هذا البرلمان بحكم دستور 2014 أن يراجع ما صدر من تشريعات بشكل عام، سواء كانت هذه التشريعات في شكل قرارات جمهورية بقوانين، أو التوقيع على اتفاقيات دولية، أو قرارات صدرت من الحكومة ومؤسساتها التنفيذية.

وفيما يلي نتناول أهم التشريعات الاقتصادية والقرارات الحكومية، التي كان لها مردود سلبي على أداء الاقتصاد المصري خلال الفترة الماضية.

  • القرار الجمهوري رقم 32 لسنة 2014، بشأن تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة.

جاء هذا القرار الجمهوري من مادتين، وقصر حق الطعن على العقود المبرمة بين الدولة والمتعاملين معها، على طرفي التعاقد فقط، وأوجب على المحكمة رفض الدعاوى الخاصة بالطعون على مثل هذه التعاقدات من تلقى نفسها.

وهذا التشريع يفتح أبواب الفساد على مصراعيها، وبخاصة أن معظم القضايا الخاصة بالخصخصة وتخصيص الأراضي في عهد مبارك، مطعون على صحتها لما شابها من فساد، وقد صدر بحق الكثير منها أحكام قضائية بفسخ هذه التعاقدات. إلا أن بعض المتعاقدين مع الحكومة على هذه الشركات أو الأراضي لجأوا للتحكيم الدولي، وتواجه مصر مأزق أمام التحكيم الدولي، لاحتمالات خسارة قضاياها، والتخوف من أن تفرض عليها تعويضات يقدرها البعض بنحو 36 مليار دولار.

  • القانون رقم 44 لسنة 2014 الخاص بفرض ضريبة مؤقتة على الدخل.

نص القانون على فرض ضريبة مؤقتة على الدخل خلال الثلاث سنوات القادمة بمعدل 5 % على من يزيد وعاءه الضريبي عن مليون جنيه من الاشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين، مع إعطاء الحق للمول في هذه الحالة بأن يطلب استخدام حصيلة هذه الضريبة في مشروع خدمي من بين المشروعات التي يحددها قرار من وزير المالية مع الوزير المختص، في مجالات التعليم والصحة والبنية الأساسية، أو غيرها من المشروعات الخدمية الأخرى.

تعد هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها ضريبة لفترة محددة، إذ أن التشريع الضريبي اعتاد على ألا تحدد الضريبة بمدة، والأمر الثاني أن أدبيات المالية العامة، أو قواعد إعداد الموازنة تقر بعمومية الإيراد وعمومية النفقة، فلا يجوز تحديد إيراد محدد لنفقة محددة.

الأمر الآخر، هو زيادة الأعباء الضريبة في وقت يعاني فيها الاقتصاد المصري من حالة ركود، وسوف تنتهي الأمور إلى وجود مجالات جديدة للتهرب من هذه الضريبة الإضافية، حيث سيقوم الممولون الذين تصل أوعيتهم الضريبية لمبلغ المليون جنيه بإنشاء شركة جديدة وتوزع عليها الأعباء الضريبية، حتى لا تفرض عليهم الضريبة الإضافية، إذ أنه في حالة وجود شركتين سينخفض الوعاء الضريبة إلى أقل من مليون جنيه، مما يفقد شرط تطبيق الضريبة الإضافية عليهم.

  • القانون 53 لسنة 2014 الخاص بتعديل قانون الضريبة العامة على الدخل رقم 91 لسنة 2005، والقانون رقم 111 لسنة 1980 بشأن ضريبة الدمغة.

جاء التعديل الجديد ليفرض ضرائب على أعمال صناديق الاستثمار العاملة في مجال الأوراق المالية وأدوات الدين العام، وكذلك توزيعات أرباح الشركات، والأرباح الرأسمالية التي تتحقق من التصرف في الأوراق المالية أو الحصص بالشركات، سواء تحققت هذه الأرباح في داخل مصر أو خارجها، بواقع 10 %.

 ويعد هذا التشريع إيجابيا من حيث العدالة الضريبية، إذ كانت هذه الأنشطة معفاة من قبل من الضرائب، على الرغم من أنها من الأنشطة الريعية. وإن كانت قد أتت في توقيت غير مناسب، وقد صاحب الإعلان عن هذا التشريع اعتراضات من قبل الكثير من العاملين في مجال الأوراق المالية. إلا أنه دخل حيز التنفيذ منذ نشره بالجريدة الرسمية. والجدير بالذكر أن مجلس الشورى الشرعي كان قد عدل قانون الدمغة بحيث تفرض ضريبة على تداولات البورصة بواقع واحد في الألف، وذلك لمراعاة الظروف التي مرت بها الاستثمارات بالبورصة خلال المرحلة السابقة، وعلى أن تكون خطوة تدريجية لإدخال ضرائب أخرى على البورصة، إلا أن هذا القانون ألغي هذا قانون الشورى واستبدله بضريبة قيمتها 10 %.

  • القانون رقم 82 لسنة 2014، بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 89 لسنة 1998، الخاص بإصدار قانون المناقصات والمزايدات، وبعض أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات.

جاء التعديل لينص على استثناء بعض الأعمال الحكومية التي تخضع لقانون المناقصات والمزايدات، وذلك في الحالات العاجلة التي لا تحتاج إلى الانتظار لإجراء المناقصات والمزايدات، ليعطي صلاحيات التنفيذ بنظام الأمر المباشر، لرئيس الهيئة أو المصلحة فيما تكون تكلفته 500 ألف جنيه، وبعض الحالات لمليون جنيه، وكذلك لسلطة الوزير أو المحافظ لما قيمته 5 مليون جنيه وبعض الحالات 10 مليون جنيه.

وهذا الاستثناء فضفاض، فتوصيف الحالات العاجلة سيكون مفتوح ليشمل أعمال كثيرة، بما يفتح أبواب كثيرة للفاسد، وبخاصة أن المؤسسات الحكومية تعتبر غارقة في الفساد بشكل كبير. وقد يلجأ من أعطيت لهم هذه الاستثناءات إلى تجزئة الأعمال لكي يخضعوها في حدود التكلفة التي تسمح لهم بتنفيذ الأعمال بالأمر المباشر وباعتبارها أعمال عاجلة.

  • القانون رقم 119 لسنة 2014 في شأن شهادات تنمية قناة السويس.

نص القانون على أن تعهد الهيئة العامة لقناة السويس لبنوك القطاع العام بإصدار شهادات لصالح مشروع تنمية قناة السويس، وتحديد قيمة هذه الشهادات بالتعاون مع الهيئة، ونص القانون كذلك على إعفاء هذه الشهادات والعائد عليها من جميع الضرائب والرسوم.

وإن كان ظاهر الأمر ما آل إليه هذا الاكتتاب بتحقيق 64 مليار جنيه، إلا أنه تضمن مجموعة من السلبيات، أولها سحب جزء من هذه الأموال يقترب من نصفها من البنوك المصرية، مما أثر على نسبة السيولة بالبنوك، كما أن جزءًا كبيرًا من هذه الاكتتابات أتى من مؤسسات الدولة، مما يعني سوء إدارة للموارد الاقتصادية لهذه المؤسسات، فإذا كانت هذه الأموال تمثل فائضًا لدى هذه المؤسسات فهي تكشف عن حالة خداع لعكس موقفها المالي عند إعداد الموازنة العامة للدولة، وإن لم تكن من الفوائض المالية لدى هذه المؤسسات، فهو قرار خاطئ لتأثيرها السلبي على سير العمل بهذه المؤسسات.

  • قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 22 لسنة 2014 بشأن تحديد الحد الأدنى للأجور

أتى التعديل الذي تضمنه قرار رئيس مجلس الوزراء في شكل علاوة تعالج العجز في مرتبات العالمين بالدولة، ولم يشر القرار على تعديل قانون العاملين بالدولة ليكون الحد الأدنى للأجور بموجب تشريع، وليس علاوة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء.

القرار تسبب في تحميل أعباء على الموازنة العامة للدولة، كان يتوقع لها أن تكون بحدود 18 مليار جنيه سنويًا، إلا أنها تجاوزت هذا الرقم بكثير، وفي نفس الوقت لم تشمل جميع العاملين بالدولة ومؤسساتها المختلفة.

فضلًا عن أن الحد الأدنى للأجور مطلب مجتمع، وليس فقط العاملين بالحكومة، وفي نفس الوقت رفض القطاع الخاص تنفيذ الحد الأدنى للأجور، وطالب بإجراء حوار، وأن يكون التنفيذ تدريجي وليس دفعة واحدة، مراعاة للظروف الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد المصري.

  • قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 63 لسنة 2014 بشأن تحديد الحد الأقصى للدخل.

أتى قرار رئيس الوزراء ليحدد الحد الأقصى للدخل للعاملين بالدولة وهيئاتها الاقتصادية وشركاتها، بما لا يزيد عن 35 مثل الحد الأدنى، وبما لا يجاوز 42 ألف جنيه. ويعد هذا القرار في حال تنفيذه على كافة قطاعات الدولة بما فيها القوات المسلحة من القرارات الإيجابية التي من شأنها أن تساعد في اصلاح الموازنة العامة للدولة، والعمل على تخفيف حدة العجز بها.

ولكن من خلال تصريحات وزير التخطيط ووزير المالية، لوحظ أن ثمة توجه بتعديل هذا القرار، وفتح باب الاستثناءات، وهو ما سيفرغه من مضمونه.

  • قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1159 لسنة 2014 بشأن تحديد سعر بيع الغاز الطبيعي في المنازل والنشاط التجاري المعادل للاستخدام المنزلي.

كان قرار رئيس الوزراء في أبريل 2014 برفع سعر الغاز الطبيعي بالمنازل وفي النشاط التجاري، بمثابة تمهيد لرفع أسعار الوقود بشكل عام في بداية العام المالي 2014/2014، حيث سرت أسعار الوقود الجديدة بدأ من أول يوليو 2014.

هذا القرار أدى بلا شك إلى زيادة أعباء تكاليف المعيشة، وبخاصة لدى شريحة الفقراء، مما يعنى زيادة حدة الفقر لدى هذه الشريحة.

  • قرار رئيس الوزراء رقم 1159 لسنة 2014، بشأن أسعار الوقود.

شمل هذا القرار رفع سعر كافة منتجات الوقود من غاز طبيعي ومازوت وسولار وبنزين، مما أدى إلى زيادة أسعار العديد من السلع والخدمات في مصر بنسب تتراوح ما بين 20 % – 30 %. وتوجه الحكومة في هذا الشأن أن يتم رفع الدعم الخاص بالطاقة على مدار أربع سنوات بشكل نهائي، بداية من يوليو 2014. وإن كان القرار يستهدف ترشيد دعم الطاقة، إلا أنه لم يراع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، لفئات عريضة من الشعب، تعاني الفقر والبطالة.

  • قرار رئيس الجمهورية رقم 211 لسنة 2014 بشأن الموافقة على الاتفاقية الإطارية بين حكومتي جمهورية مصر العربية وحكومة قبرص، بشأن تنمية الغازات الحاملة للهيدروكربون عبر نقاط خط المنتصف، والموقعة في القاهرة بتاريخ 12/12/2013.

كما هو واضح في متن القرار الجمهوري فهذه الاتفاقية وقعت في نهاية عام 2013، (فالاتفاقية مهينة لمصر في شقين، الشق الأول: فرض على مصر منطقة حظر تنقيب بدون موافقة قبرص في حزام عرضه 10 كم داخل المياه المصرية، دون فرض حزام مماثل في المياه القبرصية.

والشق الثاني: من الاتفاقية هو إرساء أسس تقاسم Unitization مكامن الهيدروكربون المشتركة. ويمتد هذا النوع من الاتفاقيات ليشمل حدود الخزان الجيولوجي الحاوي للمكمن. وكلما تم اكتشاف معلومات جديدة عن امتداد (أو انتشار) هذا المكمن الجيولوجي، فإن الاتفاقية تمتد لتشمله) .وقد أثارت هذه الاتفاقية جدلًا كبيرًا حول تنازل مصر عن حقها في الغاز المتواجد في تلك المناطق التي تشملها الاتفاقية، فضلًا عن وجود تنسيق بين إسرائيل وقبرص للاستثمار في استخراج الغاز من هذه الأماكن، وهو ما يعني أن مصر سوف تستورد غازها من قبرص وإسرائيل مستقبلًا.

  • القرار الجمهوري بقانون رقم 185 لسنة 2014، بشأن نقل أصول ميناء العريش إلى وزارة الدفاع والإنتاج الحربي.
  •  تضمن القانون نقل أصول وإدارةميناء العريش للقوات المسلحة، وهو ما يعد تكريسًا لسيطرة القوات المسلحة على مقدرات الاقتصاد القومي، وتضم أصول الميناء، الأراضي والأرصفة، وحاجز الأمواج والمباني والإنشاءات.

سابعاً: برنامج تنفيذي لكسر الانقلاب اقتصادياً

من خلال الاستعراض السابق نجد أن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة ضعف شديدة، وأن الأوضاع تزداد سوءًا، ولولا المساعدات الخليجية والدعم الأوروبي، وبخاصة من البنك الدولي، لكانت التداعيات السلبية للأداء الاقتصادي المصري، أشد تأثيرًا في حياة الأفراد، وفي مؤسسات الدولة ومرافقها العامة.

وحتى يمكن الإشارة إلى أدوات عملية تساهم في إضعاف الاقتصاد بشكل أكبر، ويؤدي إلى كسر الانقلاب بالتعاون مع عوامل أخرى، نطرح مجموعة من الوسائل والأدوات، فيما يلي:

  • العمل على استمرار خنق تداول الدولار في السوق المصري، وبما يؤدي لاستمرار الأزمة لأكبر وقت ممكن، وذلك من خلال إيقاف تحويلات العاملين بالخارج، إلا في إطار الضروريات، وأن يكون تغير ما يتم تحويله من خلال السوق السوداء، وأن يكون التغيير أيضًا حسب الضرورة، حتى تظل حالة ندرة الدولار بالسوق مستمرة.
  • تحويل المدخرات المصرية للدولار، وهو ما يعرف بظاهرة الدولرة، وفي كل الأحوال فإن الاحتفاظ بالمدخرات في شكل العملة الصعبة أفضل من حيث العائد من وضعها بالبنوك، ويجعلها على الأقل بعيدة عن مخاطر ارتفاع معدلات التضخم التي تشهد زيادة مستمرة.
  • استخدام العاملين بالخارج لبطاقات الائتمان المصرية، – على أن تكون مدخراتهم بالبنوك المصرية بالجنيه، أو يتم سدادها بالجنيه، للوفاء بكل التزاماتهم، فذلك يؤدي إلى التزام البنوك المصرية بسداد هذه الالتزامات بالدولار، مما يساعد على زيادة العجز بالأرصدة من العملة الصعبة بالبنوك، فضلًا عن الخسائر التي تتحقق للبنوك نتيجة فارق سعر الصرف، لأنها تحاسب العملاء وفق سعر الصرف الرسمي.
  • يفضل أن تظل النسبة الأكبر من المدخرات أو التعاملات المالية خارج الجهاز المصرفي، بما يحد من قدرته على خلق الائتمان، ومن جهة أخرى يضعه في موقف صعب في استمرار سياسته الخاصة بالتوسع في الإقراض الحكومي.
  • توجيه المدخرات لشراء أصول عقارية أو أراضي أو ذهب أو عملات أجنبية، مما يؤثر على امكانيات الجهاز المصرفي في إدارة السيولة وتوفير الائتمان.
  • الاحتفاظ بالمدخرات بالعملة الصعبة خارج الجهاز المصرفي، بما يؤثر على البنك المركزي في استخدام آلية السوق المفتوحة لتدبير احتياجات لتلبية الواردات، أو زيادة معدلات الاحتياطي الذاتية. ولذلك ينصح لمن يتعاملون مع الجهاز المصرفي في استمرار تقديم طلباتهم بتدبير العملة الأجنبية مبكرًا، حتى تتراكم لديه هذه الطلبات، فيربك أداءه في إدارة الاحتياطيات الأجنبية وكذلك الوصول لتوازن في سعر الصرف.
  • الاستمرار في ممارسة أعمال المضاربة، مما يزيد من حدة ارتفاع معدلات التضخم، وتأزم الوضع المعيشي لدى الأفراد.
  • توجيه الفاعليات الخاصة بمعارضي الانقلاب نحو الأماكن السياحية، بما يؤدي إلى تصاعد الشعور بعدم الأمن، لكي تستمر موجة تراجع التدفق السياحي لمصر، وهو ما يؤثر في النهاية على تدفق العوائد السياحية، ليكون لذلك أثره السلبي على استقرار سعر الصرف، واحتياطي النقد الأجنبي. 
  • تأجيل دفع الضرائب والمماطلة من خلال الثغرات القانونية، بما يؤثر في النهاية على حصيلة الإيرادات العامة، حتى تستمر قضية العجز، بانعكاساتها السلبية على الموازنة، وبالتالي على المرافق والخدمات العامة.
  • تعمد اهدار الموارد العامة التي لا تخضع لفاتورة استهلاك عالية مثل المياه في المنازل، أو استمرار بعض السلوكيات الخاطئة في المرافق العامة لرفع استهلاك الكهرباء والماء، وما إلى ذلك، بما يؤدي إلى فاتورة استهلاك هذه الخدمات، وبالتالي التأثير السلبي على العائد على الإنفاق العام بالموازنة.
  • عدم التوسع في الاستهلاك بالسوق المصري على مستوى الأسر، لأن انخفاض نسب الاستهلاك يزيد من حدة الركود الاقتصادي، ويساعد على انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي.
  • تأجيل انشاء مشروعات أو التوسع فيها قدر المستطاع، بما يؤدي إلى خنق سوق العمل، وتعطيل الاستثمار، وأضعاف معدلات نمو الناتج المحلي.
  • العمل على تحويل التجارة من مصر إلى بلدان أخرى، في حالات استيراد الشركات بالدول العربية وغيرها للسلع من مصر.
  • نشر واقع الاستثمار الفاسد بمصر في دوائر الأعمال والإعلام بالخارج، فمثلًا تقرير فساد القطاع الخاص في مصر، يرسل إلى منظمات رجال الأعمال، والاتحادات التجارية والصناعية خارج مصر، بما يؤدي إلى نفور هذه الكيانات من التفكير للاستثمار في مصر.

خاتمة:

لا ينم الواقع الاقتصادي المتردي في مصر حاليًا، عن احتمالات للتحسن في الأجل القصير، وقد تؤدي المعادلة الدولية والإقليمية تجاه مصر، في أن يستعيد الانقلاب العسكري في مصر بعض التحسن في المؤشرات الاقتصادية الكلية، شريطة عدم تجاوز هذه المرحلة، وأن يكون رهن التعاملات الاقتصادية الخارجية،فيسمح له بالبقاء، ولكن دون الوصول لإنجاز مشروع تنموي تستعيد فيه مصر مكانتها الإقليمية والدولية، وقد يقال إن تجربة تركيا على سبيل المثال كانت شديدة الشبه لمصر من حيث عمق المشكلات الاقتصادية وتنوعها. ولكن الإجابة واضحة من أن التجربة التركية أتت في ظل استقرار مجتمعي بنسبة كبيرة، ووجود رغبة كبيرة لدى الشعب بالنهوض، واستحضار هدف قومي متمثل في اللحاق بعضوية قطار الاتحاد الأوروبي. كما أن التجربة التركية تمتعت بهامش ديمقراطي كبير، سمح بمواجهة الفساد، والتنافس الحزبي في مجال التنمية. لذلك التجربة مختلفة، حيث أن سياسة الانقلاب العسكري في مصر، تعتمد على سيطرة الجيش على مقدرات الاقتصاد القومي، وأن يسمح للقطاع الخاص بالعمل تحت مظلة الجيش في المشروعات الكبرى، كمجرد مقاول ومنفذ فقط لا غير.

ومما يربط كافة خطط الانقلاب العسكري في مصر، استمرار الحراك في الشارع من قبل رافضي الانقلاب، حيث سيؤدي ذلك إلى استنزافه اقتصاديًا، وتوصيل رسالة للخارج بعدم توفير مناخ وبيئة مناسبين للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

كما لا يبدو من النهج الاقتصادي للانقلاب استهدافه لوجود اقتصاد انتاجي، بل الواقع يعكس استدعاء نموذج التنمية لحكومات ما قبل الانقلاب، التي تركز على نموذج التنمية القائم على تساقط ثمار النمو، وهو نموذج يتنافي مع احتياجات المجتمع المصري.

و من هنا تبدو المشكلة الرئيسية كامنة في النموذج الاقتصادي الذي يتبناه النظام الانقلابي، و الذي يجعل أية سياسات اقتصادية موجهة في الأساس الى مصلحة ثلاثة أطراف رئيسية هي الأطراف التي دعمت الانقلاب، متمثلة في المؤسسة العسكرية، رجال الأعمال الخليجيين، و رجال الأعمال المصريين المتواطئين مع الانقلاب، و هو ما يجعل هذه السياسات لا تنعكس بأي تحسن على الحالة الاقتصادية لعموم المصريين، مما يكرس لحالة عدم الاستقرار المجتمعي المترتب على تردي الأحوال الاقتصادية، و بالتالي فمهما حققت هذه الاجراءات من تقدم على مستوى الاقتصاد الكلي، ستظل بذرة المشاكل و الاحتجاجات المجتمعية و عدم الاستقرار المترتب عليها قائمة لفترة طويلة.

سوف تستمر معاناة الاقتصاد المصري لسنوات مع الفجوة التمويلية، سواء لتسيير احتياجات المجتمع المصري في تدبير الاحتياجات الحتمية، وفي ظل اقتصاد مأزوم، فضلًا عن استمرار الأزمة عند التفكير في الخروج من دائرة التخلف الاقتصادي، وتغير آلية النمو الاقتصادي هيكليًا وقيميًا.

سوف تزداد وتيرة الضغوط الناتجة عن المشكلات المزمنة في الاقتصاد المصري، مثل البطالة والفقر، والدين العام، وعجز الموازنة، والتضخم، خلال المرحلة المقبلة، طالما أن التفكير المسيطر هو انتظار المساعدات، والتعويل على الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ومن هنا نستطيع القول بأن الضغوط الاقتصادية ستظل شوكة في حلق الانقلاب العسكري، لفشله في تعبئة الموارد المحلية، والتي ظهرت بوضوح فيما يتعلق بتجربة صندوق “تحيا مصر”، والذي كان يستهدف تحقيق 100 مليار جنيه، وانتهت التجربة لتحقيق 6.5 مليار جنيه، وهو ما دعا قائد الانقلاب لإحالة أمر الصندوق لمجلس الوزراء، وأن يكون تحت رعاية الرئيس، في حين كان يعلن دائمًا، بأن كل جنيه في هذا الصندوق سيخرج من تحت يده. 

المصادر

  • البنك المركزي المصري، السياسة النقدية، www.cbe.org
  • وزارة المالية المصرية، التقرير المالي الشهري، أكتوبر 2014.
  • البنك المركزي المصري، النشرة الاقتصادية الشهرية، أكتوبر 2014.
  • وزارة المالية المصرية، نتائج الموازنة العامة للعام المالي 2013/2014.
  • البنك المركزي المصري، التقرير السنوي للعام المالي 2012/2013.
  • الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بحث قوة العمل.
  • وزارة المالية، البيان المالي للعام 2013/2014.
  • وزارة التخطيط المصرية، تقرير متاعبة الخطة للعام المالية 2013/2014.
  • البورصة المصرية، التقرير السنوي 2013.
  • البنك المركزي المصري، المجلة الاقتصادية، المجلد الرابع والخمسون، العدد الثاني.
  • جريدة صدى البلد، 24/11/2014.
  • جريدة يناير الالكترونية، 22/1/2014.

—————————————-

الهامش

(1) الأراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري، ولكن تعبر عن وجهة نظر كاتبها

(2) البنك المركزي المصري، السياسة النقدية، الرابط، تاريخ الزيارة 16/11/2014.

3 وزارة المالية المصرية، التقرير المالي الشهري، أكتوبر 2014، ص 18، تاريخ الزيارة 17/11/2014 : الرابط

4 البنك المركزي المصري، النشرة الاقتصادية الشهرية، أكتوبر 2014، ص 44، تاريخ الزيارة 17/11/2014. : الرابط

5وزارة المالية المصرية، نتائج الموازنة العامة للعام المالي 2013/2014، تاريخ الزيارة 15/11/2014 : الرابط

6 وزارة المالية، التقرير المالي الشهري، أكتوبر 2014، ص 28، تاريخ الزيارة 16/11/2014. : الرابط

7 البنك المركزي المصري، التقرير السنوي للعام المالي 2012/2013، ص 92.

8المصدر السابق، ص 87.

9المصدر السابق، ص 90

10 الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بحث قوة العمل، 15/11/2014، تاريخ الزيارة 25/11/2014. : الرابط

11 وزارة المالية المصرية، التقرير المالي الشهري، أكتوبر 2014، ص 56.

12 وزارة المالية المصرية، المصدر السابق.

13 وزارة المالية المصرية، المصدر السابق، ص 57.

14 وزارة المالية، البيان المالي للعام 2013/2014، ص 68، تاريخ الزيارة 24 نوفمبر 2014. الرابط

15 وزارة التخطيط المصرية، تقرير متاعبة الخطة للعام المالية 2013/2014، ص 14.

16البورصة المصرية، التقرير السنوي 2013، ص 20. تاريخ الزيارة 24/11/2012. : الرابط

17 المصدر السابق، ص20.

18 البنك المركزي المصري، الشنرة الاقتصادية الشهرية، أكتوبر 2014، ص 94، تاريخ لزيارة 24/11/2014. الرابط

19 البنك المركزي المصري، المجلة الاقتصادية، المجلد الرابع والخمسون، العدد الثاني، 2013/2014، ص 82.

20 جريدة صدى البلد، 24/11/2014، تاريخ الزيارة 24/11/2014، تصريح رجل الأعمال صالح كامل، : الرابط

21 جريدة يناير الالكترونية، نايل الشافعي، نايل الشافعي يحلل زيارة عدلي منصور لليونان 22/1/2014.  تاريخ الزيارة 3/12/2014. التعليق منقول نصًا.الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close