fbpx
تقديرات

اجتماع العقبة السري: لماذا الإعلان الآن؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مقدمة:

كشفت صحيفة ‘هآرتس’ الصهيونية مؤخراً عن أن قمة سرية عقدت في مدينة العقبة الاردنية، في شباط/فبراير من العام 2016، بمشاركة رئيس الكيان الصهيوني نتنياهو وقائد الانقلاب العسكري في مصر، عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، ووزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، واستعرض كيري خلال القمة مبادرة سلام بين الصهاينة والفلسطينيين بموجب حل الدولتين. وكان نتنياهو أكد خلال اجتماع وزراء حزب الليكود (19 فبراير 2017) انعقاد القمة السرية في العقبة، وقال إنه هو الذي بادر إليها وليس كيري. لكن نتنياهو لم يطلع وزرائه ولا المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) على هذه القمة.

 

أولاً: ملابسات عقد القمة:

1ـ أن التاريخ العربي الصهيوني حافل بهكذا لقاءات؛ أشهرها الجلسات السرية الصهيونية الاردنية الفلسطينية والتي افضت الى اتفاق اسلوا عام 1993م.

2ـ أن المتابع للشأن الاقليمي يجد أن توقيت العقبة السرية قبل عام من الآن، قد تزامن مع تصريحات السيسي المتكررة من أجل إحياء العملية السلمية الصهيونية الفلسطينية.

3ـ بالعودة الى توقيت التاريخ نجد أن نتنياهو دخل في مفاوضات مع المعسكر الصهيوني، بقيادة هرتسوغ من أجل تشكيل حكومة ائتلاف وطني، علما بأن توجه نتنياهو الى هكذا اجراء يعني أمرين: الاول؛ أن دولة الكيان الصهيوني ذاهبة الى حرب. الثاني هو وجود عرض قوي لإحياء العملية السلمية وهذا هو الارجح لأن المعسكر الصهيوني يرغب في احراز تقدم في العملية السلمية.

4ـ جرت العادة أنه في حال قرب انتهاء المدة القانونية لأي رئيس أمريكي فانه يسعي لتحقيق خطوة في الصراع الفلسطيني الصهيوني.

5ـ أوضح مصدر صهيوني أن أحد الأسباب التي جعلت نتنياهو يريد عقد القمة هو أنه أراد أن يستعرض بشكل شخصي أمام الملك الأردني والسيسي “مبادرة” منافسة لمبادرة كيري في ظل الحديث عن مؤتمر في باريس وآخر في موسكو لإحياء العملية السلمية.

 

ثانياً: دلالات توقيت الإعلان عن القمة:

لقد تأخر الإعلان عن قمة العقبة السرية عاما كاملا، وهنا يظهر سؤال: لماذا الإعلان بهذا التوقيت؟

تزامن توقيت الإعلان قمة العقبة مع تصريحات الوزير المقرب من نتنياهو الدرزي “أيوب القرا” التي قال فيها إن الدولة الفلسطينية تتكون من غزة وجزء من سيناء”. وتصريح وزير التربية والتعليم عضو مجلس الكابينت المصغر بان الدولة الفلسطينية في غزة وان بقايا الضفة ستكون تحت الحكم الذاتي.

وهذه التصريحات لقادة الكيان الصهيوني يتضح منها عده نقاط أهمها:

1ـ أن الكيان الصهيوني يدرك حالة الضعف والوهن التي يعيشها العرب، وتحديدا مصر والأردن، فيحاول ابتزازهما، للحصول على مكاسب على الأرض، أهمها مخططات تبادل الأراضي، على حساب سيناء.

2ـ احتماء الكيان الصهيوني بالرئيس الامريكي ترامب، المندفع نحو حماية وتعزيز مكانة دولة الكيان الصهيوني في الشرق الاوسط، خاصة في ظل الحديث عن قرب عقد قمة رباعية تضم مصر والكيان الصهيوني برعاية أمريكية قريبا.

3ـ رغبة الكيان الصهيوني في إحراج الأنظمة العربية وإعلان تطبيع العلاقات علناً بدل من العمل بها سرا، من خلال فرض الامر الواقع.

4ـ وجود مؤشرات حول انهيار السلطة الفلسطينية في رام الله وتحديدا بعد وفاة عباس، الى جانب مؤشرات انهيار حماس في غزة نتيجة للحصار وعودة كل من الاردن ومصر ممثلين عن القضية الفلسطينية من جديد كما كان معمول به في السابق.

 

ثالثاً: مضمون قمة العقبة:

1-طرح نتنياهو:

استعرض نتنياهو خلال القمة خطة مؤلفة من خمس نقاط، تتعلق بخطوات صهيونية لصالح مبادرة سلام إقليمية، تقود إلى استئناف المفاوضات بين الصهاينة والفلسطينيين، إلى جانب المطالبة بامتيازات للكيان الصهيوني، لكنها كانت خطة ضد حل الدولتين، وشملت خطة نتنياهو النقاط التالية:

  • المصادقة على تنفيذ أعمال بناء مكثفة للفلسطينيين ودفع مشاريع اقتصادية في المنطقة ‘ج’ في الضفة الغربية، ودفع مشاريع بنى تحتية في قطاع غزة وتوثيق التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، بما في ذلك المصادقة على إدخال أسلحة ضرورية إلى أجهزة الأمن الفلسطينية.
  • نشر حكومة الكيان الصهيوني بيان “إيجابي” تجاه مبادرة السلام العربية، والتعبير عن استعدادها لإجراء مفاوضات مع الدول العربية حول بنودها.
  • تأييد ومشاركة فعالة من جانب الدول العربية في مبادرة سلام إقليمية، تشمل حضور ممثلين كبار عن السعودية والإمارات و’دول سنية’ أخرى إلى قمة علنية بمشاركة نتنياهو.
  • اعتراف أميركي فعلي بالبناء في الكتل الاستيطانية الكبرى، التي لم يرسم نتنياهو حدودها بشكل واضح، مقابل تجميد البناء في المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية. وتحدث نتنياهو عن التوصل إلى تفاهمات صامتة وغير رسمية حول الاعتراف بالبناء في الكتل وتجميده خارجها.
  • الحصول على ضمانات من إدارة أوباما من أجل لجم خطوات ضد الكيان الصهيوني في مؤسسات الأمم المتحدة واستخدام الفيتو الأميركي ضد قرارات تتعلق بالصراع الصهيوني – الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي.

وهنا تبرز عدة ملاحظات على طرح نتنياهو لمبادرة السلام، منها: أن المبادرة تبدأ بالتطبيع على العكس المبادرة العربية وهو ما ظهر بوضوح في البند الثالث، وعدم الحديث عن دولة فلسطينية، بل لجم محاولات السلطة الفلسطينية في الذهاب إلى الأمم المتحدة، مع عدم الالتزام بكافة القرارات الدولية والاتفاقيات الموقعة سابقا والمتضمنه على دولة فلسطينية على حدود 1967م، وذلك من خلال الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية وهي في الاساس تقع داخل حدود 1967م، وعدم التطرق الى قضايا فلسطينية محورية، أهمها ملف القدس واللاجئين.

 

2-طرح كيري:

قدم كيري وثيقة تضمنت مبادئ لاستئناف المفاوضات الصهيونية الفلسطينية في إطار مبادرة سلام إقليمية بمشاركة دول عربية، ويتطابق المخطط الذي بلوره كيري مطلع 2016، مع ذلك الذي طرحه في خطابه نهاية نفس العام، قبل دخول دونالد ترامب للبيت الأبيض بثلاثة أسابيع، وتضمنت خطة كيري 6 مبادئ، أولها: حدود دولية آمنة ومعترف بها بين إسرائيل ودولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة على قاعدة حدود 1967، مع تبادل متفق عليه للأراضي، وثانيها، تحقيق رؤية القرار رقم 181 للأمم المتحدة (مخطط التقسيم) الخاصة بدولتين لشعبين- واحدة يهودية والأخرى عربية- تعترف كل منهما بالأخرى، وتمنحان مساواة كاملة في الحقوق لمواطنيها، وثالثها حل عادل، متفق عليه، نزيه وواقعي لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، يتسق مع حل دولتين لشعبين ولا يؤثر على الطابع اليهودي لإسرائيل.

ورابعها، حل متفق عليه لمسألة القدس كعاصمة لدولتين معترف بهما من قبل المجتمع الدولي، وضمان الوصول للأماكن المقدسة بما يتفق مع الوضع الراهن، وخامسها، الاستجابة للاحتياجات الأمنية لإسرائيل، وضمان قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها بشكل فاعل وضمان قدرة فلسطين على تقديم الأمن لمواطنيها في دولة سيادية منزوعة السلاح، وإنهاء الصراع، ووضع حد للمطالب، بما يتيح تطبيع العلاقات وتوفير أمن إقليمي قوي للجميع بما يتماشى مع مبادرة السلام العربية.

وقد ذكرت التقارير أن نتنياهو تهرب من مبادرة كيري بدعوى أنه سيتعذر عليه الحصول على أغلبية مؤيدة لها في ائتلافه اليميني الحاكم، واقترح سلسلة من الخطوات تقدمها إسرائيل لأجل الفلسطينيين مقابل قمة مع ممثلي السعودية والامارات.

 

رابعاً: سيناء بين رؤية كيري ورؤية نتنياهو:

خطة كيري اختلفت مع مبادرة نتنياهو في طرح حدود للدولة الفلسطينية، وهو ما رفضه نتنياهو، وباقي البنود لا تختلف كثيرا مع مبادرة نتنياهو، إلا في بند ايجاد حل للاجئين الفلسطينيين، فهل سيناء حاضرة كوطن للفلسطينيين اللاجئين والمشتتين في الخارج أم لا؟

 

قبل الاجابة على هذا السؤال تبرز عدة تساؤلات أخرى مهمة:

السؤال الاول: في حال علمنا ان مساحة قطاع غزة تبلغ 368 كم مربع، والحد الأقصى لسكانها يفترض ان يكون مليون على الاكثر؛ فهذا يعني ان قطاع غزة به زيادة سكانية تزيد عن مليون فأين سيذهب سكانها؟ خاصة في ظل وجود تقارير تفيد بان غزة منطقة غير قابلة للحياة في حلول العام 2020م.

السؤال الثاني: إذا علمنا أن منطقة الضفة الغربية والتي تصل مساحتها 5558 كم مربع، تُسيطر السلطة الفلسطينية على 30% تقريبا منها، وباقي المناطق تدخل في نطاق المنطقة (ج) القريبة من الحدود مع الكيان الصهيوني والتي حتى لو حصلت السلطة على حرية بناء وحركة تبقي مناطق خطرة ومهددة، وبالتالي غير مرغوبة للسكن والاقامة؛ ومناطق أخري تقام عليها مستوطنات صهيونية. علما أن الضفة الغربية يسكنها حاليا ما يزيد عن 2 مليون فلسطيني، وفي حال تنفيذ مخطط استبدال الاراضي فهذا يعني قدوم سكان جدد، ليرتفع عدد سكانها إلى حوالي 3 مليون. وهذا يعني أن القدرة الاستيعابية للاجئين في الضفة الغربية سوف تقل كثيرا، ومن الجدير ذكره أن 87% من مياه الضفة الغربية تتعرض للسرقة من قبل الصهاينة، بمعني أن إذا استوعبت الأرض فان المياه لا تكفي. لتبقي أزمة اللاجئين قائمة.

السؤال الثالث: اللاجئون الفلسطينيون يزيد تعدادهم عن 6 ملايين نسمة، غالبيتهم في أوضاع صعبة يعيشون في لبنان وسوريا، فما هو البديل لهم في حال أقرت الحدود للدولة الفلسطينية؟

 

ختاما

من واقع الأوضاع الراهنة، وفي إطار التساؤلات السابقة، يمكن القول إن مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة غير قادرة على استيعاب اللاجئين، وفي ظل ما تشهده منطقة الشرق الاوسط من تغيرات جغرافية حالياً، قد تعصف بحدود العديد من الدول، تأتي أهمية التأكيد على أنه ليس أمام الفلسطينيين سوى التمسك باستعادة حقوقهم المشروعة في أرضهم كاملة، وعدم الرهان على أية خطط أو تسويات على حساب أية مناطق غير فلسطينية، وإلا سيكون الرهان خاسراً بالنسبة للفلسطينيين أولاً، ومصدرا لمزيد من النزاعات المستقبلية لمختلف دول المنطقة ثانياً(1).

——————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close