fbpx
قلم وميدان

اغتيال الزواري: تحديات الأزمة وطاقات الأمة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

رغم تشعب الألم الناتج عن قيام (الموساد الإسرائيلي) يوم الخميس 15 من ديسمبر/كانون الأول 2016 باغتيال مهندس الطائرات التونسي “محمد علي الزواري”، إلا أن أسباباً لاستشعار الأمل لا لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” بل للأمة كلها نستجليها من السياقات والمعلومات التي كشف عنها الحادث الأليم.

بداية فإن كان من أسباب الألم أن علماءنا الحقيقيين مُنكرون، ما يزالون، في بلادنا العربية الإسلامية، لا يكاد أهل بلدهم يعرفونهم، فضلاً عن أفراد الأمة، بالإضافة إلى القصور الأمني في حمايتهم، بل توفير أبسط حقوقهم، فإن زوجة الشهيد السورية “ماجدة خالد صالح” كانت تأمل في الحصول على الإقامة التونسية في حياة “الزواري”، فلم تنلها على مدار ستة سنوات، إلا بعد أيام من استشهاده.

ومن أسباب الألم، أيضاً، أننا إزاء صورة جديدة من اغتيال مُشابه لـ”جمال حمدان” الذي تردد بقوة أن الموساد (الإسرائيلي) اغتاله في القاهرة في 17 من أبريل/نيسان 1993، مع اختلاف في التفاصيل، وكان “حمدان” عالماً وأكاديمياً فذًا في مجال التأريخ الجغرافي والتعبير عنه بلغة أدبية، ومن قبل القدرة على توضيح مصادر ثروات البلدان العربية، وفضح العدو (الإسرائيلي)، ويكفي ما قاله الكاتب “يوسف القعيد” عن الحادث في 23 من يونيو/حزيران 2010م في جريدة “الدستور” القاهرية: “إن جمال حمدان قبل وفاته كان انتهى من ثلاثة كتب، أولها (اليهود والصهيونية وبنو إسرائيل) ويقع في ألف صفحة، وكان من المفروض أن يأخذه ناشره يوسف عبد الرحمن، وكتاب  (العالم الإسلامي المعاصر)، الذى أصدره عام 1965 ثم توسع فيه حتى صار كتابًا جديدًا، أما الكتاب الثالث فهو عن علم الجغرافيا”، ويضيف “القعيد”:” لقد ذهبنا إلى الشقة فور علمنا بوفاته وعايناها، واختفت هذه الكتب التي كانت موجودة ورأيتُها بنفسى”.

لكن أسباب الاستبشار، رغم ما مضى، أكثر تشعباً، بداية مما كشفه موقع “المجد الأمني” المُقرب من “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، من أن المهندس “الزواري” كان يعمل، عن بُعد، في صفوفها، وشارك في إنتاج وتصنيع طائرات استطلاعية للحركة.

لدينا، إذاً، مجهودات في الأمة تُبذلُ من أجل مُجاهدة العدو الصهيوني، مجهودات تكنولوجية مُعتبرة، تبث الرعب في إرجائه، وتجعله مُستفزاً يحرك عملاءه من دولة إلى أخرى، ويأتي بهم تحت أقنعة شركات وهمية، ليبدو مجرماً آثماً أمام العالم، وإن خسرتْ الأمة الإسلامية عالماً فذاً، وهو ما لا يجب أن نغفل عنه، إلا أنه يبقى أن “الزواري” عاش من أجل تطوير منظومة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” تمنع من استهداف قادتها، وقد نجح في تطويرها، رغم التحديات والمحنة التي تلف الأمة كلها، وتجعلها في ظلام بهيم، وتحول دون جهد الحركات الإصلاحية والثورية المخلصة، على حد سواء، في أن تؤتي ثمارها.

وأصل مجهودات “الزواري”، رحمه الله، أنه عقب اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية في عام 2000م، وازدياد حدة المواجهات بين العدو الصهيوني، وانتقالها من مرحلة الحجارة إلى العمليات الفدائية بدأ العدو في استهداف قادة المقاومة، بخاصة في قطاع غزة، مستخدماً إمكاناته المُتقدمة من طائرات مروحية وحربية وحتى بدون طيار، أو ما يُطلقُ عليها الاستطلاعية، وفي سبيل تحقيق العدو لسابق أهدافه كان يعمد إلى رصد المكان الذي ينوي قتل أحد القادة فيه من خلال طائرات الاستطلاع تحديداً، وهنا لم تقف المقاومة “محلك سر”، كما تقف حركات عربية اليوم أمام تحديات أقل، راضية بتجميد الموقف مع خصومها أو مخالفيّها في الرأي، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً رغم مرور السنوات، ومتسببة في إهدار المزيد من قدراتها وإمكاناتها، بخاصة البشرية دون جدوى مرجوة أو حتى بادرة حل تبدو في الأفق، ومن هذه الجماعات بل أبرزها، “الإخوان المسلمين” الجماعة الأم في مصر التي انبثق عنها ومنها الفرع الأكثر نجاحاً “حماس”، أو كما رُوِيَ عن رئيس المكتب السياسي للحركة: “خالد مشعل” فإن “حماس” هي الفرع الأسبق الخطى أو الأنجح للجماعة حتى اليوم!

وللنجاح أسرار، بعضها معلن، والبعض الآخر يزداد استبشارنا بالمستقبل، لما نتفهمه مما هو مُعلن، ويكفي أن الجانب الأخير فيه أن “حماس” تمكنت عام 2000م من اختراق طائرات الاستطلاع (الإسرائيلية)، فإن حركة المقاومة، نقطة الكرامة المتلألئة في جبين الأمة، استطاعت من خلال آليات متقدمة التقاط كل ما يرصده الطيران الصهيوني لاستهداف قادة المقاومة، والتغلب على التقنيات الأمريكية المتطورة، وبالتالي حمّتْ العشرات من قادتها من الاغتيال بمعرفة الأماكن التي تستهدف (إسرائيل) أصحابها، قبل أن يضطر العدو إلى تغيير آلياته وتعقيدها.

بعد هذه المرحلة جاء تواصل “الزواري” مع “حماس” منذ عشر سنوات، ووصفته “كتائب القسام” بـ”القائد”، لمشاركته في صناعة وتطوير طائرات استطلاع فلسطينية بدون طيار، ووقف توغل الطائرات العسكرية الإسرائيلية في القطاع، و(إن لم يكشف الموقع الأمني التابع إلى “القسام”، “المجد الأمني” إن كانت المقاومة قد طورت أداءها لاختراق منظومة الطائرات الاستطلاعية الجديدة، لكنه قال إن ما تخفيه المقاومة الفلسطينية من إنجازات (هو أعظم بكثير مما يذكر)، وإن ما تمكنت من مجرد اختراقه بالأمس أصبحت اليوم تمتلكه وتصنعه في قطاع غزة المحاصر”.

إذاً، فإن “الزواري” كان واحداً من منظومة للجناح المسلح من حركة المقاومة الإسلامية، وقد نجح فريق من قبله، ثم نجح هو عبر فريق جديد، يُسعد القلب المكلوم اليوم، في امتلاك قدرات مضادة تحفظ سماء غزة، بل تجعلها ندّاً منافساً للتفوق الصهيوني، وما خفي كان أعظم، بحسب البيان، ورغم اغتيال “الزواري القائد”، إلا أن هناك فريقاً متكاملاً ما يزال يعمل، وإذا كانت “حماس” نجحت في ضم “الزواري” إليها، متواصلة معه مخترقة الحدود، ومُوظفة طاقته في نهضة الأمة، فإنه من المنطقي في هذه الأجواء أن كتائب “القسام” تُوظفُ من طاقات الأمة، ماتزال آخرين مخترقة البحار والتلال والجبال وآلاف الكيلومترات من المحيط إلى الخليج، في روح جديدة للأمة تسري في شرايينها مبشرة بغد يحمل آمالاً، رغم الآلام.

لكم يتمنى ملايين المخلصين من الأمة أن يكونوا، ولو ترساً بالغ الصغر في منظومة “حماس” اليوم بأي شكل كان!

ساهم “الزواري” في صناعة طائرات “الأبابيل”، ويا لعظمة الاسم والمُنجز معاً، بدلاً من الأسلحة التي تكدسها الأنظمة العربية بمليارات الدولارات، وهي توجهها نحو قلوب ورقاب المُخلصين من أبنائها، ولكم كان يسر ويسعد الراحل الدكتور “جمال حمدان”، وكثيرون على شاكلته، أن يروا هذه المنظومة الفلسطينية المُشرفة.

إن اغتيال “الزواري”، ولو أنه مثل “ثغرة” نفذ العدو منها إليه، فقد ساهم الرجل، رحمه الله، في سد ثغرات عن الأمة، وتسبب بعلمه في استمرار حماية العشرات من قادة المقاومة، رغم تغيير (إسرائيل) لمنظومتها التجسسية، مما ساوى توفير ما لا يحصى من الجهود من أجل تقدم “حماس” وجناحها العسكري، وبعيداً عن تهليل الصحافة الصهيونية، بما رأوه نصراً، فما هو إلا أن تنتبه “حماس” إلى ثغرة جديدة تحفظ بها علماءها، كما حفظت بجهود الشهيد “الزواري”، وغيره، قادتها، وإن الحقيقة لتشي بأن المنظومة تتقدم، رغم مواجهتها دولة باغية تتحصن بقمة إنجازات الحضارة الغربية، فيما قطاع غزة يعاني حصاراً لسنوات متواصلة، وظروفاً معيشية صعبة، ورغم هذا ينجز متحدياً القواعد والتطبيقات العلمية التكنولوجية المتقدمة!

لقد أكدت “حماس” في بيانها عن اغتيال “الزواري” إنه “يُمثل ناقوس خطر لأمتنا العربية والإسلامية بأن العدو الصهيوني وعملاءه يلعبون في دول المنطقة ويمارسون أدواراً قذرة وقد آن الأوان لأن تقطع هذه اليد الجبانة الخائنة”.

فإن كان القوم لدينا، ممن تخاطبهم “حماس” غير مهتمين، بخاصة المُسمين بالرؤساء والقادة، إلا القليل النادر، فإن قلوبنا التي انفطرت لوفاة “الزواري” العالم والإنسان المخلص، يملؤوها الأمل في نجاح “حماس” في تحقيق مزيد من الإنجازات في مواجهة العدو الصهيوني، والاستبشار بيوم قريب تسير فيه حركة حالية، أو قادمة من رحم الغيب، مستثمرة الطاقات الحالية.. مُحسنة توجيهها، كي نكون جميعاً على درب “حماس” و”الزواري” في تقديم “حياة مثمرة” في خدمة الأمة العربية الإسلامية، و”وفاة مُشرفة”! (1).

———————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close